أخيراً، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم السبت الماضي أن إيران قد أوفت بمتطلبات الحد من أنشطتها النووية. وشكل ذلك الإعلان خطوة رفعت تلقائياً العقوبات الاقتصادية المتصلة بالطاقة النووية، والتي كانت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قد فرضتها على إيران. وقد حررت هذه الخطوة إيران بحيث تتمكن من بيع المزيد من النفط واستعادة السيطرة على ما يقرب من 100 مليار دولار من أموالها المتحفظ عليها، وعلى نحو وضع نهاية لعزلة مطولة كانت قد دفعت البلد إلى مواجهة مشاكل اقتصادية عميقة.
أشرت هذه الإجراءات الأخيرة على ما يسميه الدبلوماسيون “يوم التنفيذ”، وهي المرحلة الأكثر أهمية حتى الآن من الاتفاق النووي التاريخي المعروف باسم “خطة العمل المشتركة الشاملة”، الذي توصلت إليه إيران مع القوى العالمية الكبرى في 14 تموز (يوليو).
وقد امتدح الرئيس أوباما الاتفاق في خطاب متلفز يوم الأحد الماضي، لكنه كرر القول إنها “لم تكن النية أبداً حل كل خلافاتنا مع إيران”. وبعد بضع دقائق، أعلن أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على العديد من الأفراد والشركات الإيرانية المتهمين بانتهاك قيود الأمم المتحدة المفروضة على اختبارات الصواريخ الباليستية.
وفي حين أن هذا المظهر من العودة إلى العقوبات قد يوحي بأن واشنطن تفرض تدابير جديدة للتعويض عن تلك التي رُفعت يوم السبت، فإنها لا تقترب في الحقيقة من أي مكان تمكن مقارنته بالعقوبات السابقة من حيث الحجم والنطاق.
سؤال: لماذا آذن إعلان الوكالة برفع العقوبات بشكل تلقائي؟
جواب: كان هذا التوقيت المنسق عنصراً مهماً لحفظ ماء الوجه، والذي تم تضمينه في صلب الاتفاق النووي من أجل تجنب إعطاء الانطباع بأن إيران خضعت للضغوط الغربية قبل رفع العقوبات. وكان المرشد الإيراني الأعلى، خامنئي، الذي تكمن في يديه السلطة النهائية حول السياسة النووية، قد قال إن بلده لن يعد الاتفاق مشروعاً طالما ظلت العقوبات سارية المفعول.
سؤال: ما الذي فعلته إيران امتثالاً لشروط الاتفاق؟
جواب: كان على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تتحقق من أن إيران قامت باتخاذ الخطوات الآتية لضمان أن يبقى عملها النووي سلمياً لمدة 15 عاماً على الأقل:
– خفض مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب بنسبة 98 في المائة، مما يترك لها نحو 660 باونداً فقط، وهو مقدار غير كاف لتصنيع الأسلحة. وقد تم استكمال هذا الخفض يوم 28 كانون الأول (ديسمبر)؛ حيث تم تصدير الجزء الأكبر من اليورانيوم إلى روسيا على متن سفينة روسية.
– تفكيك 12.000 من أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم. وقالت إيران إنها استكملت هذا العمل في تشرين الثاني (نوفمبر).
– إزالة وتعطيل قلب المفاعل النووي في آراك، الذي كان يمكنه أن ينتج من البلوتونيوم ما يكفي لصناعة سلاحين نووين سنوياً. وقالت إيران إنها استكملت هذه الخطوة في الأسبوع الماضي.
سؤال: ما هي العقوبات التي تم رفعها؟
جواب: ألغى الاتحاد الأوروبي القيود المفروضة على إيران في مجالات التجارة والاستثمار في النفط، والبتروكيماويات، والمعادن، والشحن البحري، وبناء السفن وصناعات النقل الأخرى، بالإضافة إلى المصارف والتأمين والخدمات الأخرى ذات الصلة، بما فيها قدرة إيران على تحويل الأموال إلكترونياً خارج البلد. وتم رفع الحظر على التأشيرات وتجميد الأصول التي كانت مفروضة على الشركات والأفراد، والمتعلقة بهذه الصناعات وبعض الصناعات الأخرى المتصلة بالأنشطة النووية والأسلحة والصواريخ الباليستية.
من خلال السلطة التنفيذية المخولة للرئيس أوباما بتقديم التنازلات، أوقفت الولايات المتحدة طلبها بفرض قيود متصلة بالموضوع النووي على الصناعات المالية، والنفطية، والغاز، والبتروكيماويات، والشحن، والمعادن والسيارات الإيرانية، والتي كانت قد أعاقت بشدة قدرة البلد على مزاولة الأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم. كما أزالت الولايات المتحدة أيضاً مئات الأفراد والشركات من القوائم السوداء التي كانت قد أخضعتهم لتجميد الأصول وغيره من العقوبات.
وشلمت الخطوات الأميركية إنشاء تراخيص خاصة تمكن المصنعين الأميركيين من بيع الطائرات المدنية لإيران، التي لديها واحد من أقدم الأساطيل في العالم، والذي يُقال إنه يحتاج إلى ما بين 400 و600 طائرة جديدة.
