هل بلغ صراع النفوذ في كردستان مرحلة كسر العظم؟

هل بلغ صراع النفوذ في كردستان مرحلة كسر العظم؟

بلغ الخلاف بين الحزبين الرئيسين في إقليم كردستانبشأن صيغة إدارة الحكم أوجه، مع تخطيهما مرحلة حرب الاتهامات نحو تبادل التهديدات على مستوى المكاتب السياسية وقادة من الصف الأول، فيما قلل سياسيون ومراقبون من مخاطر انقسام الإقليم بسبب “المصالح العليا” المشتركة في مقدمتها ملف الطاقة ومؤثرات السياسة الدولية.

اشتد التوتر بين الحزبين “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني صاحب النفوذ الأقوى في محافظتي أربيل ودهوك، ويطلق عليها شعبياً “المنطقة الصفراء”، ونظيره “الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني، حيث ينحصر نفوذه في محافظة السليمانية المعروفة “بالمنطقة الخضراء”، على خلفية اغتيال ضابط في جهاز الاستخبارات بمدينة أربيل منتصف الشهر الماضي.

وتتهم أربيل جهاز “مكافحة الإرهاب” التابع لـ”الاتحاد” بالوقوف وراء العملية، بالتزامن مع ذروة صراعهما على المناصب في الحكومة الاتحادية، وما أعقبه من إعلان “الاتحاد” مقاطعة اجتماعات حكومة الإقليم التي يقودها “الديمقراطي”.

سياسة كسر العظم

حملة الاتهامات فاقمت من الشرخ الآخذ بالاتساع عقب تصريحات أطلقها القيادي في “الاتحاد” نائب رئيس الإقليم جعفر شيخ مصطفى اتهم فيها حزب بارزاني “بالتحكم في إيرادات الإقليم من النفط والمعابر”.

وأقر مصطفى بأن علاقات حزبه مع “الديمقراطي” بلغت مرحلة كسر العظم لتقضي على عهد الشراكة، وقد فقد فيه الشعب الآمال، وشدد على أن “الاتحاد” سبق وتغاضى عن حقوقه من أجل المصلحة العامة، و”قد حان الوقت ليقول كفى، لقد أصبحت سمعة الإقليم سوداء لدى التحالف الدولي (بقيادة واشنطن)”.

رد “الديمقراطي” جاء سريعاً من خلال بيان أكد فيه على أن “يأس الشعب ناجم عن سياسة الاتحاد الغامضة والبعيدة من مبادئ المصالح الوطنية والقومية العليا، وتنصله من تطبيق الاتفاقات والإقرار بنتائج الانتخابات، وهو يحاول اليوم التغطية على فشله في حل مشكلاته الداخلية عبر ادعاء المخاوف من تدهور الأوضاع والتحذير من مخاطر الانقسام”.

وتساءل “الديمقراطي” كيف يمكن لـ”الاتحاد” أن يحل مشكلات الإقليم وهو لا يميز بين المنافسة والعدائية، ويضع مصلحته فوق الجميع؟ ثم كيف يمكن أن يقبل شعب الإقليم باغتيال مواطن في وضح النهار؟ ولم كل هذا الارتباك ومحاولة زعزعة الأوضاع بمجرد المطالبة بتسليم القتلة؟

زعيم “الاتحاد” بافل طالباني عاد من جهته مهدداً حزب بارزاني بالقول “سنرد بشكل لا تتوقعونه إذا ما تجاوزتم الحدود”، وقال إن “السيد مصطفى وسائر قادة حزبنا هم عندي خط أحمر”.

معادلة غير متوازنة

هذا التطور ولد تساؤلات حول العوامل والأسباب التي دفعت بحزب طالباني نحو مقاطعة الحكومة في هذا التوقيت على رغم أنه كان شريكاً رئيساً بموجب اتفاقية توحيد إدارتي الإقليم المبرمة عام 2006.

وإزاء طبيعة تلك العوامل من وجهة نظر “الاتحاد” يقول الكادر المتقدم البارز في الحزب غياث سورجي “منذ اتفاقية إعادة التوحيد قدم حزبنا إدارته على طبق من ذهب إلى الديمقراطي، من أجل صون وحدة الإقليم، لكننا تعرضنا للإجحاف والتهميش نتيجة اتباع صيغة غير متوازنة، على رغم  ذلك تحملنا حماية للمصلحة الوطنية والقومية”.

