الباحثة شذى خليل*
شهد القطاع المصرفي العراقي في السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً يعكس جهوداً كبيرة لتحديث النظام المالي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. يعد هذا النمو دليلاً على التقدم الذي أحرزه العراق في تحسين البنية التحتية المالية وزيادة الثقة في النظام المصرفي، مما ساهم في زيادة موجودات البنوك بشكل كبير. ويظهر التحليل الأخير لتطور أصول البنوك العراقية على مدى خمس سنوات تبايناً في معدلات النمو بين البنوك التي لديها حسابات مراسلة مع الولايات المتحدة وتلك التي تركز على المعاملات المحلية أو الإقليمية، وكذلك البنوك التي تنفذ المعاملات المالية الخارجية.
في هذا السياق، يتناول هذا التحليل العوامل التي تقود هذا النمو والتحديات التي قد تؤثر عليه، بالإضافة إلى استعراض الفرص الاقتصادية المحتملة التي قد تنبثق عن هذا التوسع المصرفي كما ذكر في تقارير اقتصادية معتمدة مؤخرا
التحليل الاقتصادي لتطور موجودات البنوك العراقية
1. النمو القوي في المصارف التي لديها حسابات في بنوك مراسلة أمريكية
اذ شهدت المصارف التي لديها حسابات في بنوك مراسلة أمريكية نمواً ملحوظاً، حيث ارتفعت موجوداتها بنسبة 240.4% من عام 2019 إلى 2024. تمثل هذه الفئة الآن 34.5% من إجمالي موجودات البنوك في 2024.
يعكس هذا النمو تزايد اندماج البنوك العراقية في النظام المالي العالمي، خاصة مع المؤسسات المالية الأمريكية. قد يكون هذا نتيجة لتحسين اللوائح التنظيمية، وزيادة الثقة في العمليات المصرفية العراقية، أو ارتفاع الطلب على المعاملات الدولية التي تسهلها العلاقات المصرفية المراسلة.
والأثر الاقتصادي المحتمل: يمكن أن تدعم العلاقات المصرفية الدولية المعززة التجارة والاستثمار، مما يسهل على الشركات العراقية إجراء معاملات عبر الحدود. هذا قد يعزز الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) ويحفز تنويع الاقتصاد من خلال تسهيل الوصول إلى رؤوس الأموال والسلع الأجنبية.
2 النمو المعتدل في المصارف التي ليس لديها حسابات في بنوك مراسلة أمريكية
حيث شهدت المصارف التي ليس لديها حسابات مراسلة في الولايات المتحدة نمواً مستقراً بنسبة 78.7% على مدى ست سنوات، مع معدل نمو سنوي قدره 7.1%.
يعكس هذا النمو المستقر اعتماد هذه البنوك على العملاء المحليين أو الإقليميين بدلاً من الشراكات الدولية. قد تكون هذه البنوك تخدم قطاعات الاقتصاد الأكثر تركيزاً على السوق المحلية أو الإقليمية.
والأثر الاقتصادي المحتمل: على الرغم من أن هذه البنوك تساهم بشكل كبير في النظام المالي، فإن محدودية تعرضها الدولي قد تقيد إمكاناتها للنمو وقدرتها على الوصول إلى رؤوس الأموال الأجنبية. ومع ذلك، فإنها لا تزال تلعب دورًا حيويًا في دعم الأعمال المحلية والمستهلكين، مما يعزز الشمول المالي داخل العراق.
تراجع النمو في المصارف المنفذة للمعاملات المالية الخارجية
اذ شهدت المصارف التي تنفذ معاملات مالية خارجية زيادة كبيرة في الأصول من 2019 إلى 2023، لكنها تراجعت في 2024 بمعدل نمو سنوي سلبي (-11.8%).
التأثيرات: قد يشير التراجع المفاجئ في نمو هذه البنوك إلى تحديات تنظيمية، أو تغيرات جيوسياسية، أو انخفاض في المعاملات المالية الخارجية. قد يعكس هذا أيضًا نهجًا حذرًا تجاه المعاملات الخارجية في ظل العقوبات الدولية أو القيود على العملات.