كما ستسمح الولايات المتحدة أيضاً باستيراد السجاد الإيراني والفتسق والزعفران والكافيار و-ربما الأكثر أهمية- أنها ستسمح للفروع الأجنبية للشركات الأميركية -مع قيود معينة- بمزاولة أعمال تجارية مع إيران. ويمكن أن تفضي هذه المادة إلى البيع القانوني للمنتجات الأميركية هناك.
مع ذلك، ما تزال العقوبات الأميركية الأخرى نافذة. وتعتبر الحكومة الأميركية إيران دولة راعية للإرهاب ومنتهكة لحقوق الإنسان. كما تتهم إيران أيضاً بالتدخل في شؤون حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهناك حظر تجاري ما يزال يقيد بشدة معظم العمل التجاري الأميركي مع إيران. وبينما تستطيع المصارف الإيرانية الشراء وبالبيع بالدولار، فإنها لا تستطيع استخدام النظام المصرفي الأميركي، الذي يشكل قناة مهمة للتجارة العالمية.
سؤال: بكم من السرعة ستستفيد إيران اقتصادياً من هذه التغيرات؟
جواب: ستكون الفائدة الأكثر مباشرة هي وصول إيران إلى ما يقدر بنحو 100 مليار دولار من أموالها التي كانت مجمدة في حسابات أجنبية. ومن ذلك، يقدر المحللون الخارجيون أن نصف هذه الأموال تقريباً مخصص سلفاً لالتزامات أخرى، مثل الدفع للدائنين الأجانب. كما ستتمكن إيران أيضاً من بيع الكميات التي تريدها من النفط. ولكن، مع انهيار سوق النفط، فإن إيران ستجني قدراً من العوائد قدراً أقل بكثير مما كانت تتوقع، ويمكن أن تفضي المبيعات الإيرانية الجديدة إلى المزيد من خفض الأسعار.
على نطاق أوسع، من المتوقع أن يؤدي رفع العقوبات إلى تبديد سحابة نفسية كانت مقيمة في إيران، حتى لو لم يتم الشعور بذلك على الفور. ويقول فرهد علوي، المحامي المتخصص في العقوبات والقانون التجاري في واشنطن: “كانت لوجستيات إيران للأعمال المصرفية والشحن البحري والتأمين مدمرة جداً بسبب العقوبات، بحيث أن الإغاثة الذي ستحصل عليها الآن -ولو أنها غير مثالية- ستشكل خطوة كبيرة إلى الأمام”.
سؤال: كيف سيغير رفع العقوبات من العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة؟
جواب: من غير المتوقع أن تتغير العلاقات الاقتصادية، على الأقل، بقدر كبير، بسبب وجود العقوبات الأخرى غير النووية. ولدى الكثير من الشركات الأميركية القليل من الاهتمام بالتورط في الملاحة عبر الشبكة المعقدة من القيود التي ما تزال سارية عليها. وقد سعى منتقدو إيران في الولايات المتحدة، والذين عارضوا الاتفاق النووي، إلى تأكيد ما يسمونه المخاطر القانونية المقيمة بالنسبة للأميركيين.
مع ذلك، أظهرت العلاقات السياسية التي ما تزال متوترة بعد 35 عاماً، بعض المؤشرات على الانفراج حتى قبل “يوم التنفيذ”. وكان أكثر الأمثلة وضوحاً هو احتجاز إيران 10 من جنود البحرية الأميركية الذين دخلوا المناطق الإيرانية في الخليج الفارسي خطأ يوم الثلاثاء الماضي، ثم الإفراج عنهم خلال أقل من 24 ساعة لاحقاً. وفي حين قال منتقدو إدارة أوباما إن إيران سجلت انتصاراً دعائياً على حساب أميركا، قال آخرون إن الحل السريع للمشكلة عكس العلاقات الوثيقة بين كيري وظريف، والتي تكونت خلال المفاوضات النووية. وقد توقع كيري -محقاً- أن يتم الإفراج عن البحارة بسرعة.
ويقول كليف كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا، مؤسسة استشارات المخاطر السياسية: “ساعد على الأمر أن كيري استطاع أن يطلب رقم هاتف ظريف ويحصل منه على إجابة على الفور”.
سؤال: ماذا عن العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة على المدى الطويل؟
جواب: من السابق لأوانه الحديث عن ذلك. ولكن الولايات المتحدة ملتزمة، وفق الاتفاق النووي، باتخاذ إجراءات تشريعية يكون من شأنها إزالة العقوبات عن إيران بشكل دائم، وليس مجرد تعليقها وحسب -شريطة أن تتمسك إيران بتعهداتها.
وقال السيد كوبشان إنه يعتقد أن الاتفاق سوف يبدأ “تذويباً بطيئاً وغير خطي” للجليد بين البلدين خلال السنوات القليلة المقبلة. وحتى مع انعدام ثقة آية الله خامنئي العميق بالولايات المتحدة، ومع القوة القمعية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي، فإن “الصفائح التكتونية تسير إلى التحرك”، كما يقول السيد كوبشان.
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد الأردنية