لماذا يتجه العرب إلى بوتين

لماذا يتجه العرب إلى بوتين

_79973_61

تنطبع سياسة باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط بخيبة أمل لدى العديد من المستشارين والخبراء المقربين من البيت الأبيض، وهذا أمر متوقع، حسب مراقبين، خاصة وأن زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية لم تؤت النتائج التي توقعتها إدارة أوباما، في الحين الذي نجح فيه الخليجيون في إيصال رسالة مفادها أن ارتباك السياسة الأميركية تجاه العرب أمر قد لا يعني كثيرا صناع القرار في الخليج. الأمر الذي دفع دنيس روس، المستشار السابق لباراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط، إلى القول إن “العرب قد تخلوا إلى حد ما عن أميركا”.

الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية التي تقودها الولايات المتحدة يعتبر محور التقارب أو التباعد بين العرب والولايات المتحدة، فهذا الملف لا يحتمل أي نقاش أو وضع لأمن منطقة حساسة بأسرها على محك التهديد الإيراني الطائفي الذي يمكن أن يتحول إلى تهديد نووي مسلح قد يقوض الأمن والسلم في العالم أجمع. خطورة الملف، دفعت قادة دول الخليج العربي إلى التفكير في مسارات أكثر نجاعة وقوة للحفاظ على أمنها الاستراتيجي، وكل خطوة اتخذت في هذا الاتجاه كانت تعبر عن تحرك مشروع في سبيل عدم انزلاق المجتمعات الداخلية إلى الزلزال الطائفي الذي من شأنه تحويل الشرق الأوسط إلى عراق وسوريا بأوسع جغرافيا ممكنة.

محاور شائكة

يعترف المستشار السابق لأوباما، دنيس روس، في تحليل له صدر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بأن استراتيجية البيت الأبيض تجاه الوضع في الشرق الأوسط أدت إلى انفراط العقد جزئيا بين الخليج العربي والولايات المتحدة، وذلك عبر “تردد أوباما في لجم جموح إيران في الهيمنة على المنطقة في الحين الذي يطلب فيه من قادة دول الخليج التزام ضبط النفس”.

وأشار روس إلى أن ذلك دفع المملكة العربية السعودية إلى التحرك وفق ما تمليه مصالح الإقليم ككل. ويضيف دنيس روس قائلا “من المفارقات، أن الكثير من شركاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة يدركون أنهم قد يضطرون إلى بذل المزيد من الجهد بأنفسهم لأن أوباما أعرب عن تردده في استخدام القوة الأميركية في المنطقة”.

التردد الأميركي في المسألة السورية خلق فراغا أدى إلى دخول مناسب للاعب الروسي كي يفرض أوراقه

في سياق نقاش ما يطرحه روس، فإن مدى صحة رؤيته تتوقف عند مسألة الاعتماد الدائم في المستقبل على القوة الأميركية لحماية الشرق الأوسط من تهديدات إيران، لكن بعض الأمور قد تغيب عمن يتبنى هذا الموقف، لأن المملكة العربية السعودية بدأت منذ أكثر من سنة مسار بناء القوة الذاتية وتركيز أعمدة التحالف العربي الذي يمتد من الأردن ليصل إلى المغرب.

وعاصفة الحزم، وإن كانت حركة عربية عسكرية لإعادة السلطة الشرعية اليمنية إلى مكانها الطبيعي، إلا أنها عملية أخذت تبعث برسائل عديدة أخرى خارج اليمن ذاته. فأولى تلك الرسائل هو أن الحلول العربية العربية لأزمات الشرق الأوسط هي بدورها حلول ناجعة وقادرة على التغيير ميدانيا وبالفعل، وقد ولى بذلك عصر التدخل الأجنبي الأميركي الذي يأتي بغطاء دولي وقرار تقني من مجلس الأمن للاحتلال كما حصل مع العراق. أما الرسالة الثانية، فهي أن العرب قد اختبروا قدراتهم العسكرية التي تطورت بشكل ملفت وبالتأكيد فإن أي قوة إقليمية تفكر في الاقتراب من الأمن العربي فإن الرد سيكون في مستوى ذلك التهديد.

التحركات الدبلوماسية الكثيفة التي قادتها السعودية في الأسابيع الماضية لم تكن في معزل عن محاولات بناء أسوار أمنية واستراتيجية عربية تدعم قوة المنطقة وحضورها الدولي المهم. فزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر ثم إلى تركيا وزيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الأردن وجولة العاهل المغربي الملك محمد السادس في الخليج بين الرياض (قبيل القمة الخليجية الأميركية) وأبو ظبي، كلها تندرج ضمن التنسيقات الحثيثة لخلق توازن جديد في المنطقة العربية أولا لتكون مقدمة لتسويات بعينها في مناطق النزاع سواء في سوريا أو العراق أو فلسطين، وأيضا لدعم ذلك التوازن على المستوى الإقليمي وإخبار إيران أنها لن تواجه الخليج العربي فقط إذا أرادت حربا، بل منطقة بأسرها.

روسيا لاعب آخر

يؤكد دنيس روس في تحليله المعنون “لماذا يتحدث قادة الشرق الأوسط إلى بوتين وليس أوباما” أن التردد الأميركي في المسألة السورية خلق فراغا أدى إلى دخول مناسب للاعب الروسي كي يفرض ورقة بقاء النظام وتدعيم قوة الجيش السوري وإرغام الجميع على القبول بروسيا عنصرا مفاوضا قويا في الترتيبات السياسية الانتقالية سواء في مفاوضات جنيف أو المفاوضات الثنائية والوساطات مع الأنواع المختلفة للمعارضة السورية.

وبهذا المدخل، يمكن فهم التقارب المنتظر بين قادة دول الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية وروسيا. فالظاهر أن إدارة أوباما قد ارتكبت خطأ استراتيجيا في إطلاق يد إيران في المنطقة بعد الاتفاق النووي معها، أدى إلى تقاطع موضوعي بين الخليج وروسيا لم تتضح معالمه بعد بشكل دقيق حول الأزمة الروسية، لكن الأكيد أن الأمر سوف يتضح تدريجيا بعد الزيارة المنتظرة للملك سلمان إلى موسكو في وقت لاحق.

وأشار تقرير ورد في مجلة “بوليتيكو ماغازين” الأميركية إلى أن الانتقال نحو مرحلة أخرى في منطقة الشرق الأوسط أمر حتمي الوقوع لكن إيقاعه بطيء، مضيفا أنه “إذا ما واصلت الولايات المتحدة سياسة التردد هذه فسوف يكون ذلك الانتقال إلى عصر سياسي آخر دون أميركا”، وتؤكد المجلة أن “القرن الواحد والعشرين هو قرن أميركا في العالم، لكن ذلك قد لا يعني كثيرا دول الخليج”.

أصبح من الواضح بعد هذا أن الأميركيين أنفسهم يؤكدون تراجع حظوتهم في الشرق الأوسط، ولم يخف هذا الاعتراف بالتراجع مخاوف قادة البيت الأبيض من أن يسد الروس الفراغ الذي تحدثه أميركا يوما بعد يوم بسياسة الحذر في كل مكان، خاصة وأن ضرباتها الجوية التي تقوم بها بمعية تحالف دولي لم تستطع تقديم سوريا خطوة نحو الحل.

أجندة بديلة

ذهب دنيس روس إلى أبعد من مجرد تحليل الواقع السياسي الجديد بين العناصر الأساسية لمشاكل الشرق الأوسط، مقترحا جملة من النقاط التي يرى أنه على الإدارة الأميركية التعجيل بتنفيذها، كأنه يستبق قدوم الإدارة الجديدة المنتظرة في البيت الأبيض ليضع أجندة عملها في الشرق الأوسط. وقد ارتكز روس في مقترحاته إلى الدور الأميركي الذي يسعى لإصلاحه بعد الاعتراف بأنه انحرف عن المطلوب منه عربيا.

وأشار الخبير الأميركي إلى ضرورة تشديد السياسة في بلاده المعلنة تجاه إيران حول عواقب الغش في خطة العمل المشتركة الشاملة لتشمل لغة حادة واضحة بشأن استخدام القوة، وليس العقوبات، إذا انتهك الإيرانيون التزامهم بعدم السعي أو الحصول على سلاح نووي.

كما أكد ضرورة البدء في العمل مع دول مجلس التعاون الخليجي حول خطط طوارئ لإيجاد خيارات محددة لمواجهة استخدام إيران المتزايد للميليشيات الشيعية لتقويض الأنظمة في المنطقة، وتوازيا مع ذلك يرى روس ضرورة الاستعداد لتسليح القبائل السنية في العراق إذا ما استمر الإيرانيون والميليشيات البارزة في منع رئيس الوزراء حيدر العبادي من القيام بذلك.

أما في سوريا، فإن توضيح أنه إذا واصل الروس دعم الأسد وعدم إجباره على قبول مبادئ فيينا، فإنهم لن يتركوا أي خيار للولايات المتحدة سوى العمل مع شركائها لإقامة ملاذات آمنة، فضلا عن مناطق حظر الطيران.

الظاهر حسب مراقبين، أن وصول دنيس روس إلى التفكير في إعادة إحياء “استراتيجية الإكراه” التي كانت تستعملها الولايات المتحدة يكشف مدى خوف أميركا من أن تضيع حظوتها في الشرق الأوسط كعامل ضبط في المنطقة، فأن يقوم الخليجيون بصناعة سياسة جديدة قائمة على إثبات الذات وأن يقوموا بتعرية الأخطاء الأميركية فهذا الأمر يعتبر نقطة صد لتمادي أميركا في الصمت على إيران، ودفاعا قويا لمراجعات عميقة في ما يقوم به الأميركان الآن.

صحيفة العرب اللندنية