القاهرة – أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نية إسرائيل تولي “المسؤولية الأمنية الشاملة لفترة غير محددة” على قطاع غزة عقب هزيمة حماس، في خطوة قد تعني العودة إلى خيار احتلال القطاع ولكن بصيغة لا تُلزم إسرائيل بأي مسؤولية تجاه غزة كما يضبطها القانون الدولي.
وقال نتنياهو في مقابلة تلفزيونية بثتها مساء الاثنين شبكة “أيه بي سي نيوز” الأميركية “أعتقد أن إسرائيل ستتحمل لفترة غير محددة المسؤولية الأمنية الشاملة، لأننا رأينا ما يحدث عندما لا نضطلع بذلك؛ عندما لا نتحمل تلك المسؤولية الأمنية يندلع إرهاب حماس على نطاق لا يمكننا أن نتخيله”، في تلميح إلى الهجوم الكبير الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.
ولا تفكر إسرائيل في إعادة احتلال غزة بما يتطلبه ذلك من التزامات قانونية تجاه سكان القطاع، وفق القانون الدولي، لذلك قد يدفع نتنياهو إلى صيغة مؤقتة للاحتلال دون سقف زمني واضح تحت عنوان ضمان أمن إسرائيل، في انتظار البحث عن حلول أخرى قد تكون من بينها وصاية أممية أو مساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية على استعادة غزة وحكمها بالرغم من حالة الضعف التي تعيشها.
ولن يجد نتنياهو أيّ ضغط دولي لمنعه من اللجوء إلى صيغة ملتبسة تقوم على الاحتلال العسكري وفي الوقت نفسه دون تحمل إسرائيل أي مسؤولية أو التزام تجاه الفلسطينيين مثلما ينص على ذلك القانون الدولي، وخاصة ما تعلق بإعادة بناء المستشفيات وتوفير الأدوية والمواد الغذائية والوقود.
ويمكن البحث عن فهم هذه الصيغة الملتبسة في تصريح سابق أدلى به وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي قال في أكتوبر الماضي إن الحرب ضد غزة تتكون من ثلاث مراحل، تنتهي بـ”إنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة، وإزالة مسؤولية إسرائيل عن الحياة اليومية فيه، وخلق واقع أمني جديد لمواطني إسرائيل والمنطقة المحيطة بقطاع غزة”.
وقال الخبير في القانون الدولي حسن أحمد عمر إن نتنياهو يحاول التملص من أي قوانين دولية فيما يتعلق بتعامله الحالي مع قطاع غزة، ويدرك أن دولة الاحتلال تعاني وضعا غير قانوني مع صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1960 والمعروف باسم “إعلان تصفية الاستعمار” بجميع صوره.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “إسرائيل تبحث عن صيغة تمكنها من تصفية حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية التي تقاومها”، لافتا إلى أن قرار التقسيم الرئيسي في حال اعتماده والأخذ به يشير إلى أن منطقة غلاف غزة التي اقتحمتها حركة حماس في 7 أكتوبر الماضي هي أراض تابعة لقطاع غزة، إذ أن قرار التقسيم يمتد من 120 كيلومترا جنوب رفح وتحديدا من منطقة وادي غزة إلى أشدود، وبذلك تكون كل هذه المناطق تابعة للقطاع واحتلتها إسرائيل.
وذكر أن نتنياهو ليست له ولاية قانونية على قطاع غزة أو غلافها، بل إنه وقفا للقانون الدولي حماس وغيرها من الفصائل تعمل على تحرير أراضيها، مشيرا إلى أن الحديث عن مستقبل إدارة إسرائيل لقطاع غزة أمر سابق لأوانه ويستهدف الهروب إلى الأمام لتجاوز ما يتعرض له الجيش الإسرائيلي من خسائر ميدانية.
وأضاف نتنياهو “في ما يتعلّق (…) بوقف إطلاق النار لفترات قصيرة -ساعة هنا وساعة هناك- فهذا أمر سبق وأن حصل فعلاً”. وتابع “أعتقد أنّنا سندرس ظروف السماح للسلع -السلع الإنسانية- بالدخول أو ظروف السماح لرهائننا بالمغادرة، لكنّني لا أعتقد أنّه سيكون هناك وقف شامل لإطلاق النار”.
وتدعو الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وقادة العالم العربي ودول أخرى في العالم إلى وقف إطلاق النار، وهي دعوة لا تدعمها واشنطن التي تدفع في اتجاه “وقف إنساني” لإطلاق النار وتشدد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وأتت تصريحات نتنياهو بعدما طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجددا بـ”وقف إطلاق نار إنساني يزداد إلحاحا ساعة بعد ساعة” في قطاع غزة الذي تحوّل إلى “مقبرة للأطفال”. وأضاف أنّ “الكابوس في غزة هو أكثر من مجرد أزمة إنسانية. بل إن البشرية تعاني أزمة”.
إسرائيل تسلّح مواطنيها
وتبارى المسؤولون الإسرائيليون في توصيف مرحلة ما بعد السيطرة العسكرية على غزة، من خلال التركيز على حقوق إسرائيل وإهمال أي إشارة إلى وضع السكان الفلسطينيين بعد الاحتلال الجديد.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي “أولا: ستتوقف منظمة حماس عن الوجود كإطار عسكري وحكومي في غزة، وثانيا: لن يكون هناك أي تهديد أمني من غزة لمواطني إسرائيل، وثالثا: سيتمتع الجيش الإسرائيلي بحرية العمل الكاملة دون قيود على استخدام القوة”، دون المزيد من التفاصيل.
من جهته اعتبر زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المعارض أفيغدور ليبرمان أن “المطالبة بعودة (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبومازن والسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة وهْمٌ، بل وهم خطير (…)، ويمكن رؤية مثال ملموس على ذلك في الضفة الغربية ضمن المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، فلولا الدعم الإسرائيلي لما تمكن أبومازن وحكومته من البقاء ولو للحظة واحدة”.
وأضاف “في 15 أغسطس 2005 دخلت ‘خطة فك الارتباط’ حيز التنفيذ، وهي خطوة تم فيها إخلاء جميع المستوطنات والمستوطنين من قطاع غزة إلى أراضي إسرائيل”.
وتابع “دخلت السلطة الفلسطينية قطاع غزة بدعم كامل من إسرائيل والولايات المتحدة وتولت مسؤولية الإدارة اليومية والأمن في المنطقة. وفي ذلك العام أيضا انتُخب أبومازن للمرة الأولى والأخيرة لرئاسة السلطة الفلسطينية وكان في أوج قوته”. وأشار ليبرمان إلى أنه “في عام 2007 سيطرت حركة حماس على قطاع غزة”.
العرب