هل يحظى رئيس الوزراء حيدر العبادي بالمشورة الجيدة من مستشاريه ومعاونيه ومساعديه؟.. قبل هذا هل يسعى هو لطلب المشورة من هؤلاء؟ .. ذات مرّة سألت أحد القريبين منه عمّن يكون أو يكونون مستودع أفكار العبادي (think tanks)، فأجفلني بإجابته: “لا يحبّ الاستشارة”!.. هذا يتّسق مع جواب لاحق سمعته من شخصية كانت ذات مكانة في حزب الدعوة: “قياديو حزب الدعوة لا يحبون الاستشارة .. يعتقد الواحد منهم أنه غير محتاج لها”!
لو كان السيد العبادي يحظى بالمشورة الجيدة، أو لو أنه طلب في الأساس المشورة، لقيل له إنه ليس من الصائب تضمين خطابه الأخير ( أول من أمس) بعضاً مما ورد فيه، وبالذات قوله: “لا يجوز من أجل تحقيق الإصلاحات…. التضييق على حركة المرور وحريات المواطنين خاصة في المناطق السكنية التي تعيش فيها عوائل المواطنين حالة حرج وقلق”. القاصي والداني يعرفان أن حركة التظاهرات والاعتصامات كانت على الدوام منضبطة بأحسن ما يكون الانضباط وعلى نحو غير مألوف حتى في بريطانيا التي عاش فيها العبادي نصف عمره. هو قال هذا بلسانه مرات عدة مشيداً بانضباط المتظاهرين. القاصي والداني يعرفان أنّ الحركة الاحتجاجية لم تشكّل يوماً عبئا على حركة المواطنين في الساحات والشوارع ولا على حياتهم في مناطق سكناهم. القاصي والداني يعرفان أن الإجرءات الأمنية المبالغ فيها الى أبعد الحدود هي من يضيّق على حركة المرور بإغلاق الشوارع والساحات والجسور وعلى حريات المواطنين في مناطق سكناهم بسدّ حتى الدرابين في هذه المناطق… لما يزيد على عشر سنين كان هناك تشديد مفرط في إجراءات الأمن، والسيد العبادي هو الذي خففها بنسبة تزيد على 50 بالمئة ، لكن الأمن في المدن، وبخاصة في العاصمة، لم يتردَّ بل تحسّن كثيراً .
كلام السيد العبادي في هذا الصدد يعكس في الواقع ضيق الطبقة السياسية المتنفذة في السلطة من الحركة الاحتجاجية، خصوصاً بعد أن وصلت الى مرحلة الاعتصام عند أبواب المنطقة الخضراء. هذه الطبقة لا تريد الإصلاح الذي تطالب به الحركة الاحتجاجية، حتى ولو بمستوى التغيير الوزاري فحسب. خطاب السيد العبادي نفسه أكد هذا، فهو قال: “وقد أصرّت الكتل السياسية على أن يتم ترشيح الوزراء من قبلها باعتبار أن النظام البرلماني هو نظام كتل انتخابية يعطيها الحق بالمشاركة في تشكيل الحكومة حسب النسب، وفي المقابل هناك من يطالب باختيار الوزراء خارج المحاصصة مما يتيح المجال لاختيار تشكيلة وزارية على أسس جديدة”. العبادي من جهته اختار أن يستجدي الكتل النيابية لـ”تحديد موقفها” وتحديد الصيغة التي تريدها للتشكيلة الوزارية الجديدة. لكن هذه الكتل، كما جاء في الخطاب، لا تريد غير أن تشكّل الحكومة بنفسها وفقاً لنظام المحاصصة الذي اندلعت الحركة الاحتجاجية من أجل إلغائه، فضلاً عن مكافحة الفساد وتوفير الخدمات العامة .
هذه الطبقة تريد وقف التظاهرات، وتريد على وجه الخصوص إنهاء الاعتصامات، التي تسبب لها الذعر والهلع وأرغمت بعض أقطابها على تسفير عائلاتهم إلى الخارج ظنّاً منهم أن الخطوة التالية للمعتصمين اجتياح المنطقة الخضراء!
مرّة أخرى لو كان السيد العبادي يحظى بالمشورة الجيدة أو لو كان هو في الأساس يطلب هذه المشورة لحصل على نصيحة بإسناد ظهره إلى الحركة الاحتجاجية، إن كان راغباً بالإصلاح، بحسب ما يُعيد ويُكرّر في كل مناسبة .. لكن من الواضح الآن أنه ليس كذلك.. إنه يخافه، وخطابه الأخير دليل حاسم.
عدنان حسين
موقع المدى