الخرطوم – زاد التحشيد من قبل الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، ما يجعل نتيجتها مؤثرة ويمكن أن تحدد مسار الصراع السوداني ونتائجه، ويعتبرها كل طرف مصيرية؛ فهي بالنسبة إلى الجيش آخر حامية عسكرية تتواجد فيها قواته ضمن إقليم دارفور بعد سيطرة الدعم السريع على نحو 80 في المئة، وخسارة الجيش لهذه المدينة تعني خسارة جميع ولايات الإقليم الخمس.
أما انتصار الدعم السريع في معركة الفاشر فسيؤدي إلى التحكم في مصير إقليم دارفور وتوجيه ضربة مادية ومعنوية للجيش، في حين أنه أعلن عن تحقيق تقدم في أم درمان، ويمنح قوات الدعم السريع فرصة إعادة ترتيب أوضاع الإقليم والبحث عن صيغة مناسبة للتعاون مع قواه المحلية الرئيسية.
وتمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على أربع ولايات من أصل خمسة في إقليم دارفور، هي جنوب وغرب وشرق ووسط دارفور، ولم تتبقّ إلا ولاية شمال دارفور التي تعيش وضعا استثنائيا، حيث تتمركز قوات الدعم السريع في شرق المدينة، وتتواجد قوات تابعة للجيش وحركات مسلحة في أجزاء أخرى.
انتصار الدعم السريع في معركة الفاشر يؤدي إلى التحكم في مصير إقليم دارفور وتوجيه ضربة مادية ومعنوية للجيش
ويفضي تفوق معسكر الجيش إلى تأكيد قدرته على استرجاع ما سيطرت عليه قوات الدعم السريع من مساحات كبيرة داخل إقليم دارفور وخارجه في العام الأول من الحرب، وبالتالي كسر حلقة رئيسية مما تردد حول وجود سيناريو لفصل الإقليم.
وأعربت الولايات المتحدة الأربعاء عن قلقها من مؤشرات على هجوم وشيك من قبل قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، وحثت الأطراف السودانية المسلحة على وقف الهجمات.
والجمعة حذر مسؤولون كبار في الأمم المتحدة من أن نحو 800 ألف شخص في مدينة الفاشر معرضون لخطر شديد ومباشر في ظل تزايد أعمال العنف والتهديد بإطلاق العنان لصراع قبلي دموي في جميع أنحاء دارفور.
وحشدت قوات الدعم السريع مسلحيها في سبتمبر الماضي للهجوم على الفاشر ثم تراجعت بعد تفاهمات مع عدد من قادة الحركات المسلحة كانت تقف على الحياد، لكنْ تم اختراق الحياد بالانحياز إلى الجيش.
وأكد القيادي في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير المعز حضرة أن الحرب الدائرة في السودان لم تتّخذ مسارا مناطقيا، وأن الحشد من جانب الجيش والدعم السريع وتحالفات كل منهما يبرهن على حالة الاستقطاب الحاد الذي قد يفرز شكلا من أشكال الحرب الأهلية، ويضر بالوحدة القومية، ليبقى مستقبل الدولة على المحك.
وأوضح حضرة في تصريح لـ”العرب” أن “سقوط الفاشر يعني المزيد من التفتت والتشرذم في السودان، وأن 80 في المئة تقريبًا من مناطق السودان طالتها الحرب، ومن المتوقع أن تشهد بقية المناطق تباعًا اشتباكات مماثلة، وتحديدا في شندي وعطبرة بجهة الشمال”.
وأشار إلى أن سيطرة أي طرف على الفاشر لا يعني أنه حقق انتصارا نهائيا، لأن الصراع سيتخذ منحى قبليّا، ومعايير الانتصار والهزيمة تتبدل، مع إمكانية تمدد الصراع بين القبائل في ظل وجود الحركات المسلحة وتحصنها بمدينة الفاشر.
وأعلنت كل من حركة تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، التخلي عن الحياد والانضمام إلى القتال بجانب الجيش في مواجهة الدعم السريع.
وكانت مسؤولة الشؤون السياسية في الأمم المتحدة روزماري ديكارلو قد قالت لمجلس الأمن إن الاشتباكات بين قوات الدعم السريع وعناصر من قوات الدفاع الشعبي المتحالفة مع الجيش تقترب من الفاشر، ما يطلق العنان لصراع قبلي في دارفور. وشددت قوات الدعم السريعِ الحصارَ الذي تفرضه على الفاشر بشمال دارفور مؤخرا وقامت بحشد المئات من المقاتلين الجدد على أطراف المدينة.
وذكرت تقارير محلية أن الآلاف من المقاتلين تحركوا نحو الفاشر من مواقع مختلفة لإحكام السيطرة على المدينة الوحيدة التي تتواجد فيها حامية الجيش بدارفور، وقوة قوامها 700 مقاتل على ظهر سيارات دفع رباعي ودراجات نارية تحمل أسلحة ثقيلة من مدافع وثنائيات ورشاشات ومضادات الطيران، جاءت من نيالا بقيادة مالك علي متجهة نحو مدينة الفاشر.
وكشف موقع “دارفور 24” انسحاب العقيد صالح الفوتي من مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان والاتجاه إلى الفاشر، ووجود أعداد كبيرة من مقاتلي الدعم السريع في المناطق المجاورة لمحلية الكومة، 76 كيلومترا شمال شرقي المدينة.
ولفتت مصادر من مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور إلى تحرك الآلاف من المقاتلين نحو مدينة الفاشر عبر مدينة كأس والملم وميرشنج التابعة لجنوب دارفور.
وعزز الجيش وقوات الحركات المسلحة المتعاونة معه دفاعاتهم في جنوب مخيم زمزم للنازحين، وشوهد الدفع بعدد من السيارات وحفر الخنادق حول المدينة في محاولة لمنع قوات الدعم السريع من دخول المدينة من الجنوب.
وزودت الطائرات الحربية حامية الجيش في مدينة الفاشر بإمدادات من الذخائر ومدافع الهاون وطائرات مسيرة هجومية واستطلاعية ونخبة من القوات الخاصة.
وزاد الموقف تعقيدا في دارفور إثر إعلان رئيس مجلس الصحوة الثوري وزعيم قبيلة المحاميد الشيخ موسى هلال قبل أيام انحيازه إلى الجيش والقتال معه ضد قوات الدعم السريع، ما أثار جدلاً بسبب الخصومة السابقة بينه وبين قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي قام باعتقاله وتسليمه إلى الخرطوم في نوفمبر 2017 ثم أطلق سراحه.
ومن راهنوا على أهمية انحياز هلال إلى الجيش في معارك الفاشر تجاهلوا أن قوات الدعم السريع اتفقت معه في فبراير الماضي على تجاوز نقاط الخلاف والتزام كل طرف بعدم الإضرار بالآخر، ومنحه الاتفاق حق الاحتفاظ بجيشه ومعسكراته.
كما تبرأت بعض قيادات الإدارات الأهلية لقبيلة المحاميد في ولاية غرب دارفور من تصريحات هلال التي أعرب فيها عن دعمه الجيش، وقال أحد أمراء القبيلة إن أبناء المحاميد أكثر أبناء الشعب السوداني تضررا من ممارسات الجيش، وقال آخر إن أبناء هلال في الصفوف الأمامية مع قوات الدعم السريع، لكن تصفية الحسابات المؤجلة بين هلال وحميدتي يمكن أن تؤجج الصراع في دارفور.
العرب