في أواخر العام الماضي تعرضت مجموعة من الصيادين القطريين لعملية اختطاف في منطقة صحراوية بمحافظة المثنى في العراق، وفي غضون أيام علمت الحكومة القطرية أن الجهة المسؤولة عن اختطافهم هي كتائب حزب الله العراقي، وأنها تحتجزهم في أماكن متفرقة من محافظة الناصرية جنوبي العراق.
وتعد تلك الكتائب من أقوى المليشيات الموجودة في العراق بحيث انه لا تستطيع أي قوة عراقية سواء كانت أمنية أو عسكرية إيقاف عرباتها عند نقاط التفتيش الأمنية أو العسكرية.
ولأجل الإفراج عن الصيادين نشَّطت الحكومة القطرية من دبلوماسية الوساطة وعبر عدة جهات وكانت الأولى عن طريق مسؤول الملف العراقي في حزب الله العراق الشيخ الكوثراني، والثانية عن طريق بعض التجار العراقيين القريبين من السفير القطري غير المقيم في العراق، والثالثة عن طريق بعض الشخصيات السياسية المحترمة في المجتمع العراقي، حيث استطاعت تلك الشخصيات إجراء مباحثات مع كتائب حزب الله العراقي استمرت لعدة أسابيع إلا أن هذه المباحثات والوساطات لم تتوصل لتسوية أزمة المخطوفين القطريين في العراق.
ومع حالة انعدام السيادة العراقية بشكل عام والسيادة الداخلية بشكل خاص، إذ يعلم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وأجهزته الأمنية الجهة المسؤولة عن اختطاف القطريين إلا أنه لا يملك من أوراق القوة المادية ما يؤهله للتوصل لحل أزمة المختطفين. وهذا العجز عن حل هذه الأزمة يؤكد باستمرار أن حيدر العبادي مجرد رئيس صوري للحشد الشعبي وليس الرئيس الفعلي له، وأن الجهة الفعلية الرئيسة لهذا الحشد هي الحرس الثوري الإيراني. وإذا ما افترضنا أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي هو الرئيس الفعلي للحشد، فلماذا لا تسري أوامره على كتائب حزب الله العراقي الذي يعد أحد فصائل الحشد الشعبي ويؤمره بالافراج عن المختطفين؟ لما لهذه الحادثة من انعكاسات سلبية على العراق أمام الجماعة الدولية، ولكن هذه الانعكاسات لا تشغل بال الكتائب ولا حلفائهم في النظام الإيراني، ففي لقاء جمع بين بعض شخصيات التحالف الوطني وشخصيات أمنية وعسكرية وسياسية في ذلك النظام ومن ضمنهم قاسم سليماني، حاولوا أن يبينوا لتلك الشخصيات الآثار السلبية الناجمة عن عملية الاختطاف لكن لم يبدوا اي اهتمام يذكر من قبلهم.
ومما لا شك فيه أن عملية الاختطاف الصيادين القطريين هذه تأتي ملتصقة تماما مع الاستقطابات التي تشهدها البيئة الإقليمية خاصة بعد اندلاع انتفاضة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد ووقوف دولة قطر إلى جانب المملكة العربية السعودية وتركيا في المطالبة برحيل الرئيس السوري عن الحكم سواء عبر التسوية الدبلوماسية أو الرحيل بالقوة العسكرية، ودعم دولة قطر الشرعية اليمنية المتمثلة بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ومشاركة دولة قطر بالتحالف العربي في عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين حلفاء إيران في اليمن، وسعي دولة قطر مع القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز في ممارسة دور عربي في العراق للحد من النفوذ الإيراني، بعد أن اكتشفت الدول العربية الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه والمتمثل بعدم وجود جدول أعمال عربي في التعامل مع عراق ما بعد مرحلة الرئيس الأسبق صدام حسين، وبمعنى آخر عدم وجود رؤية عربية لليوم التالي للاحتلال الأمريكي للعراق، مما أوقعه بشكل كامل تحت النفوذ الإيراني باستثناء إقليم كردستان العراق.
