اياد العناز
نظرة واقعية وقراءة ميدانية للاهداف المعلنة والغايات الأنية التي سعت إليها إسرائيل من ضرباتها الجوية والصاروخية على إيران فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025، وهل تحقق مداها الاستراتيجي أم أنها توقفت لحين ثم هناك عودة أخرى؟.
أن طبيعة الإستراتيجية السياسية الأمريكية في الشرق الاوسط تختلف بجزء منها عن ملامح الأهداف الميدانية الإسرائيلية وتحديداً تجاه إيران، واشنطن ترى التعامل مع طهران يمضي بشكل سلسل أ ذا لم تتعرض فيها للمصالح والمكاسب الامريكية في الإقليم، في حين أن إسرائيل تتحسب لأي تمدد ونفوذ إيراني وترى فيه تهديد أهدافها وغاياتها في تحقيق أمنها القومي واستراتيجيتها الدفاعية، ولكن كل من واشنطن وتل أبيب تتفقان عند جوهر القضية عندما يتعلق الأمر بتطوير النشاط النووي وإنتاج الأسلحة النووية والتوسع في عملية تخصيب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية والوصول بمراحل متقدمة من الاعداد للقنبلة النووية، وهذا ما تم مشاهدته ومعاينته بالضربة الجوية الأمريكية في الثاني والعشرين من حزيران 2025 على المنشآت النووية الإيرانية في ( فوردو ونطنز وأصفهان).
ولكن حدث هناك أمر هام وهو تأجيل عملية استهداف النظام أو في مرحلة من المواجهة العسكرية تقرر الابتعاد عن تغييره واستخدام الأدوات المهمة التي تساهم في تفعيل المشهد السياسي الإيراني، بل أن كل من ترامب ونتنياهو أعلنا أنهما كانا على علم ودراية بمحل تواجد وإقامة المرشد الأعلى علي خامنئي، ولكن عملية استهدافه تقرر تأجيلها والتغاضي عنها، فهل كان ذلك بسبب إبقاء النظام أم أن عملية سقوطه ستؤدي إلى تفكيك الدولة الإيرانية وأحداث خلل سياسي واجتماعي يطال المنطقة كاملة، ومن الممكن أن يؤدي إلى هجرة واسعة تؤثر على الأمن القومي لبعض دول الجوار الإيراني، أم أن عملية التغيير ستجعل من إيران عدة دويلات أو أقاليم تتقاذفها طموحت الأقليات وبصيغها القومية والاثنية، بعد حالة الظلم والتعسف والتغيب السياسي وضياع الحقوق لأبنائنا؟..
معادلات عديدة ومتغيرات ميدانية وتكوينات سياسية نظرت إليها مصالح الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي راعت حماية مكتسباتها ومصالح حلفائها في المنطقة وابتعدت عن أي تغيير يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار ويهدد المصالح العليا والأهداف الاستراتيجية لدول العالم.
اضمحلال الوحدة السياسية للدولة الإيرانية قد يؤدي إلى نزوج العديد من أبناء القوميات في المجتمع الإيراني إلى دول مجاورة تشابهها في الانتماء القومي والمذهبي ، أو تعلن عن عن قيام اقاليمها السياسية ووحدتها الجغرافية ثم رغبتها الاندماج مع دولة أخرى، وهو ما يعني حدوث نزاعات عسكرية ومشاكل سياسية، فالقوميات ( الأذربيجانية والعربية الكردية والفارسية والتركمانية) كل لها تطلعاتها وأهدافها وصيغها الفكرية والاجتماعية والتي لم يسعى النظام ومؤسساته لمراعتها بل استخدم أساليب السطوة والعنف والقوة في معالجتها، مما سبب العديد من الاحتجاجات والتطاهرات الشعبية التي شهدتها الساحة الإيرانية في سنوات عديدة من عمر النظام الإيراني.
قرأت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حقيقة المشهد السياسي الميداني الإيراني ووسائل وأدوات المعارضة الإيرانية من خلال اختراقها الأمني والاستخباري وشبكات التجسس التي كان لها دورها في استهداف العديد من رجالات النظام السياسية والعسكرية والأمنية وعلماء البرنامج النووي مع أولى دقائق الضربات الإسرائيلية في الثالث عشر من حزيران 2025، وتم التوصل الى حقائق ميدانية وقناعات راسخة أنه لا توجد معارضة داخلية إيرانية مسلحة قادرة على إسقاط النظام الإيراني وقيادة البلاد وتسير الأمور فيه ومعالجة أزماته الاقتصادية والاجتماعية التي كان ورائها الأساليب الخاطئة والفساد السياسي والمالي الذي اتصفت به أجهزة ومؤسسات النظام ، وغياب الشخصية الوطنية التي من الممكن أن تلتف حولها الشعوب الإيرانية وتقبل بها وتساندها بسبب التغيب السياسي والاقصاء الفكري والتهميش الاجتماعي والعنف والاضطهاد الذي اتبعته الأجهزة الاستخبارية والأمنية في تعاملها مع المعارضين السياسين للنظام وحالات القبض والاعتقال في السجون والمحاكمات الصورية التي أنشأها النظام الإيراني ضد معارضيه من المواطنين الإيرانيين.
