من الطبيعي أن يركّز أنصار الحزب على صورته القديمة جهة مقاومة، وأن يبالغوا في قدراته، ويؤسسوا تحليلاتهم على مغالطةٍ تدّعي أنه لا يتأثر سلبياً بما يشنه من حروبٍ على جبهاتٍ متعددة، يصعب حتى على دولة عظمى الخروج سالمةً منها، تغطي العراق وسورية ولبنان واليمن، وما يتفرّع عنها من تدخل أمني/ عسكري في بلدان عربية وأجنبية عديدة. هذه المغالطة التي تستند إلى رؤيةٍ متفائلةٍ تتجاهل الوقائع تؤكد ما تجافيه الأدلة، وهو أن الحزب منخرط في صراعاتٍ تتحدّى قدراته ضد المنطقة العربية، وما وراءها، ويفقد رصيده الشعبي ومكانته الوطنية، نتيجة ما يرتكبه من جرائم في سورية.
يقول الكاتب إن دور حزب الله العربي والدولي يتّفق وقدراته، ويسهم في حماية قوى انتصار الممانعة والمقاومة من أعدائه في الغرب وبلدان العرب، وأن دوره هذا مستقلٌّ عن إيران، على الرغم من أنه إحدى الروافع التي تحدد إيجابياً مستقبلها كدولة كبرى إقليمية، فلا خوف عليه من التحديات التي يواجهها، وتبدو نتائجها غامضةً أو سلبيةً لمن لا يعرف بأي اقتدار يخطط قادته سياساتهم، وفي ضوء أية تحليلاتٍ ومعلوماتٍ دقيقةٍ يتابعون تطورات المواقف الدولية وتحولاتها، وكم يبرعون في ضبط إيقاعها على إيقاعهم، وحساباتها علي حساباتهم الخاصة. بالمناسبة، ثمّة ما يبعث هنا على الاطمئنان، وهو أن انتصار إيران المؤكد على خصومها، وامتداد نفوذها إلي بلدانٍ متزايدة العدد، سيضمن بقاء الحزب بعد نهاية الصراع الحالي. هذه النتيجة لن تتأثر، لسببٍ غير معلوم، بواقعة أن القوى المناوئة لطهران تمتلك من القدرات ما لا يمكن مقارنته بقدراتها وقدرات حزبها اللبناني.
يتجاهل الكاتب وقائع باديةً بجلاء للعيان، ويبني تحليلاته على تفكير رغبي، ينطلق من مسلّمةٍ تكذبها التطورات، تفترض أن الثورة السورية منهزمةٌ لا محالة، ومثلها ثورة اليمن ومقاومة العراق وبلدان الخليج، لأن قوة إيران والحزب لا تهزم، واستطاعت كسر أية أطرافٍ واجهتها، عربية كانت أم أجنبية.
لا داعي للقول إن هناك أصواتاً إيرانيةً ترفض نظرة الكاتب وتحليلاته. وهناك في حزب الله نفسه تيار يتخوّف مما ينتظره، في حال انتصرت الثورة، وقطعت التواصل بين طهران وبينه، وجفّفت نهر الإمدادات التي تتدفق عليه، وقرّرت إنهاء دوره ضد العالم العربي، وجلب من يقتلون اليوم شعب سورية من قادته إلى المحكمة. هؤلاء المتخوفون ليسوا واهمين. إنهم عقلاء إيران والحزب الذين يعون المعنى الحقيقي لصمود شعب سورية، طوال أعوامٍ خمسة، تعرّض خلالها لما لا يمكن لبشرٍ تحمله، من دون أن يتراجع تصميمه على نيل حريته، أو ينجح النظام الأسدي وإيران والحزب في تحقيق أي تحول سياسي أو عسكري جدّي ضده.
هل هناك بعد فرصة نجاة للحزب؟ أعتقد أنها متاحة، إن خرج من سورية، وأخرج حسن نصر الله من قيادته، واختار قيادةً جديدةً لبنانية التوجهات والخيارات، تقطع صلاتها تماماً بالمخابرات الإيرانية، وتؤيد حق الشعب السوري في القضاء على نظامه ونيل حريته، ومحاسبة كل من سفك دماءه.
بغير ذلك، لن ينجو الحزب من هزيمةٍ، لن تقوم له بعدها قائمة.