قالت مصادر إن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني قد تمكن من حسم الخلاف بين الأحزاب الكردية على الحقائب الوزارية ضمن كابينته الحكومية، ما يسمح باستكمال طاقمها الذي ظل شاغرا بعد أكثر من شهر على نيله ثقة البرلمان العراقي.
وأفادت المصادر بأن السوداني اتفق مع القوى الكردية على أن تكون وزارة الإعمار للحزب الديمقراطي الكردستاني ومرشحه بنكين ريكاني، ووزارة البيئة للاتحاد الوطني الكردستاني ومرشحه نزار اميدي، على أن يتم التصويت على منحهما الثقة في مجلس النواب قريبا.
والوزارتان هما من ضمن 4 وزارات مخصصة للمكون الكردي ضمن التشكيلة الوزارية، إلى جانب وزارتي الخارجية التي يشغلها عن الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين، والعدل التي يشغلها عن الاتحاد الوطني الكردستاني خالد شواني.
التوافق الكردي بشأن الحقائب الوزارية يفتح الباب أمام إزالة عقبة رئيسية على طريق تفعيل الحكومة لبرنامجها
وبذلك تكون صفحة الخلاف الكردي حول هذه المسألة قد طويت، وتكون حكومة السوداني قد اكتملت تشكيلتها.
واعتمدت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003 مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية في توزيع المناصب الحكومية، وسط انتقادات لوصول شخصيات حزبية غير كفؤة إلى المناصب، وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة.
وتعد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل إحدى أبرز المشاكل التي تواجهها الحكومات العراقية المتعاقبة، ومن أهم تلك الملفات التي تحتاج إلى حوار وتفاهمات مشتركة مرتبات موظفي إقليم كردستان العراق، والتنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، والاتفاق على آلية تصدير النفط من
حقول الإقليم.
وبدأت الحكومة العراقية منذ أيام عقد لقاءات لبحث التفاهمات بشأن المشاكل العالقة بين الإقليم والمركز، وسط تفاؤل بالتوصل إلى حلول، خاصة مع وجود تفاهمات بين الجانبين سبقت تشكيل الحكومة الجديدة.
ووضع الأكراد شروطا عدة على تحالف الإطار التنسيقي، مقابل القبول بالتصويت على حكومة السوداني، فيما وعد الإطار بحل المشاكل العالقة بين الإقليم وبغداد.
وقال رئيس ديوان رئاسة وزراء إقليم كردستان العراق أوميد صباح إن “الهدف من هذه القاءات هو التباحث حول جملة الحقوق التي تخص المكون الكردي التي اتفقت عليها الوفود الحزبية الكردية مع القوى السنية والشيعية في بغداد”.
ويظهر أن القوى الكردية ستحصل على مناصب في إدارة محافظة صلاح الدين، إذ تعتبر أنها من ضمن “المناصب المسلوبة” من حقوق الإقليم، فيما تسعى حاليا للحصول على مناصب في محافظات أخرى.
ووفقا للنائب عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في محافظة صلاح الدين ملا كريم شكور، فإن “الأكراد ووفق اتفاق مع القوى السياسية في صلاح الدين سيستعيدون مناصبهم المسلوبة في المحافظة بطريقة تدريجية، بحسب الاستحقاق السكاني والانتخابي، وتحقيق التوازن الإداري بما يضمن حقوق جميع المكونات”.
وأضاف شكور أن “الكرد فقدوا مناصبهم في صلاح الدين منذ سنوات، وأبرزها منصب نائب المحافظ منذ عام 2013، ومناصب قائم مقام قضاء طوز خورماتو، ومديريات التربية والبلدية منذ عام 2017”.
وتابع “لدينا اتفاق مع الأطراف السياسية بشأن منصب قائم مقام الطوز، ولا وجود لأي مشاكل في الوقت الحالي، ونسعى لاستعادة مناصبنا بتهيئة الأرضية الملائمة لذلك”، مشددا على “ضرورة تحقيق التوازن الإداري القومي والانتخابي في صلاح الدين متعددة القوميات والطوائف لمعالجة مشاكل المحافظة المتشعبة والتي انعكست سلبا على المواطنين”.