وتعلم واشنطن أن النظام السياسي في إيران وبجميع هيئاته ومؤسساته لا يزال يحتفظ بنوع من قوته المادية والمعنوية وشخصيته في قيادة البلاد، فالمواجهة العسكرية مع إسرائيل لم تجعله يسقط نهائيًا بل أضعفته وكشفت عن مواضع وأماكن هشاشته وهو ما تبحث عنه وتعمل من أجله الإدارة الأميركية التي ترى أن سقوط النظام الداخل بفعل استمرار العديد من العقوبات الاقتصادية ضده وعزله سياسيًا وإضعاف إقليميًا ودوليًا من شأنه أن يربك أوضاعه الداخلية ويزيد من احتجاجات الشعوب الإيرانية ضده والتي سيكون لها آثرها الفعال في إسقاطه، وهي ترى أن التعامل مع نظام سياسي ضعيف أفضل لها من أن تعاود التعامل مع نظام سياسي قادم أو مجموعة سياسية قد تستلم الحكم ولا يمكن لها فهم اتجاهاتها وتعدد آرائها في منطقة تشهد نزاعات مستمرة، ولهذا فهي تتابع حركة ونشاط المسؤولين عن البرنامج النووي الذي تعتبره من أولويات اهتمامها وتشاركها فيه إسرائيل، خشية من إعادة النشاطات النووية واعتماد صيغ وإجراءات جديدة في عملية تخصيب اليورانيوم وتنويع طرق الاخفاء والتستر عليه.
ستتجه إيران لقبول المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية للوصول لغاياتها وأهدافها في رفع العقوبات الاقتصادية عنها واعتماد المرونة السياسية والصبر الاستراتيجي والمطاولة في الحوار، وهو ما تتصف به السياسة الإيرانية وما تعودت عليه منذ عقود من الزمن واتصفت به بطول البال، وأنها ستعمل بكل حيوتها لمنع حدوث أي مفاجأة سياسية أخرى أو حدث عسكري تجاه عمقها الداخلي عبر ضربات عسكرية أو اختراقات أمنية من قبل أمريكا وإسرائيل، وتشعر بأنها تمكنت من احتواء الهجوم المباغت ببقاء نظامها رغم الخسائر الكبيرة التي ألحقت بها، وستعمل على اتباع سياسة الإطالة للحصول على اوقات تحتاجها لتطوير أجهزتها الاستخبارية وقدراتها الدفاعية ومؤسساتها العسكرية.
ورغم ادراك إيران لحجم الأضرار الجسيمة التي أُلحقت ببرنامجها النووي ومنشآتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم ومقتل عدد من كبار العلماء العاملين في مجال الأنشطة والفعاليات النووية وتدمير وفناء المعدات الحيوية والأدوات الفاعلة من المواد الانشطارية وأجهزة الطرد المركزي التي أصبحت تشكل القسم الأكبر من الأنقاض تحت الارض بفعل الضربات الأميركية، لكنها لا تزال ترى أنها تحتفظ بالقدرة العلمية والعقول الإيرانية التي تحتاجها للعودة إلى تفعيل قدراتها النووية وتنشيط إنتاجها التسليحي.
تبقى الرؤية الميدانية والعقلية العسكرية الاستراتيجية قائمة على أن أي تغيير سياسي وتدخل لاسقاط أي نظام حاكم لا يتم عبر الضربات الجوية والصاروخية اذا لم يرافقها هجوم بري عبر قوات عسكرية بمختلف الصنفوف،وهنا تبرز ثوابت العقيدة السياسية التي يؤمن بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعدم سعيه للتصعيد العسكري ضد إيران بل بعمل على استخدام اسلوب الحوار في المفاوضات الذي يوصل للاستسلام السياسي، وهذا ما سيكون احد الاسباب الرئيسية في العودة لعقد الجولة السادسة من المفاوضات وهو ما تدركه إيران وتتعامل معه بحذر.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