أمام هذه المعطيات السياسية تبدو عملية الاختطاف ليست من أجل الحصول على الأموال وإنما لابتزاز المواقف السياسية لدولة قطر، وهذا الاختطاف ذو بُعد سياسي للحد من اندفاع السياسة القطرية في محيطها العربي والتي تسير ضد توجهات السياسة الإيرانية والروسية وحلفائهم من الدول كنظام السوري وغير الدول كحزب الله اللبناني. وعلى الرغم من حرص دولة قطر على سلامة رعاياها المختطفين من قبل كتائب حزب الله العراقي، إلا أن سياساتها خارجية لا تزال على النقيض من محور “روسيا والنظام الإيراني والنظام السوري”، وما أدل على ذلك تأكيد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن ” إرسال قوات برّية إلى سوريا في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، بات يشكل “ضرورة ملحّة”. وقال أيضاً الوزير خلال حلقة نقاشية في مؤتمر ميونخ للأمن الذي عقد في ألمانيا إن ” مسألة الاستعداد لشن عملية في سوريا، “ليست خطة جديدة”، مضيفًا أنه “في الحقيقة، هذا الأمر كان مخطط له مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي”، وأنه “إذا اقتضت الحاجة لإرسال وحدات برية إلى سوريا، فينبغي أن يحدث ذلك بقيادة التحالف”. ويأتي هذا التصريح متزامنًا مع إعلان كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة عن نيتهما التدخل البري لمواجهة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” في سوريا، اذ من المقرر أن تصل في نهاية شهر شباط/فبراير الحالي مجموعة من المقاتلات التابعة لسلاح الجوي السعودي إلى قاعدة “انجرلنك” التركية تمهيدا للتدخل العسكري البري في سوريا.
وما يُعقد عملية الإفراج عن المختطفين القطريين في العراق أنه لا توجد في كتائب حزب الله العراقي هيكلية أو تراتبية تنظيمية، هذا على المستوى الكتائب، أما على المستوى العراق فلا توجد قوة سياسية أو دينية فيه، تستطيع أن تؤثر على قرار كتائب حزب الله العراقي للإفراج عن المختطفين. والدليل على ذلك أن مرجعية دينية بثقل سماحة السيد علي السيستاني كان قد طلب الإفراج عن المختطفين لكن طلبه قوبل بالرفض من قبل كتائب حزب الله العراقي، وهذا الرفض قد يستغربه غير المطلع على فكر المذهب الجعفري الاثنى عشري أما المطلع عليه فانه يرى أن هذا الرفض يأتي في السياق الطبيعي لذلك الفكر.
والشخص الوحيد وفق الفكر الجعفري الإثنى عشري يمتلك القدرة في التأثير على قرار كتائب حزب الله العراقي، لا يوجد في العراق وإنما في نظام دولة مجاورة له، وهو النظام الإيراني والمتمثل تحديدًا بشخصية مرشد الثورة الإيرانية علي خامئني. ووفق هذا المذهب تعد كتائب حزب الله العراقي من مقلديه، وإذا أصدر أمر لها وجب عليها التنفيذ دون أي مماطلة. وعليه على الدولة القطرية التي تعمل للإفراج عن رعاياها في العراق أن لا تُعول أي على وساطات أو مباحثات لا تسفر عن نتائج ملموسة، وعليها أن تدرك أيضًا أن حل أزمة المخطوفين القطريين مفتاحه العاصمة الإيرانية طهران، وتحديداً في مكتب مرشد الثورة الإيراني علي خامئني، فبشخصه المؤثر على كتائب حزب الله العراقي يكمن حلها، وهو العنوان الادق لمعالجة الأزمة ودونه تعد عناوين خاطئة ومضيعة للوقت والجهد. والذي يؤكد ذلك الإفراج بالأمس عن المختطفين من رعايا دولة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت -ولا تزال تنعتها أدبيات الثورة الإيرانية وولاية الفقية بدولة “الشيطان الأكبر”، الذين خطفوا في شهر كانون الثاني/ يناير من قبل مليشيات شيعية عراقية تابعة للنظام الإيراني، فقد صدرت الأوامر من طهران لميلشياتها في العراق بالإفراج عنهم كي لا تؤثر عملية الاختطاف هذه بشكل سلبي على العلاقات الأمريكية الإيرانية في مرحلة ما بعد رفع العقوبات الدولية على النظام الإيراني. وفي هذا السياق نتساءل: إذا كان المختطفين من رعايا “الشيطان الأكبر”تم الإفراج عنهم، فلماذا أيضًا لا يتم الإفراج عن الصيادين القطريين الذين تجمهم مع النظام الإيراني رابطة الدين والجوار الجغرافي؟ أم أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية