رغم إعلان السلطات التركية حظر المعلومات ونشر الصور، فقد تابع العالم، عبر مقاطع مصورة انتشرت على وسائل التواصل، وكذلك على وسائل إعلام تركية، الطريقة التي هاجم فيها مسلّحان، صباح أمس الأحد، مبنى لوزارة الداخلية التركية في العاصمة السياسية أنقرة، حيث نرى سيّارة تتوقف عند مدخل المديرية العامة للأمن ويخرج منها مهاجمان وهما يطلقان النار في اتجاه موقع الحرس ثم يختفي أحدهما مع حدوث انفجار يطلق كتلة من النيران. تؤكد الداخلية التركية، بعد ذلك، أن المهاجمين أطلقا قنبلة وأن الانفجار حصل بتفجير المهاجم الأول لنفسه، كما تؤكد مقتل الثاني بإطلاق نار مع الحراس، الذين أصيب اثنان منهما بجراح.
حصل الهجوم في حي يضم مقار عدد من الوزارات، وليس بعيدا عن بوابة مقر الجمعية الوطنية التركية (البرلمان) التي كانت ستعقد جلسة افتتاح السنة التشريعية الجديدة للدورة 28 للبرلمان، والتي كان سيشارك فيها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لإلقاء كلمة.
باختياره هذا المكان والزمان، يحاول الهجوم، بهذا المعنى، «ضرب عدة عصافير» فاستهداف مديرية الأمن يعني مواجهة الموقع الرمزي للسلطة الأمنية للحكومة، واختيار موعد افتتاح البرلمان يعني مواجهة السلطة التشريعية، كما يستهدف حضور اردوغان شخصيا، والأجندة التي يأمل من البرلمان تنفيذها.
تقول وسائل الإعلام التركية إن أجندة البرلمان، خلال الجلسة المزمعة، تتصدرها قضية انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، لكنّ الأغلب أن من قرّروا الهجوم، كانوا يحاولون توجيه رسالة رد على سياسات الحكومة وأفعالها، وليس فقط على خططها التشريعية المقبلة.
اغتيال منفذي الهجوم لطبيب بيطري وسرقة سيارته (من قيصري التي تبعد ثلاث ساعات ونصف عن أنقرة) تدلّ على تدريب عسكريّ وصرامة إجرامية، أما طريقة تنفيذ العملية فقد وجهت أنظار المحللين إلى جهات الاشتباه المعتادة في الوضع التركي، وهي حزب العمال الكردستاني، وتنظيم «الدولة» و«جماعة غولن».
تضاءل مفعول تنظيم «الدولة» بشكل كبير، وكانت عملياته تتسم بعنف هائل ضد المدنيين، أما خطر «جماعة غولن» فكان يتمثّل في أنها كانت أشبه بنظام مواز، وكان انقلاب عام 2016، هو المحاولة الأخيرة التي ضربت ذلك التنظيم الموازي ضربة كبرى.
تتعرّض الجهات الثلاث، منذ سنوات، إلى ضغوط شديدة من قبل السلطات التركية، غير أن الحزب الكردستاني يتواجه حاليا مع السلطات التركية على أكثر من جبهة، كان أخطرها وأعنفها في سوريا، مؤخرا، المواجهات بين «قوات سوريا الديمقراطية» إحدى أذرع الحزب، مع عشائر عربية تدعم بعضها تركيا، ويدعم النظام السوري جزءا آخر، كما تقوم قوات أنقرة بمواجهات مع الحزب مباشرة داخل العراق، وتطالب سلطاته، باستمرار، بتصنيفه حزبا إرهابيا، كما أنها تمارس ضغوطا على الدول الأوروبية، وخصوصا السويد، لجعل الحزب تنظيما غير قانوني.
استبق حزب العمال، على أي حال، تحقيقات السلطات التركية، التي كانت ستتوصل للنتيجة نفسها، فأعلن مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري بتأكيده لوكالة الصحافة الفرنسية تنفيذه «عملا فدائيا ضد وزارة الداخلية التركية من جانب فريق تابع للواء الخالدين» في خطوة تعلن عودة الحرب التاريخية المفتوحة بين الجهتين.
إضافة إلى هذه الحرب المفتوحة، فسيضع هذا الإعلان، واشنطن (التي أعلنت باسم وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، إدانتها للهجوم) في وضع صعب: الانحياز لحليفها الأطلسي الكبير، أم الاستمرار بدعم ذراعها العسكرية في سوريا؟