تعرّضت الجمهورية التركية لسلسة من الانفجارات الإرهابية لغايات عديدة، ولكن الهدف الأساسي كان الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية. ربما يعتقد البعض أنني أقوم بتعظيم شخص أو جهة معينة، ولكن الأمر ليس كذلك. فهذا الرجل وحزب العدالة والتنمية استطاعوا أن يجعلوا تركيا تمتلك درجة كبيرة من القوة، ما جعل الدول الغربية تخشاها، وتسعى إلى استخدام شتى الوسائل للتخلّص من الذين ساهموا بجعل تركيا تصل إلى ما وصلت إليه، لكي تعود إلى المسار الذي كانت تسير عليه قبل وصول أردوغان والعدالة والتنمية إلى سلطة البلاد.
والمشاكل التي تواجههم في هذا الأمر كما يلي:-
1- إنهاء عهد الانقلابات: استطاع أردوغان، وبعد جهد كبير أن يجعل الجيش التركي تابعا للدولة، وبهذا انتهى عهد الانقلابات العسكرية التي كان يقوم بها بعض قادة الجيش التركي تجاه الحكومات التي تكسر عصا الطاعة والولاء.
2- التأييد الشعبي: يمتلك أردوغان وحزب العدالة والتنمية تأييدا شعبيا كبيرا بنسبة شخص من كل اثنين تقريبا، رغم الحرب الإعلامية العنيفة، وهذا يجعل إزاحة الرئيس أردوغان وتغيير الحكومة عبر الطرق الديمقراطية الشرعية أمرا أقرب إلى المستحيل.
لذا حاولت الدول الغربية حل المشكلة التي تواجهها عبر الأساليب التالية:
إبقاء حزب العدالة والتنمية خارج الحكومة:
قبل يومين من انتخابات 7 حزيران/ يونيو 2015، وقع انفجار في مدينة ديار بكر خلال تجمّع انتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي (الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني) الذي قرّر لأول مرّة خوض الانتخابات باعتباره حزبا لا عبر ممثلين مستقلين. وكان الهدف من وراء هذا الانفجار جعل الأكراد الذين يؤيدون حزب العدالة والتنمية يدلون بأصواتهم لصالح حزب الشعوب الديمقراطي عبر تصويره حزبا يتعرّض للاضطهاد لأنه يحاول تمثيل الأكراد في البرلمان التركي.
وتم تحقيق المراد من الانفجار حيث استطاع الشعوب الديمقراطي الحصول على نسبة 13% من أصوات الناخبين، ولم يستطع حزب العدالة والتنمية، ولأول مرة في تاريخه السياسي، تشكيل حكومة منفردة، كما رفضت الأحزاب السياسية الدخول معها في حكومة ائتلافية. ثم بدأ السعي إلى تشكيل حكومة ائتلافية تضم الأحزاب المعارضة (الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي) ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث أن حزب الحركة القومية رفض المشاركة في هذه الحكومة، رغم عرض زعيم الشعب الجمهوري عليه رئاسة الوزراء، وبهذا فشلت هذه الخطة.
وتمت إعادة المحاولة مرة أخرى قبيل الانتخابات المبكرة التي أجريت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث وقع انفجار بالقرب من محطة القطارات في أنقرة في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2015، ولكن هذه المرة ذهبت المحاولة أدراج الرياح بحصول العدالة والتنمية على 49.5% الأمر الذي مكّنه من تشكيل حكومة منفردة مرة أخرى. أما حزب الشعوب الديمقراطي فكان على شفا حفرة من عدم اجتياز السد الانتخابي.
وبعد فشل هذه الخطة عمدت الدول الغربية إلى خطة ب.
