تركيا في حالة استقطاب شديد حول الشخصية القوية لرئيسها رجب طيب أردوغان، إلى درجة أن الكتل المؤيدة لأردوغان والمعارضة له في البلاد تلوم بعضها البعض بدلاً من أن تسأل لماذا تحدث الهجمات الإرهابية، وكيف يمكن وقفها. وهذا الأمر يثير لديّ قلقاً عميقاً حول تركيا وقدرتها على إحباط المزيد من الهجمات الارهابية من خلال قوة مؤسساتها ووحدة مواطنيها.
ومن خلال حساباتي عانت تركيا من 33 هجوماً إرهابياً كبيراً منذ صيف عام 2015، من بينها الهجوم على ملهى ليلي في وسط اسطنبول في الواحد والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر، الذي أودى بحياة 399 شخصاً على الأقل. وترتبط هذه الهجمات، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 7300 شخصاً، بجماعتين إرهابيتين هما: تنظيم «الدولة الإسلامية» و«حزب العمال الكردستاني».
لدى «حزب العمال الكردستاني» ميل لضرب أهداف أمنية في هجماته. ومؤخراً، في 11 كانون الأول/ديسمبر، شن الحزب هجوماً انتحارياً مدمراً بسيارة ملغومة على حافلة تقل ضباط شرطة مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 388 شخصاً (من المدنيين والمسؤولين الأمنيين على السواء)، وجرح 1500 شخصاً آخر.
[وقد أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن الهجوم الذي وقع ليلة رأس السنة الجديدة في اسطنبول]. وفي الأسابيع الأخيرة، كان الإسلاميون في تركيا قد جادلوا بأن احتفالات ليلة رأس السنة الميلادية غير إسلامية.
وحيث جاء الحدث بمثابة صدمة في دولة ذات تراث مسيحي متجذر – [على الرغم من أن] سانت نيكولاس نفسه ولد في تركيا في أوائل العصر المسيحي – فقد قام الاسلاميون حتى بتنفيذ أحكام إعدام وهمية لسانتا كلوز في الأماكن العامة للاحتجاج ضد الاحتفالات بالعام الجديد، التي يخلطونها مع عيد الميلاد، ويعترضون عليها في عقيدتهم المشوّهة.
يقاتلون بعضهم البعض وليس الإرهابيين
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إذا كان مرتكبو الهجمات الإرهابية في تركيا واضحين للغاية، فلماذا تبدو تركيا غير قادرة على منع مد الإرهاب الذي تواجهه؟ تكمن الإجابة في أن الأتراك منشغلين للغاية بمحاربة بعضهم البعض، بدلاً من التركيز معاً على محاربة الارهاب.
منذ تولّي أردوغان السلطة للمرة الأولى كرئيس للوزراء في عام 2003 ثم أصبح رئيساً للبلاد في عام 2014، فاز في الانتخابات على أساس برنامج شعبوي يميني. فقد قام بتشويه صورة الناخبين الذين لم يصوتوا له على الأرجح، واستهدافهم، وقمعهم بوحشية. وتشكل هذه المجموعات معاً، بما فيها اليساريين والليبراليين والاشتراكيين الديمقراطيين والعلويين (الذين هم مسلمين ليبراليين) والعلمانيين والأكراد، ما يقرب من نصف سكان البلاد.
وقد أدت استراتيجية أردوغان إلى قيام حالة استقطاب عميق في تركيا. فإلى جانب النمو الاقتصادي للبلاد في عهد أردوغان، جلبت له استراتيجيته مجموعة من الموالين اليمينيين، من بينهم القوميين الأتراك والمحافظين والإسلاميين، الذين يمثلون النصف الآخر من البلاد.
إن الكتلة المؤيدة لأردوغان تعشق الزعيم التركي وتعتقد أنه لا يمكن أن يخطيء. وفي الوقت نفسه، إن الكتلة المعارضة لأوردعان تكرهه وتعتقد أنه ليس بامكانه أن يفعل أي شئ بصورة صحيحة. وهذا أيضاً هو الموشورَ الذي من خلاله ينظر الأتراك، للأسف، إلى الهجمات الإرهابية والعنف المتصاعد.
كيفية منع موجة العنف؟
في أعقاب كل هجوم، يبدأ الأتراك بإلقاء اللوم على بعضهم البعض بدلاً من أن يقوموا بمناقشة الإخفاقات الأمنية التي ربما أسفرت عن وقوع الهجوم وما يمكن القيام به وما ينبغي عمله لمنع وقوع هجمات أخرى في المستقبل. ولا يجري بتاتاً أي نقاش حول [الإيديولوجية الفاعلة] وراء السياسة الخارجية التي تؤدي إلى وقوع الهجمات، وعلى وجه التحديد يبدو أن حروب أنقرة المتزامنة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» و «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي هو حليف «حزب العمال الكردستاني» في سوريا تمتد إلى داخل تركيا، مع قيام تنظيم «الدولة الإسلامية» و«حزب العمال الكردستاني» بشن هجمات ذات طابع انتقامي لأن تركيا تحقق مكاسب ضدهم في سوريا.
وعوضاً عن ذلك، يحدد المشهد الاستقطابي في تركيا شكل الحوار في البلاد في أعقاب كل هجوم. فإذا شنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» هجوماً، يلقي الأتراك المعارضين لأردوغان اللوم عليه لعدم حمايتهم. وإذا كان «حزب العمال الكردستاني» هو الذي نفذ الهجوم، يلقي الأتراك الموالين لأردوغان اللوم على المعارضة، وهكذا تدور الحلقة المفرغة إلى أن يقع الهجوم المروّع القادم.
لدى تركيا مؤسسات أمنية قومية قوية، ساعدت على ردع موجات إرهابية سابقة، بما فيها حالة تمرد كبيرة قام بها «حزب العمال الكردستاني» في التسعينيات. وقد ساعدت المؤسسات نفسها أيضاً البلاد على تجاوز أزمات سابقة، مثل القتال المشابه لحرب أهلية في الشوارع وقع بين يمينيين متشددين وجماعات يسارية متشددة في السبعينيات. ولكن، إذا لا ينخرط الأتراك في نقاش صادق حول كيفية منع مد العنف الذي يواجههم هذه المرة، فأنا أخشى أن لا تكون حتى هذه المؤسسات القوية كافية لوقف موجة الإرهاب وانقاذ البلاد من الدمار.
سونر جاغيتاي
معهد واشنطن