بعد الهجوم الأميركي الإلكتروني على المنشآت النووية الإيرانية سنة ٢٠١٠م، تبنت الحكومة الإيرانية برنامجا للأمن الإلكتروني بهدف الهجوم بشكل رئيسي على منشآت البنية التحتية للخصوم، وكان أبرز ثمرات هذا البرنامج هجوم الإيرانيين على أرامكو السعودية عام ٢٠١٢م، وكذلك الهجوم على سد نيويورك عام ٢٠١٣م، وهجمات مختلفة على قطاع البنوك والبنية التحتية في الولايات المتحدة. هيكلة البرنامج الإيراني غير تقليدي، فهو لا يخضع لمركزية موحدة ولكن هي مهام موزعة على شركات أمنية إلكترونية وجماعات إجرامية متفرقة جميعها تسعى لنفس الهدف، وهذا بطبيعة الحال يعطي المجال للحكومة الإيرانية للتهرب من المسؤولية عن أي هجمات ناتجة وبنفس الوقت يقدم دعما مباشرا وغير مباشر للقائمين على هذه الهجمات الإلكترونية الإرهابية. كما تجلى هذا الدعم في آخر صفقة تبادل سجناء بين الولايات المتحدة وإيران حيث كان أحد السجناء الإيرانيين المشمولين في الصفقة مجرما إلكترونيا ذا سوابق تتعلق بالقرصنة الإلكترونية.
بفضل هذا الدعم المقدم من الحكومة الإيرانية فإن إيران تُعد بيئة خصبة وحضنا دافئا لتفريخ “هاكرز” قادرين على تنفيذ هجمات إلكترونية تخدم مصالحها، فالهجمات والاختراقات الإلكترونية في إيران لا تعد جريمة طالما لا يستهدف الحكومة. “الهاكرز” في ايران لا يظهرون خلف لثام أو اقنعة لإخفاء هويتهم، بل يظهرون في العلن ويتمتعون بحياة المشاهير والأبطال القوميين. وهم أيضاً ليسوا أشخاصا عاطلين عن العمل أو متواضعي التعليم كما هو الحال في صورة “الهاكرز” النمطية، بل كثيرٌ منهم حاصلون على تعليم عال كدرجة الماجستير والدكتوراه في علوم الحاسب والرياضيات والفيزياء. اضافة إلى ذلك، تقدم الحكومة الإيرانية الدعم المالي لكراسي الأبحاث المتعلقة بالهجمات الإلكترونية ضد منشآت البنية التحتية الحيوية، وعمدت الجامعات الإيرانية إلى استقطاب الهاكرز إما للدراسة في الجامعة أو حتى توظيفهم للعمل كأعضاء هيئة تدريس في كليات تقنية المعلومات، كما برز عدد من الجامعات الايرانية تقوم على تدريب وتدريس الطلاب كيفية استخدام تقنيات متقدمة لتنفيذ هجمات إلكترونية وصنع الفيروسات وتطويرها ويتم دعوة المتميزين في هذه الدورات للانضمام لمجموعات محترفة تخدم مصالح الحكومة، وحتى أن بعض التقارير الأمنية ذكرت أن هجمات أرامكو ارتبطت ببدء تدريس هذه المقررات الخاصة. كما قامت مؤسسات ومنظمات تعليمية إيرانية بإقامة عدد من المسابقات المختصة بإيجاد ثغرات أمنية حساسة تهدد البنى التحتية والمنشآت النووية تحاكي ما تواجهه عند الخصوم.
كثير من شركات أمن المعلومات الإيرانية المتميزة التي تقدم خدماتها للمواطنين وقطاع الأعمال الإيراني تدار ويعمل بها أفراد متورطون بأعمال إجرامية إلكترونية ضد دول أجنبية، وما زالوا يمارسون أنشطتهم الإجرامية وهم على رأس العمل. رفع العقوبات الغربية يقود إلى توفير الأموال للمجرمين ما يدفع بشكل كبير لتدفق مزيد من الأموال المتجهة الى قطاع الإجرام الإلكتروني لشراء مزيد من التقنيات الإلكترونية وكذلك مزيد من الأموال لدعم مشاريع بحثية تخريبية بالدرجة الأولى.
ليس خافيا أن المغامرات والحماقات تنعكس في جميع جوانب الحكومة الإيرانية من الناحية السياسية والميلشياوية، وهو أيضاً كذلك من الجانب الإلكتروني. الحكومة الإيرانية أصبحت مرتعا وبؤرة ولّادة للإجرام الإلكتروني تستهدف مصالح الدول في المنطقة وعلى رأسها السعودية والإمارات وتركيا. يدفعنا ذلك باتجاه ضرورة زيادة الجهود الدفاعية الإلكترونية لدينا والتمركز في وضعية الاستعداد لأي نشاط معاد، جزء كبير من هذه المسؤولية يجب أن يستوعبها التنفيذيون في القطاعات الحيوية الاقتصادية والبنية التحتية، وأن تدفع الحكومات الاقليمية باتجاه تشجيع تبادل المعلومات بين القطاعات الاقتصادية والبنية التحتية ونظيراتها في الدول المستهدفة لرفع كفاءة الاستعداد والردع.