إعادة مظاهرات غزي بارك (احتجاجات منتزه ميدان تقسيم)
أحداث غازي بارك التي كان الهدف منها، الإطاحة بالرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، انطلقت في 28 مايو/ أيار 2013 في إسطنبول، بحجة نقل الأشجار من ميدان تقسيم وبناء ثكنة عسكرية عثمانية. انتشرت هذه المظاهرات خلال أيام قليلة في المدن التركية الكبرى مثل إزمير وأنقرة وأنطاكيا وموغلا، الأمر الذي أثبت أنها عملية تدار بإشراف عقل مدبر. وعندما تم تشكيل الهيئة المتحدثة باسم المحتجين للتحاور مع حكومة العدالة والتنمية، طالبت هذه الهيئة بإلغاء مشروع مطار إسطنبول الثالث وقناة إسطنبول وجسر إسطنبول الثالث (الذي أوشك على الانتهاء) ومحطات توليد الكهرباء إلى جانب العديد من المشاريع الهامة، فكان ذلك دليلا على أن الدول الغربية هي التي تقف وراء تلك الأحداث. التأييد الشعبي من أنصار الحزب الحاكم وصمود أردوغان وحزبه أمام تلك المظاهرات أحبطت تلك المحاولة. فلو أن أردوغان والحكومة رضخا لتلك المظاهرات (كما حدث في أوكرانيا) لطالبوا بعدها باستقالة أردوغان وحزبه.
أما بالنسبة إلى التفجيرات التي وقعت على التوالي في السلطان أحمد في إسطنبول، وشارع المراسم في أنقرة، وساحة كيزيلاي في أنقرة، وشارع الاستقلال في إسطنبول، الهدف منها في المرحلة الأولى نشر الرعب والذعر في وسط الشعب التركي، وخصوصا مؤيدي حزب العدالة والتنمية، وجعلهم يؤمنون بأن الحكومة عاجزة عن ضبط أمن البلاد وحماية المواطنين، مما سيؤدي إلى سحب تأييدهم من الرئيس التركي والحزب الحاكم.
وفي كل مرة يقع فيها انفجار في البلاد، لا يتواني الإعلام اليساري عن تحميل الحكومة المسؤولية، إلى جانب تصريحات كمال كيليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري التي يدعو فيها حكومة العدالة والتنمية للاستقالة بحجة أنها فاشلة في إدارة شؤون البلاد. ويجب أن لا ننسى رسائل الواتس أب (WhatsApp) التي تحتوي على نصوص مفادها “بأن هنالك العديد من السيارات المفخخة في معظم أنحاء البلاد وأن تركيا ستتحول إلى بحر من الدماء” يتم نشرها بين الشعب التركي بهدف إرعاب الناس.
اللعن الأخير الذي دعا به فتح الله غولن زعيم جماعة الدولة الموازية، والذي قال فيه “اللهم إحرق بيت كل من جلس في بيته ساكنا ولم يتحرك، ودمرهم، من أصغرهم حتى أكبرهم”، لا يدل إلا على شيء واحد وهو ظهور مظاهرات تشبه مظاهرات غازي بارك في المدى القريب. وأغلب الظن أن هذه المظاهرات ستبدأ خلال شهرين أي في بداية فصل الصيف، أو قد تتأجل حتى نهاية رمضان الكريم، حيث أنني موقن أنه بدأ العمل منذ شهور على بروفة (تمارين) هذه المظاهرات وأنها تنتظر الوقت المناسب لإظهار حجة معينة، يتم من خلالها إشعال هذه المظاهرات كما حدث في مظاهرات غازي بارك حيث تم اتخاذ الأشجار حجة لها.
في هذه الحالة سيواجه أردوغان وحكومة العدالة التنمية خلال الفترة المقبلة امتحانا صعبا جدا، حيث أنهم قد يفقدون جزءا من التأييد الشعبي بسبب الانفجارات التي ستستمر حتى انطلاق شعلة المظاهرات. فإذا سقط الرئيس التركي والحكومة في هذا الامتحان (لا سمح الله)، سيؤدي ذلك إلى انهيار كل ما تم عمله منذ استلام العدالة التنمية السلطة في تركيا وعودة تركيا إلى التبعية التي كانت عليها. ولكت إذا استطاع أردوغان والحزب الحاكم تجاوز هذه المحنة فسوف يساهم هذا النجاح بشكل كبير في عملية الانتقال إلى النظام الرئاسي.
محمود حاكم محمد
تركيا بوست