تواجه إدارة الرئيس الأميركي القادم، دونالد ترامب، مجموعة واسعة من التحديات في الشرق الأوسط، بعضها ينبغي التعامل معها بسرعة، وأخرى يجب التعامل معها على مدى سنوات أو عقود. لكن معظمها تنطوي على اثنين من الأمور المشتركة: ليس هناك خيار سياسة أميركية سهل أو جيد؛ وليست هناك طريقة لتجنب المخاطر الجسيمة.
بعض هذه التحديات واضحة. وهي النتيجة المنطقية لصعود “داعش” والتطرف الإسلاموي؛ وإرث الغزو الأميركي للعراق؛ والتهديدات التي تشكلها إيران وسباق التسلح في الشرق الأوسط؛ والدور الجديد الذي تلعبه دول مثل روسيا وتركيا في المنطقة؛ ومجموعة المشكلات التي تنجم عن القتال المتواصل في كل من العراق وسورية وليبيا واليمن.
خلال ولاية الرئيس ترامب الأولى في المنصب -ومباشرة بعد بداية رئاسته تقريباً- سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى التعامل مع 12 تحديا رئيسيا على الأقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى الولايات المتحدة أن تقوم بما يلي:
• الاحتفاظ بعلاقات جيدة عسكرية وفي مجال مكافحة الإرهاب مع حلفائها العرب.
لكن هؤلاء الحلفاء لا يثقون بعمق التزامها، وعلاقتها مع طهران، وقدرتها على التصرف بحزم وفعالية. كما أن على هؤلاء الحلفاء التعامل مع حقيقة أن خفضاً بنسبة 50 في المائة في عوائد صادرات النفط قد غير إلى حد كبير قدرتهم على تحديث قواتهم المسلحة، والتعامل مع الحركات الإرهابية والمتطرفة. وستكون إحدى المسائل الرئيسية هي تقرير ما إذا كان يجب توفير بعض الضمانات الأمنية. وستكون إحدى المسائل الأخرى هي العثور على طرق لإعادة تشكيل القدرات العسكرية الأميركية، وجعل جهود التحالف أكثر فعالية، وإنما أقل كلفة.
• سيكون على الولايات المتحدة أن تقرر بشأن مستوى التزامها بالدفاع عن دول الخليج ضد إيران، والتعامل مع طيف كامل من التحديات الإيرانية.
وتشمل هذه التحديات مكامن الغموض المحيطة بالجهود النووية الإيرانية وخطة العمل الشاملة المشتركة؛ وتوسيع إيران لنفوذها الاستراتيجي في لبنان وسورية والعراق؛ وسعيها إلى بسط نفوذها على الشيعة في دول الخليج العربية والبحرين؛ وبناؤها الثابت والمطرد للتهديدات غير المحسوبة على الملاحة في الخليج وما حوله؛ والنمو المطرد لأسلحتها وقواها الصاروخية التقليدية.
• يجب إعادة تشكيل جهود الولايات المتحدة الخاصة بمكافحة الإرهاب لمحاربة بقايا “داعش” –والتعامل مع المجموعة الكاملة من التهديدات الأخرى القادمة من التطرف الإسلاموي- في المنطقة.
ما تزال القوى نفسها كافة التي ولَّدت الاضطرابات السياسية واسعة النطاق في العالم العربي في العام 2011 حاضرة الآن، أو أنها أصبحت أكثر سوءا بكثير. وبمجرد (وإذا) فقد “داعش” (خلافته) وقدرته على السيطرة على الأراضي في العراق وسورية وليبيا، ستظل الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب يواجهون تحديات كبيرة من المتطرفين الإسلامويين، والتي تتفاعل مع الانقسامات القبلية والطائفية والعرقية العميقة. وسوف تكون الولايات المتحدة وأوروبا أهدافاً للهجمات الإرهابية إلى أجل غير مسمى، لكن التهديد الرئيسي سوف يظل موجهاً إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبقية العالم الإسلامي. وعلى الولايات المتحدة أن تواصل التركيز على شراكاتها الرئيسية مع الدول العربية، في حين تتجنب الإجراءات التي قد يكون من شأنها تنفير المسلمين، سواء في المنطقة أو في أي مكان من العالم.
• العثور على إجابة مناسبة لخلق نتيجة مستقرة وقابلة للحياة للحرب الأهلية السورية.
تشكل سورية أسوأ التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة. وحتى لو كان بالإمكان تقديم بعض المساعدات السياسية المتفرقة، فإنه يبدو من غير المرجح أن يتمكن أي شكل من أشكال وقف إطلاق النار أو تقسيم سورية من منع البلد من العودة إلى مزيد من الصراع -إلا إذا استطاع نوع من حلول الحدود معالجة مشكلاتها مع نظام الأسد، والعناصر الإسلاموية المتطرفة داخل قوات الثورة، والتوترات القائمة بين العرب والأكراد، وتخفيض أدوار القوى الخارجية. وقد أصبح نصف سكان سورية الآن أشخاصاً لاجئين أو نازحين داخلياً. وسوف يكون تحقيق الاستقرار مستحيلاً من دون تزويد هؤلاء الناس ببعض الأمل بعودتهم إلى نوع من الحياة الطبيعية. وأياً يكن الواقع الجديد الذي يظهر، فإنه يجب أن يجلب معه الانتعاش الاقتصادي والتنمية أيضاً إلى بلد تخلف في مسائل التقدم الاقتصادي والعدالة الاقتصادية على مدى عقود قبل بدء اضطراباته السياسية الأخيرة في العام 2011، والذي أصبح لديه الآن مجرد 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الذي كان لديه في العام 2011.
• يجب مساعدة العراق في العثور على حل لتوترات مرحلة ما بعد “داعش” والتعامل مع الانقسامات بين مواطنيه من الشيعة والسنة والعرب والأكراد.
لا يمكن فصل هذه الجهود عن التهديد الذي تشكله سورية غير مستقرة على العراق، والضغوط المتضاربة التي يتعرض لها العراق من إيران وتركيا والدول العربية الأخرى. وربما تكون هناك حاجة إلى نوع من الفيدرالية، لكن تقسيم العراق إلى دويلات يشكل وصفة أكيدة تقريباً للمزيد من العنف والمعاناة الإنسانية. كما سيحتاج العراق أيضاً إلى بناء قوات أمنية قادرة على ردع إيران، وسوف يحتاج بلد شبه مفلس إلى كل من التحرك نحو التنمية، وإلى نوع من العدالة الاقتصادية من أجل توحيد مناطقه وفصائله المنقسمة.
• التعامل مع الصراع في اليمن، وكلفه الإنسانية المتصاعدة باطراد، والتحديات المتمثلة في تحقيق أمن واستقرار دائمين في ذلك البلد.
يشكل اليمن، إلى جانب سورية، واحداً من أكثر التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة تعقيداً واستعصاءً على الحل. ويبدو أن هناك القليل جداً من الآفاق على المدى القريب لتحقيق أي نوع من النصر للتحالف المؤيد للحكومة الذي تقوده المملكة العربية السعودية. كما أن التحالف المقابل المكون من الثوار الحوثيين وعلي عبد الله صالح غير مستقر بطبيعته، فيما يشكل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تحدياً متنامياً في المناطق السنية. وكان اليمن يواجه مسبقاً أزمات اقتصادية هيكلية كبيرة قبل بدء الحرب الأهلية، ويشكل الغذاء والماء والرعاية الطبية الأساسية كلها الآن تحديات إنسانية هائلة. ويبدو أن الخيارات تتمثل في بناء الدولة في ظل ظروف بالغة الصعوبة، أو تحقيق شكل من أشكال الاحتواء الذي يمكن أن يأتي فقط على حساب معاناة إنسانية هائلة.
• على الولايات المتحدة مكافحة دور روسيا في سورية وتوسيع نفوذها في المنطقة.
من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستطيع العثور على طريقة فعالة للحد من تزايد النفوذ الروسي في سورية، أو وقف التأثير الذي يخلقه التدخل الروسي على التصورات الإقليمية لأهميتها الاستراتيجية المتزايدة. ومع ذلك، سوف تكون لدى الولايات المتحدة فرص للحد من دور روسيا كمصدر للأسلحة والمستشارين العسكريين للدول الأخرى، ويجب أن تكون مستعدة للتعامل مع تحويلات روسية كبيرة من الأسلحة إلى إيران. كما تستطيع الولايات المتحدة أيضاً دراسة احتمال القيام بعملية “تصعيد أفقي”، مثل ممارسة الضغط على روسيا في مناطق أخرى مثل أوكرانيا، تماماً كما فعلت روسيا مع الولايات المتحدة في سورية. وفي الوقت نفسه، على الولايات المتحدة تأمل دور الصين الإقليمي، سواء كمصدر رئيسي آخر للأسلحة الإيرانية، أو من حيث إقامتها قاعدة جديدة في جيبوتي.
• على الولايات المتحدة إعادة هيكلة العلاقات مع تركيا “أردوغان” ما بعد الانقلاب، التي تصبح علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا أكثر سلطوية باطراد، والتي تتدخل بنشاط في سورية والعراق.
تعرض تركيا احتمالاً متصاعداً باطراد لأن تصبح نظاماً قمعياً وتقسيمياً، والذي يمكن أن يعزل نفسه من خلال اتخاذ الإجراءات الأمنية المفرطة وإطالة أمد الصراع مع أكراده، بينما يسعى إلى التدخل للتعامل مع الأقليات الكردية والتركمانية في سورية والعراق. وسوف تكون تركيا في أفضل الأحوال شريكاً استراتيجياً صعباً، وسوف تكون “ورقة جوكر” رئيسية سيترتب على إدارة ترامب التعامل معها.
• يجب مساعدة مصر على تحقيق الأمن، وإنما التأثير عليها للتحرك في اتجاه التعافي الاقتصادي والتنمية، وخفض مستوياتها الحالية من القمع واستخدام المزيد من الإجراءات الأمنية المتطرفة.
تشكل مصر أكبر الدول العربية، وهي شريك أمني رئيسي لطالما وفر حقوق الترانزيت الحاسمة لمرونة سلاح الجو الأميركي وعبر قناة السويس. وسوف يترتب على الولايات المتحدة مساعدة مصر في جهودها الأمنية، وفي حربها ضد التطرف في سيناء. لكن عليها أيضاً أن تستخدم نفوذها لضمان أن تعالج مصر ضغوطها الاقتصادية، وأن تضع حدوداً مناسبة لضبط نشاطها المضاد للإرهاب ومعاملة المنظمات غير الحكومية، والمعارضة المشروعة. وسوف يؤدي الخلاف المفتوح إلى جعل الأمور أسوأ بالنسبة لكلا البلدين فحسب، لكن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تخدم مصالحها الخاصة في مصر بمجرد تقديم المساعدات الأمنية ببساطة.
• مساعدة الحلفاء الآخرين، مثل الأردن والمغرب وتونس، على التحرك نحو تحقيق الأمن والاستقرار.
لا تستطيع الولايات المتحدة التركيز فقط على الدول التي تعيش المشاكل في الوقت الراهن. وسيكون عليها أن تساعد حلفاءها الإقليميين الآخرين على منع نشوب الاضطرابات السياسية لديها، وتحقيق التنمية الاقتصادية والإصلاحات، وتأسيس بنى أمنية فعالة.
• أخيراً، إبرام اتفاقيات أمنية جديدة مع إسرائيل، وإنما اتخاذ قرار أيضاً حول ما إذا كان يجب متابعة حل الدولتين للتقسيم بين إسرائيل وفلسطين.
يبدو أن هناك القليل من الآفاق لإحراز تقدم يعتد به في جهود السلام، على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء. ومع ذلك، من غير الواضح إلى حد كبير ما إذا كانت الدول العربية ستبقى منشغلة كما هي الآن بالقضايا الأمنية الأخرى، أو ما إذا كانت السياسات الإسرائيلية والمستوطنات تخلق حقائق على الأرض، والتي يمكن أن تجعل تحقيق حل الدولتين مستحيلاً. وربما لن يكون تجاهل القضية الإسرائيلية-الفلسطينية أو بذل جهود رمزية الطابع إلى حد كبير تجاهها، عملاً كافياً. وعلى الولايات المتحدة أن تفكر أيضاً في تهديدات أمنية أخرى محتملة لأمن إسرائيل: الحرب منخفضة المستوى في سيناء؛ وسورية ما بعد “داعش”، والتهديد الذي تشكله الصواريخ الإيرانية وصلات إيران مع حزب الله اللبناني.
• إعادة دراسة الولايات المتحدة حساباتها فيما يتعلق بالأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في عصر تصبح فيه الولايات المتحدة أقل اعتماداً باطراد على الصادرات المباشرة من النفط، وإنما تصبح أكثر اعتماداً على استقرار ونمو الاقتصاد العالمي، والتدفق المستقر لصادرات نفط وغاز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أوروبا وآسيا. ولا يكفي التحدث بغموض عن المصالح الأمنية الحيوية. وسوف تحتاج الولايات المتحدة إلى إجراء تحليل سياسي شامل وواسع النطاق لتحديث السياسات والتصورات، والذي يكون قائماً على نوع مختلف تماماً من اعتمادية الولايات المتحدة على تأمين تدفق صادرات النفط الخليجية.
سوف تكون هذه القائمة من التحديات شاقة في أي وقت، لكن الولايات المتحدة تواجه أيضاً حاجات محلية رئيسية، فضلاً عن التحديات الخارجية الأخرى المتعلقة بالتعامل مع روسيا وأوروبا، والحرب في أفغانستان، وصعود الصين والقضايا الأمنية الأخرى في آسيا. كما أن من الواضح تماماً، بالنظر إلى الماضي القريب، أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتنبأ بنوعية وتوقيت التحديات الجديدة التي ربما تنشأ في أي من هذه المناطق.
ومن المهم بالمقدار نفسه إدراك أنها ليست هناك خيارات “جيدة” أو بسيطة مفتوحة أمام الولايات المتحدة في أي من هذه القضايا الاثنتي عشرة. وتتحرك كل من هذه القضايا بفعل قوى تعني أنها ربما تظل ماثلة بشكل أو بآخر بعد ولاية الرئيس ترامب الأولى. وقد استمرت بعض القضايا فعلياً بشكل أو بآخر على مدى عقود.
سواء شئنا ذلك أم أبينا، ترث إدارة ترامب قائمة من المشكلات المعقدة التي سيترتب عليها أن تتعامل معها في الوقت نفسه، والتي تنطوي كلها على “ألعاب طويلة” مصحوبة بمخاطر يعتد بها. وليس هناك أي محل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأي من السلبية أو الوصف التقليدي لاندفاع الولايات المتحدة إلى العمل: إيجاد الحلول التي تكون بسيطة، وسريعة، وخاطئة.
أنتوني كوردسمان
صحيفة الغد