واستدرك “لكن بعد محاولة الديمقراطي انتزاع منصب رئاسة الجمهورية، على رغم أنه يستحوذ على أغلب المناصب، سواء في الإقليم أو بغداد، بما فيها مقاعد كوتا الأقليات، تعمق الخلاف وبدأوا بإلصاق التهم، ومنها ارتكاب عمل إرهابي، من خلال سيناريو عشية جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

وأضاف “كما أقدم على استقطاب أعضاء ومسؤولين أمنيين طردهم حزبنا وفتح لهم مكتباً في أربيل، وقاموا أخيراً بمحاصرة منزل قباد طالباني (نائب رئيس الحكومة عن الحزب)”، محذراً من أن “الإقليم سيواجه كارثة إذا لم تغلب فيه لغة المنطق على سياسة كسر العظم”.

وحول تداعيات هذا الانقسام على مستقبل الإقليم سياسياً واقتصادياً، يرى سورجي أن “الكرد كان بإمكانهم تشكيل ائتلاف موحد في بغداد بعد الانتخابات الاتحادية الأخيرة، ولتمكنوا من حصد مكاسب مضاعفة للإقليم بمجموع مقاعد الحزبين التي تتجاوز 50 مقعداً، عدا مقاعد بقية الكتل الكردية، لكن انضمام “الديمقراطي” إلى ائتلاف الصدر (الشيعي) والحلبوسي (السني)، وتحالف حزبنا مع ائتلاف الإطار التنسيقي (المقرب من طهران) أضعف موقف الكرد، وانعكس سلباً على الإقليم”.

وطالب سورجي الحزب الديمقراطي “التعامل بحذر مع المخاطر المحدقة باعتباره صاحب النفوذ الأكبر نيابياً وحكومياً في الإقليم، والتوقف عن محاصرة السليمانية والتمييز بين مناطق الإقليم، واستمرار محاولة تحجيم حزبنا، لأننا جربنا حرباً أهلية وكانت نتائجها كارثية على الجميع ما يستدعي تغليب لغة الحوار”.

المشتركات تفوق الخلافات

لكن في المقابل، يصف المستشار الإعلامي لرئيس الحزب “الديمقراطي” كفاح محمود الخلاف بأنه “أمر طبيعي بين حزبين يتنافسان منذ عشرات السنين، بخاصة على صعيد الانتخابات والحكومة سواء في الإقليم أو بغداد”.

وقال محمود إن “التصعيد الآني ناجم عن تداعيات نتائج الانتخابات 2018 التي تراجع فيها الاتحاد بشكل كبير في البرلمانين المحلي والاتحادي، على رغم أن الديمقراطي لم يتعامل معه على ضوء تلك النتائج في المناصب داخل الإقليم، واعتبره شريكاً خارج الاستحقاقات الانتخابية بسبب مناطق النفوذ والعمل المشترك”.

وأوضح أن “الخلاف على المناصب في بغداد على رغم ذلك استمر، وتحديداً على منصب رئاسة الجمهورية الذي أصر فيه الاتحاد طرح مرشح غير مقبول لدى الديمقراطي، ما دفع بالأخير لسحب مرشحه ودعم مرشح اتحادي بتأييد من ائتلاف دولة القانون الأكبر، وهو الطرف الأقوى ضمن الإطار التنسيقي، وكان بمثابة سبق سياسي للديمقراطي”، وقلل من تداعيات الأزمة قائلاً، إن “الحزبين في النهاية سيلجآن للتفاهم لكون المشتركات والمصالح العليا بينهما أهم وأقوى من جوانب الاختلاف”.

وحول ادعاءات قادة “الاتحاد” لـ”الديمقراطي” بأن مقاطعته لحكومة الإقليم تأتي كرد فعل على احتكار المناصب، رد محمود بأن “هناك رأي آخر يقول إن وزراء آخرين من الاتحاد لم يقاطعوا، والسؤال هل من المعقول أن تثار هذه الجزئية بعد أكثر من ثلاث سنوات من المشاركة في الحكم؟ واضح أن هذا التصعيد يعكس الصراع الداخلي في الاتحاد وليس الصراع مع الديمقراطي”.

دعوات للتهدئة

رئيس الإقليم نائب رئيس “الديمقراطي” نيجيرفان بارزاني علق خلال مشاركته في منتدى “الشرق الأوسط” الذي اختتم أعماله أمس الأربعاء على التوتر القائم بالدعوة إلى التهدئة.

وقال بارزاني إنه “لا يجوز أن تكون في الإقليم منطقتان خضراء وصفراء، أنا أعارض بشدة استخدام هاتين التسميتين، بل يجب أن يكون لدينا اسم الإقليم”.

وأوضح “لست متشائماً إلى حد لا يمكن فيه حل الخلاف بين الحزبين، لكن المهم هو كيف ينظران إلى بعضهما بعضاً، عليهما أن يعترفا بأخطائهما لكي يتوصلا إلى تفاهم مشترك”.

ونوه بأن “قوات التحالف الدولي تساعد الإقليم بقوة من أجل توحيد قوات البيشمركة (المنقسمة بين الحزبين)، حققنا خطوات جيدة، لكن ما زال أمامنا الكثير، ويجب ألا نقلل من أهمية ذلك”.

تفاوت في مستوى النفوذ

المحلل السياسي مسعود عبد الخالق يقدم رؤية تحليلية تتوافق مع رؤية المستشار محمود من أن الغلبة ستكون لصالح لغة الحوار في نهاية المطاف، وقدم ملخصاً لأسباب اتساع الخلاف، قائلاً إن “العامل المشترك والوحيد هو النفط، لكن يبدو اليوم أن هناك عوامل أخرى ظهرت أخيراً، وهي أن الديمقراطيين ازدادوا نفوذاً مقابل تراجع نفوذ بقية الأحزاب.

وأضاف أن الاتحاديين بدأوا يشعرون بأنهم أصبحوا مستهدفين بعد تدني نفوذ بقية القوى في مقدمتها حركة التغيير والقوى الإسلامية، فضلاً عن انشطار الحزبين لأول مرة على تحالفين متضادين في بغداد، ربما حقق حزب طالباني بعض التفوق في هذا الجانب، لكن الديمقراطي تمكن من ألا يصبح هذا التفوق إنجازاً أو مكسباً مؤثراً”.

ويذهب عبد الخالق إلى أبعد من ذلك في أن “سجالاً يدور الآن بين قادة الاتحاد حول مستقبل الشراكة الحكومية مع الديمقراطيين ويعتقدون أنه في حال نجاحها، فإن المكاسب والنجاحات ستحسب للطرف المقابل وسيضعهم في قبضته وقد يقاضيهم كما يحصل اليوم”.

أما في حال إخفاق هذه الشراكة، بحسب عبد الخالق، “فإنهم سيكونون شركاء في الفشل، وهنا يسألون عن جدوى الشراكة وفق هذه المعادلة، كما يقولون إنهم قدموا كثيراً من التنازلات وأفقدهم ذلك مزيداً من النفوذ، ولم يبق لديهم سوى منصب رئاسة الجمهورية الذي أصبح هو الآخر مهدداً، ما دفع بالاتحاد ليقول كفى”.

لا بديل من الشراكة

وعن توقعاته بخصوص ما سيؤول إليه الخلاف المتصاعد، يرى عبد الخالق أن “الاتحاديين يعولون على العقبات التي تعترض مستقبل مسار خلافات الإقليم مع بغداد وقرارات المحكمة الاتحادية الصادرة ضده في مسألة النفط، بكون الديمقراطيين لن يستطيعوا أن يحققوا مكاسب تذكر من دونهم (الاتحاد)، ومن هذا المنطلق يريد الاتحاديون إما شراكة متوازنة أو المقاطعة، وأرى أن أياً من الطرفين لا يمكنه المضي دون الآخر أو حتى بقية القوى بحكم طبيعة الملفات والعوامل المتعلقة بالعلاقة مع بغداد، بخاصة في مسألة النفط ومصالح الإقليم مع دول الجوار”.

وأضاف أن “هذا الانقسام أضعف الموقف الكردي ليصب في صالح بغداد، حتى إن منهاج رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني لم يطرح صراحة حلولاً جدية بين أربيل وبغداد سوى بعض العناوين العامة المكررة مثل التوافق وغيرها”.

واستبعد عبد الخالق أن يعود الحزبان إلى نظام حكم الإدارتين “أعتقد أن استقرار الإقليم مسند بالسياسة الدولية وفقاً لما تقتضيه مصالح الدول الإقليمية والعظمى، ويبدو أن هذا الوضع سيستمر مهما اتسع الخلاف بين الحزبين الحاكمين، لكن هذا لا يعني أن موقفهما لن يضعف”.

اندبندت عربي