ويرى مراقبون أن التوافق الكردي بشأن الحقائب الوزارية يفتح الباب أمام إزالة عقبة رئيسية على طريق تفعيل الحكومة لبرنامجها الوزاري، رغم أن تقاسم الحصص الوزارية وكيفية توزيعها بين الأحزاب السياسية يبقيان هامشيين، وأن العبرة هي في ترجمة ما ورد في برنامج الحكومة ومنهاجها الوزاري لإخراج العراق من دوامة الأزمات التي تعصف به.
ويُثير إعلان حكومة رئيس الوزراء العراقي الجديد ضمن برنامجها إطلاق مشاريع تنموية غزيرة بعيدا عن النفط تساؤلات حول إمكانية تحقيق هذا، في ظل الوضع المعقد للبلاد.
وفي حين يعد السوداني بمكافحة الفساد وتحقيق تقدّم في مجالات خدمية أساسية، وعدم اعتماد سياسة المحاور في العلاقات الخارجية، فإن التحديات التي تنتظره لا تبشّر بنهاية قريبة لأزمات العراق.
وبجانب الشق الاقتصادي، فإن تحريك المياه الراكدة في الساحة العراقية يحتاج كذلك إلى تحريك قوانين عطلتها الصراعات السياسية حول الانتخابات وتشكيل الحكومة منذ انتخابات أكتوبر 2021.
وفي هذا، ضمَّن السوداني برنامجه إصدار تشريع قانون مجلس الاتحاد وتشريع قانون المحكمة الاتحادية خلال 6 أشهر، مع تعديل قانون الانتخابات خلال 3 أشهر وإجرائها خلال عام واحد.
الحكومات العراقية المتعاقبة اعتمدت مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية في توزيع المناصب الحكومية، وسط انتقادات لوصول شخصيات حزبية غير كفؤة إلى المناصب
وقانونا مجلس الاتحاد والمحكمة الاتحادية من القوانين المعقدة التي مضت عدة أعوام، ولم يتمكن البرلمان من تشريعها بسبب الخلافات السياسية حولها.
ويرى محللون أن أزمة العراق لا ترتبط فقط بالحكومات المتعاقبة بل بخلل في بنية النظام وكيفية تعاطي الطبقة السياسية مع التحولات في المجتمع.
ويقول محلل السياسي علي البيدر إن المشكلة تكمن في أن هذه الحكومة “جاءت بنفس أساليب الحكومات السابقة ونفس الكتل السياسية والأحزاب والتيارات، التي حكمت المشهد السياسي منذ إسقاط نظام صدام حسين بعد العام 2003. لكن هذه الحكومة تفتقد لتيار أساسي هو التيار الصدري الذي كان مشاركا في كلّ الحكومات السابقة مذّاك”.
ويضيف أن “القضية تتعلق بعقلية الأحزاب التي أصبحت ترى في موارد الدولة وإمكانياتها جزءا من ميراث يفترض أن يوزع في ما بينها”.
وتوزعت المناصب في الحكومة الجديدة بين المكونات والطوائف في البلاد: 12 وزيرا من الطائفة الشيعية، 6 وزراء من الطائفة السنية، وأربع وزارات للأكراد، ووزارة واحدة للأقليات.
وتعتبر غالبية الوزراء الشيعة مقربين من أحزاب في الإطار التنسيقي، وهو التحالف الشيعي الذي رشّح السوداني والمكوّن خصوصا من كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ومن كتلة الفتح الممثلة لفصائل شيعية موالية لإيران. والسوداني نفسه كان وزيرا سابقا ومحافظا ويعدّ مقربا من زعيم حزب الدعوة نوري المالكي.
صحيفة العرب