الأثر الاقتصادي المحتمل: يمكن أن يؤثر انخفاض أنشطة المعاملات الخارجية على اتصال العراق المالي مع السوق العالمية، مما قد يؤثر على القطاعات التي تعتمد على الاستيراد أو التصدير. إذا استمر هذا الاتجاه، فقد يشير إلى تشديد التدفقات الرأسمالية، مما قد يحد من الوصول إلى الأسواق الدولية ويعيق النمو الاقتصادي.
النمو الإجمالي في القطاع المصرفي العراقي
اذ تضاعفت الأصول الإجمالية للبنوك العراقية من 15.6 تريليون دينار في 2019 إلى 31.8 تريليون دينار في 2024، مما يمثل نموًا بنسبة 104.6% على مدى ست سنوات، ومعدل نمو سنوي قدره 9.6%.
ويعكس النمو الكلي زيادة النشاط المالي، وقد يكون مدفوعًا بالإصلاحات الاقتصادية، ودعم الحكومة، وجهود تحديث القطاع المصرفي. يتماشى هذا النمو مع الأهداف الاقتصادية الأوسع لتنويع اقتصاد العراق وتقليل اعتماده على إيرادات النفط.
ومن التأثيرات الاقتصادية التي من الممكن لقطاع مصرفي أقوى أن يوفر دعمًا حاسمًا للتنمية الاقتصادية من خلال تعزيز توفر الائتمان للشركات والمستهلكين. كما يعكس هذا النمو زيادة ثقة الجمهور في النظام المصرفي، وهو أمر ضروري للاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل. علاوة على ذلك، يمكن للأصول المصرفية المتزايدة أن تدعم طموحات العراق في جذب الاستثمارات الأجنبية وتقوية قطاعاته غير النفطية.
الاعتبارات الاقتصادية الرئيسية والتوقعات المستقبلية
1. الحاجة إلى دعم تنظيمي وبنية تحتية: للحفاظ على هذا النمو، يلزم تحسين مستمر في الأطر التنظيمية، وأمن المعلومات، وإجراءات مكافحة غسل الأموال. سيساعد تعزيز اللوائح والشفافية على تعزيز ثقة الشركاء الدوليين وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
2. تعزيز العلاقات الخارجية للتنويع: يشير النمو الكبير في البنوك ذات العلاقات المصرفية الأمريكية إلى أن توسيع الشراكات الدولية يمكن أن يفيد القطاع. يمكن أن يؤدي تعزيز العلاقات مع البنوك في مناطق أخرى، مثل أوروبا أو آسيا، إلى تقليل الاعتماد على سوق واحد وتنويع المخاطر الاقتصادية.
3. المخاطر المحتملة للتوترات الجيوسياسية: لا يزال القطاع المصرفي في العراق عرضة للاضطرابات الإقليمية والعقوبات الدولية. يمكن أن يساعد النهج الاستباقي في تنويع الشراكات الخارجية وتقليل التعرض للمناطق عالية المخاطر في تخفيف هذه المخاطر.
4. التركيز على الشمول المالي: على الرغم من أن النمو كان كبيرًا، إلا أن ضمان وصول الخدمات المصرفية إلى جميع فئات المجتمع، بما في ذلك المناطق الريفية المحرومة، أمر ضروري. يمكن لمبادرات الشمول المالي أن تدعم الشركات الصغيرة، وهي ضرورية لخلق فرص العمل وتنويع الاقتصاد.
5. معالجة التراجع في البنوك المنفذة للمعاملات الخارجية: يجب التحقيق في اتجاه النمو السلبي للبنوك المنفذة للمعاملات المالية الخارجية في 2024 لفهم الأسباب الكامنة. قد تكون هناك حاجة إلى تعديلات في السياسات أو تحولات استراتيجية لإعادة دمج هذه البنوك بشكل فعال في شبكة المعاملات المالية الخارجية.
ختاما : ان نمو موجودات البنوك العراقية يعكس اتجاهًا إيجابيًا لقطاعها المالي، مما يدعم الأهداف الاقتصادية الأوسع. وللحفاظ على هذا الزخم، يجب على العراق تحقيق توازن بين تعزيز العلاقات الدولية وتعزيز الشمول المالي المحلي. من خلال التنقل في التحديات الجيوسياسية وبناء نظام مالي مرن، يمكن للقطاع المصرفي أن يلعب دورًا محوريًا في مسار العراق نحو اقتصاد متنوع ومستقر.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية