قدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال هذا الشهر منهجا مدرسيا جديدا قائلا إنه “يعزز تماسك الأسرة والأخلاق”، رغم احتجاجات نقابات معلمين اتهمته بـ”أسلمة التعليم”. وقال أردوغان الذي يحكم تركيا منذ أكثر من عقدين إن “الهدف النهائي لهذه الجهود هو تربية أطفالنا ليكونوا أشخاصا أخلاقيين، وشجعانا، وقويي الإرادة ومنتجين وعطوفين ووطنيين ونقديين وأكفاء وفاضلين ومستقيمين روحيا، قلبا وجسدا”.
وقال أردوغان “لن نسمح لأحد أن يحول بين أطفال هذا البلد وبين القيم الدينية. الفترة التي واجه فيها الأطفال التمييز لمجرد أنهم يصلّون ويرتدون الحجاب قد ولّت”، في إشارة إلى إلغائه الحظر على الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة في العقد الأول من هذا القرن.
وعبّر الرئيس التركي عن رفضه للانتقادات الموجهة للمنهج الدراسي الجديد في تركيا وتعهد بإعطاء الأولوية “للقيم الوطنية” في مواجهة مخاوف من تآكل الأسس العلمية والعلمانية في المدارس جراء تغيير المناهج.
وقال وزير التربية الوطنية يوسف تكين إن الحكومة وضعت المنهج الدراسي الجديد بمشاركة ديمقراطية كافية. ويتركز القلق العلماني على برنامج يطلق عليه اسم “جيديس” تقول وزارة التعليم إنه يستهدف تشجيع الأطفال على تبني “قيم وطنية وأخلاقية وإنسانية وروحية وثقافية”، لكن المعارضين يقولون إن هذه القيم إسلامية في جوهرها.
تثير الخطوات التي تتخذها تركيا لنشر القيم الأخلاقية التقليدية لدى الطلاب وزيادة دروس الدين الإسلامي وفتح قاعات للصلاة في المدارس مخاوف العلمانيين في البلاد وتظهر الخلافات حول الدور الذي يجب أن يلعبه الدين في التعليم. كما ستثير هذه الإجراءات، التي سوف يتم تطبيقها في العام الدراسي القادم، توترا حول موضوع مشحون للغاية بالفعل مع احتفال تركيا بمرور مئة عام على تأسيس مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية العلمانية.
ويتركز القلق العلماني على برنامج يطلق عليه اسم “جيديس” تقول وزارة التعليم إنه يستهدف تشجيع الأطفال على تبني “قيم وطنية وأخلاقية وإنسانية وروحية وثقافية”، لكن المعارضين يقولون إن هذه القيم إسلامية في جوهرها.ورفعت إيجيتيم إيس دعوى قضائية تسعى فيها إلى إلغاء مشروع “جيديس”، وهو مشروع مشترك بين وزارات التعليم والرياضة والشباب ومديرية الشؤون الدينية، على أساس أنه مخالف للدستور ومعاد للعلمانية. ويشكون من أنه بموجب هذا المخطط يتم إرسال مئات الدعاة الإسلاميين أو الأئمة وغيرهم من المسؤولين الدينيين إلى المدارس.
وتقول وزارة التعليم إنه لم يتم تعيين مثل هؤلاء “المستشارين الروحيين” في المدارس، حيث يشارك هؤلاء فقط في أنشطة خارج المدرسة. وقال مركز حقوق الأطفال التابع لنقابة المحامين في إسطنبول إنه بينما يتناول المنهج في الكثير من مواضيعه العناصر الدينية والوطنية، “لا يتم إعطاء أيّ مساحة للقيم الوطنية مثل أتاتورك والعلمانية والجمهورية”، في إشارة إلى مؤسس تركيا العلمانية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
وقال كاظم أوزباي، رئيس “إيتيم إيش”، وهي نقابة للعاملين في التربية والعلوم، إن المنهج الجديد جرى إعداده بهدف تربية “أجيال تشبه الروبوتات بلا روح، لا تفكر، ولا تتساءل، ولا تنتقد، ولا تعترض، ولا تفسر”.وأضاف “من الواضح أنهم يريدون وضع منهج ديني ووطني”، مشيرا إلى أن نقابته تستعد لرفع قضية ضد المنهج.
وفتحت تركيا تحت إشراف من أردوغان الكثير من مدارس “الإمام الخطيب” الإسلامية تماشيا مع هدفه المتمثل في خلق “جيل تقي”.وزاد عدد مدارس الإمام الخطيب، التي تأسست لتعليم الدعاة والخطباء، إلى نحو 1700 مدرسة من 450 مدرسة في عام 2002 عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة لأول مرة. وقد زاد عدد طلابها ستة أمثال ليصلوا إلى أكثر من نصف مليون.
هذا التطور في التعليم الديني في تركيا جاء مغايرُا لأسلوب الدولة “الأتاتوركية”. فلم يبدأ حزب العدالة والتنمية بتغيير تركيا من فوق عبر الدستور والقوانين، أو عبر فرض سياساتهم السلطوية بالقوة والإكراه، إنما عبر إحداث تغييرات في البُنى الاجتماعية والاقتصادية. فأفرزت إصلاحاتهم الاقتصادية الناجحة من ناحية وتلك الاجتماعية شبه المحافِظة من ناحية أخرى قبل العام 2011 شعبية ملفتة لحزب “العدالة والتنمية”، مكنته من الفوز في جميع الانتخابات؛ النيابية والبلدية والرئاسية منذ العام 2002 إلى اليوم. ثم عمد الحزب الحاكم إلى زيادة نسبة أسلمة الدولة والمجتمع التركي وذلك بعد إفقاد الجيش قوته السياسية والشعبية وإخضاعه لسلطة الحكومة ذات التوجه الإسلامي. فتحولت الأسلمة البسيطة للدولة والمجتمع قبل العام 2011 إلى أسلمة واضحة وعميقة بعد ذلك التاريخ، خصوصاً وأن الدعم الشعبي لها كان في أوجه خلال تلك الفترة.
فمع وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم، برز فهم خاص للعلمانية في تركيا، فلم يتم إلغاؤها من الدستور إنما أفرغت من مضمونها بعد أن قدم الحزب فهمًا خاصًا لها، ومارس سياسات متتالية أعادت الاعتبار للمفاهيم والرموز الدينية في المجتمع والدولة.وعلى الرغم من أن سياسات الحزب الحاكم أصبحت محافِظة أكثر بعد العام 2011، إلا أنه أعاد الإسلام إلى الفضاء التركي العام عبر إحداث تغييرات اجتماعية عميقة غالبًا ما ألحقها بقوانين وتشريعات كاستجابة لمطالب المواطنين، وذلك على نقيض “الأتاتوركية” التي فرضت العلمانية بشكل فوقي على الأتراك.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية