اياد العناز
صرحت إيران بالموافقة على عقد اجتماع وحوار في العاصمة السويسرية (جنيف) بتاريخ 25 أب 2025 مع الدول الأوربية ( ألمانيا وبريطانيا وألمانيا) التي سبق لها قبل عقد من الزمن وبحضور الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا التوقيع على اتفاقية العمل الشاملة المشتركة الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني في 15تموز 2015 والتي حددت منهجية التعامل مع عمليات تخصيب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية وتحديد مسارات الأنشطة النووية لإيران، فتم السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3،67٪ والاحتفاظ بستة آلاف من الطرود المركزية وعدم التوسع في مجال تطوير النشاط النووي لأغراض عسكرية، وتم بموجب الاتفاق رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن إيران وبدعم من إدارة الرئيس الأمريكي أوباما آنذاك.
عملت إيران على الالتفاف على مجمل بنود الاتفاقية بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية في آيار 2018 عندما رأى الرئيس دونالد ترامب عدم جدوى بقاء واشنطن في مجموعة ( 5+1) لعدم التزام إيران بما اتفق عليه، وتم إقرار العقوبات الاقتصادية على إيران وتجميد أموالها في الخارج ومنع عمليات تصدير النفط الإيراني ووضع آليات محددة تمنع أي من دول العالم بالتعاون معها وفرض عقوبات جانبية على هذه الدول في حال عدم التزامها بما اقرته الإدارة الأمريكية.
سعت إيران إلى زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم حتى وصلت إلى 60٪ وسعت حثيثًا على تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بتدوير غاز سداسي فلوريد اليورانيوم بسرعات عالية لفصل نظائر اليورانيوم لزيادة تركيز اليورانيوم 235، مع استخدام أجهزة طرد مركزي متطورة مثل 2m-IR و 6-IR، ووسعت من عملية امتلاك 22 ألف جهاز طرد مركزي وهي الآلآت التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم.
وأكدت هذه الاحصائيات اعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن امتلاك طهران نحو 408،6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، والتي تم مشاهدتها من قبل مفتشوها في 10 حزيران 2025، ثم قيام إيران بتخصيب اليورانيوم في منشأتي ( نطنز فوردو) وهذا ما رأته الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية خروجًا واضحًا عن المبادئ الأساسية التي وردت في اتفاق 2015.
وبعد دخول الرئيس ترامب البيت الأبيض في ولاية ثانية، أقر ضرورة قيام مفاوضات مع إيران للوصول لاتفاق نووي جديد، ولاقت المبادرة اهتمامًا دولياً واقليميًا وحضورًا إيرانياً بالموافقة على عقد المفاوضات غير المباشرة والتي كانت عبر الوسيط الخليجي العربي العُماني وعقدت أولى جلسات الحوار في 12 نيسان 2025 بالعاصمة ( مسقط) بحضور المبعوث الرسمي الأمريكي ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وطرحت الأفكار المشتركة والتي قام بحضورها ونقلها بين الجانبين وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، ولم تكن هناك قواسم مشتركة في الرؤية الثابتة لإعداد اتفاق نووي دائم، فالشروط الأمريكية تم وضعها في سياق رفض عمليات تخصيب اليورانيوم والعودة به إلى بداياتها ومنع أي عملية للتخصيب في الداخل الإيراني مع نقل الزيادة المحققة في كميات ونسب التخصيب لدولة أخرى ووقف أي أنشطة نووية تتعلق بتوجيهات نحو الآلة العسكرية وتطوير صناعة الأسلحة والصواريخ النووية، وهذا ما رفضته إيران وأكدت على ممانعتها في تفكيك البرنامج النووي ورفضها لنقل المواد المخصبة ورفضها لشرط منع التخصيب داخليًا،وأنها
لم ولن تتفاوض بشأن خطوطها الحمراء المتمثلة في وقف تخصيب اليورانيوم والقدرات الدفاعية والقوة الإقليمية.
وجاء الاعلان عن وجود منشأة نووية سرية بمساحة 2500 فدان في إيران وفق المعلومات التي أوردتها شبكة فوكس نيوز الأمريكية وفقًا لما أعلنه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ، والتي تقع في محافظة سمنان الإيرانية بعيدًا عن المنشأت النووية في موقعي معروفين هما ( فوردو ونطنز) والكشف عن موقع ( رينبو) زاد من حالة الخلاف بين واشنطن وطهران بل ساهم في تعقيد عملية الحوار السياسي والعمل الدبلوماسي وإمكانية الوصول إلى اتفاق نووي دائم ورفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وتعزيز حالة الثقة بين المفاوضين.
أكدت إيران على ضرورة إشراك الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المباحثات الثنائية ليكون لها الدور البارز فيما تم الوصول إليه من مديات تخص عمليات تخصيب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية الفاعلة وكمية المواد الانشطارية التي لها الدور الكبير في صناعة الأسلحة النووية، وهذا ما تحقق ميدانيًا بوصول وفد من الوكالة الدولية إلى إيران في الثامن والعشرين من شهر نيسان 2025 لإجراء مباحثات فنية مع الخبراء الإيرانيين وللوقوف على أنشطة وفعالية إيران النووية وتحقيق الرقابة الميدانية في المواقع النووية.
ورغم ما قدمه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف من مقترح تضمن تأسيس كيان دولي إقليمي لتخصيب اليورانيوم ونقل منشآت التخصيب من إيران إلى جزيرة تابعة لها في الخليج العربي، إلا أن إيران رأت فيه ضياع لحقها في التخصيب على أراضيها.
وأمام هذه المساجلات والمناورات الأمريكية الإيرانية، جاءت الضربة الجوية الصاروخية الإسرائيلية في العمق الإيراني فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025، ثم تلتها المشاركة الأمريكية بضرب المنشأت النووية ( نطنز وفوردو وأصفهان)،وبعدها بيومين أعلن الرئيس ترامب عن وقف العمليات الحربية بين إسرائيل وإيران.
يأتي عقد الاجتماع الثنائي بين إيران ودول الترويكا الأوربية، وهو الاجتماع الثاني لهم بعد اللقاء الأول الذي تم في شهر تموز 2025 في مدينة استطنبول التركية بحضور وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظرائه الأوروبين، ويأتي في محاولة أوربية للعمل باتجاه إنجاح عملية إعادة المفاوضات الأمريكية الإيرانية في جولتها السادسة والتي توقفت بسبب المواجهة العسكرية الأخيرة بين طهران وتل أبيب، للعمل على تحقيق اتفاق نووي دائم يرضي جميع الأطراف،كما وأن اللقاء الأوربي الإيراني يأتي مع اقتراب الموعد القانوني لانتهاء مفعول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 مع احتمالات تفعيل آلية الزناد وتجديد العقوبات الاقتصادية على طهران واحالة الملف النووي لمجلس الأمن الدولي، والنظر بعدم التزام إيران بما تم الاتفاق عليه والاقرار به في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة تموز 2015.
تسعى إيران لتكثيف زيارتها وحواراتها مع شركائها وحلفائها في روسيا والصين عبر الاتصال الهاتفي بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس مسعود بزشكيان وزيارة المسؤولين الإيرانيين لبكين لدعم المواقف الإيرانية إقليميًا وإيجاد مسارات جديدة تفاوضية تقنية عبر روسيا حول نقل اليورانيوم المخصب عالي التخصيب، ومواجهة أي تحرك أوربي تجاه إقرار العقوبات وتفعيل آلية الزناد تجاه إيران.
يأتي النشاط الإيراني والتحرك الدبلوماسي بعد حديث على لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني في 22 أب 2025 إلى ( احتمالية تفعيل آلية الزناد من قبل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإمكانية انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) وانه احتمال قائم دائمًا وان المعاهدة لم تقدم لنا أي فائدة تذكر).
أن القيادة الإيرانية تعلم جيدًا أن موعد مراجعة العقوبات أوربيًا قد أصبح قريبًا وأن تاريخ 18 تشرين الأول 2025 سيحدد موقفها وطبيعة علاقتها الدولية وإمكانية نجاحها في اعتماد المرونة السياسية والحكمة والحوار الدبلوماسي طريقًا واضحًا للوصول لأهدافها في رفع العقوبات الاقتصادية عنها وإطلاق أموالها المجمدة والمساهمة في حل المشاكل والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها أبناء الشعوب الإيرانية، كما وأن عليها أن تبدي استعدادًا لقبول المبادرة الأوربية والاستماع إلى نواب وزراء خارجية ( ألمانيا وبريطانيا وفرنس) الذين سيحضرون الاجتماع القادم في جنيف بحضور نائب وزير الخارجية الإيراني ( مجيد تخت روانجي)، وإعادة الاعتبار للوكالة الدولية للطاقة الذرية والتعاون معها والإجابة على جميع اسئلتها واستفسار مفتشيها والسماح لهم بزيارة المواقع والمنشأت ذات الأنشطة النووية والابتعاد على التصريحات الاعلامية التي تدعو إلى اعتقال المدير العام للوكالة رافائيل غروسي في حالة دخوله الأراضي الإيرانية مما يزيد حالة الخلاف بينهما ويعيق أي مسار للحوار المشترك،خاصة وأن هناك زيارة قادمة لعدد من مسؤولي الوكالة لواشنطن لإجراء محادثات ثنائية وتنسيق المواقف مع الإدارة الأميركية بشأن التهديدات الإيرانية ومصير البرنامج النووي في غياب معلومات حول فقدان 400 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ بعد الهجمات الجوية والصاروخية الأمريكية الإسرائيلية على منشأت ( نطنز وفوردو وأصفهان)، والأخذ بالاعتبار ما صرح به أحد المسؤولين الفرنسين في وزارة الخارجية بأن( لا شئ يعيق إعادة فرض العقوبات على طهران، وأن إعادة فرض جميع العقوبات التي كانت رفعت قبل عشر سنوات لن تحتاج إلى إجماع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن)، وهي إشارة واضحة إلى عدم تمكن روسيا والصين من استخدام نقض قرار الفيتو لإيقاف التوجه الأوربي.
إيران ترى أنها لابد لها من إعادة تقييم قدراتها النووية لتعزيز دورها ومواقفها في أي مفاوضات أوربية كانت أم أمريكية، وأن أي عملية لتعليق العقوبات سيؤدي بها لإعادة مسار بناء برنامجها النووي ونقل أنشطتها لمواقع بديلة، وهي بذلك تسعى إلى الاستفادة من إطالة الوقت والتسويف في العلاقة مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي يؤدي إلى قيام مجلس محافظي الوكالة برفع ملف البرنامج النووي الإيراني إلى مجلس الأمن في جلسته القادمة في أيلول 2025، ومع عدم التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية تزداد احتمالات قيام إسرائيل بضربة جوية أخرى تستهدف البرنامج النووي وأي نشاطات ذات طابع ومسار نووي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية
