البريكس والسعي نحو نظام عالمي ديمقراطي متعدد الأقطاب: رؤية روسيا واهتمام أنقرة بالانضمام ماذا يعني ؟

البريكس والسعي نحو نظام عالمي ديمقراطي متعدد الأقطاب: رؤية روسيا واهتمام أنقرة بالانضمام ماذا يعني ؟

الباحثة شذى خليل*
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن دول البريكس ملتزمة بإنشاء نظام عالمي ديمقراطي متعدد الأقطاب، يستند إلى قواعد قانونية واضحة وملزمة. جاءت تصريحاته هذه في رسالة ترحيبية إلى المشاركين والمنظمين وضيوف المنتدى القانوني التاسع لدول البريكس، الذي عُقد في موسكو. وأشار بوتين إلى أن موضوع المنتدى “القانون في حماية السلام العادل” يتماشى مع أولويات رئاسة روسيا لمجموعة البريكس، ويعكس الهدف المشترك لدول المجموعة في تأسيس نظام حوكمة عالمي أكثر توازنًا وشمولية.

رؤية بوتين للبريكس
في رسالته، أوضح الرئيس بوتين جدول أعمال المنتدى، الذي يغطي مجموعة واسعة من القضايا. تشمل هذه القضايا العدالة الدولية، التعليم والبحث القانوني، الجوانب القانونية للتجارة والاستثمار، حماية الملكية الفكرية، وآليات حل النزاعات التجارية عبر الحدود. كما ركز المنتدى على حماية المصالح المشروعة للمواطنين في مختلف القطاعات.

أعرب بوتين عن ثقته في أن النقاشات داخل المنتدى ستؤدي إلى نتائج مثمرة، تعزز الشراكات وتقوي التعاون القانوني بين دول البريكس. الهدف ليس فقط بناء علاقات اقتصادية، بل أيضًا توحيد الأنظمة القانونية لدول الأعضاء لضمان تسهيل التجارة والتعاون داخل المجموعة. هذا، وفقًا لبوتين، أمر أساسي لتطوير نظام عالمي متعدد الأقطاب.

يُعقد المنتدى القانوني التاسع لدول البريكس في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، ويستمر من 19 إلى 29 سبتمبر. يجمع المنتدى المهنيين القانونيين من دول البريكس بهدف تعزيز التعاون القانوني، وتشجيع التبادل المهني والعلمي بين محامي دول البريكس، وتوحيد الأطر القانونية بين دول الأعضاء لتسهيل التجارة وحل النزاعات.

اهتمام تركيا بالانضمام إلى البريكس
بالتزامن مع انعقاد المنتدى، أبدت تركيا اهتمامًا بالانضمام إلى مجموعة البريكس. أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مؤخرًا رغبة أنقرة في أن تصبح عضوًا في البريكس. ومع ذلك، أشار إلى أن البريكس لم تؤسس بعد هياكلها المؤسسية بشكل كامل، مما يشكل تحديًا أمام انضمام أعضاء جدد. وعلى عكس الاتحاد الأوروبي، الذي لديه نظام عملة مشتركة ونماذج تمويل ومعايير استثمار، لا يزال البريكس يتطور في هذه المجالات.

ذكر فيدان أنه بينما تسعى تركيا لاستكشاف منصات مختلفة للتجارة والتعاون الاقتصادي، إلا أن البريكس يعد حاليًا منصة أكثر منها كتلة اقتصادية متكاملة بالكامل. واعترف بأن مستقبل تركيا الاقتصادي مرتبط بشكل وثيق بعلاقتها مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن أنقرة منفتحة أيضًا على فرص أخرى للتجارة والتعاون، بما في ذلك البريكس، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والمنظمات الاقتصادية الإقليمية مثل منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود ومجموعة الثماني.

تشير تصريحات فيدان إلى أن تركيا تدرس بعناية الخيارات الاقتصادية المحتملة، مع الاعتراف بالحاجة إلى إطار مؤسسي أقوى داخل البريكس قبل أن تنضم بشكل كامل.

التحليل الجيوسياسي والاقتصادي
تعكس الأهمية المتزايدة لمجموعة البريكس تحولًا في ديناميكيات القوة العالمية، حيث تسعى الاقتصادات الناشئة مثل الصين وروسيا والهند إلى تحدي الهيمنة التقليدية للقوى الغربية. يهدف إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب إلى تقديم بديل للنظام الأحادي الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها تاريخياً. بالنسبة لروسيا، تعد البريكس منصة مهمة لتجاوز العقوبات الغربية وتعزيز علاقاتها مع الاقتصادات الكبرى الأخرى، خاصة في ظل الصراعات الجيوسياسية الجارية.

تعد مسألة توحيد الأطر القانونية والاقتصادية داخل البريكس أساسية لتعميق التعاون وتقليل الاعتماد على المؤسسات الغربية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. من خلال بناء إطار قانوني قوي، تسعى البريكس إلى تعزيز التجارة بين دول المجموعة، وتسهيل الاستثمارات عبر الحدود، وحماية مصالح مواطنيها، مما يجعلها بديلاً محتملاً للنظام العالمي الذي تقوده الدول الغربية.

بالنسبة لتركيا، قد يوفر الانضمام إلى البريكس فرصة لتنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، كما أشار فيدان، يتعين على البريكس حل التحديات المؤسسية قبل أن تتمكن من تقديم مستوى التكامل الاقتصادي والتعاون الذي تسعى إليه أنقرة.

الخلاصة
مع استمرار تطور مجموعة البريكس وتوسيع نفوذها، تمثل هذه المجموعة فصلاً جديدًا في الحوكمة العالمية، حيث تسعى الاقتصادات الناشئة إلى إعادة تشكيل النظام الدولي. تركيز روسيا على الأطر القانونية واهتمام تركيا بالانضمام إلى المجموعة يشير إلى رغبة في الاستقلالية عن المؤسسات الغربية، ودفع نحو نظام عالمي أكثر ديمقراطية وتعددية الأقطاب. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة لتحقيق التكامل المؤسسي الكامل داخل البريكس، وهو ما سيكون حاسمًا لنجاحها على المدى الطويل وجذب أعضاء جدد مثل تركيا.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية