تخوض الجيوش العربيّة حروبا جديدة تختلف كليا عن تلك التي أسّست من أجلها. وتعمل الدول العربية، مجتمعة ومنفردة، على حماية دولها من موجات الإرهاب المتواصلة، كما أنها منخرطة في حروب أهلية وأخرى إقليمية، بشكل أو بآخر، أو مشاركة ـ وإن بدرجات مختلفة ـ في الحرب العالمية ضد الجماعات الإرهابية.
تشير التقارير والدراسات إلى أن “ما تمَّ إنفاقه عربيا على الجيوش خلال العام 2016 بلغ 15 بالمئة من مجموع الإنفاق العسكري العالمي البالغ 1.57 تريليون دولار”، أما بالنسبة للتكلفة البشرية، فليست هناك إحصائيات محددة، لسببين، الأول أن الحرب لم تضع أوزارها بعد.
ويكمن السبب الثاني في تضارب المعلومات والإحصائيات بخصوص عدد القتلى، خاصة وأنها تأتي في الغالب من جهات غير محايدة، ومع ذلك فإن المتابعة الإعلامية تشير إلى الآلاف من القتلى، إذا ما وضعنا في الاعتبار الحروب الدائرة إلى الآن في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا.
عسكريا، تتم قراءة الحالات الراهنة للجيوش العربية في حروبها الداخلية، ضمن التصنيف العالمي، من خلال الأداء وليس عبر تبعات ما يحدث على مستوى الدولة القطرية. أي أن الجيوش العربية ليست مثار اهتمام دول العالم لما تقوم به خارج العمل العسكري الكلاسيكي المتثمل في حماية الدولة وسيادتها من أيّ اعتداء خارجي، وهو ما يظهر في عدد من التقارير والنشريَّات الصادرة عن مركز الأبحاث والمتابعة والرصد الخاصة بالجيوش.
ذكر تقرير حول الجيوش أصدرته مؤسسة غلوبال فاير باور ـ بدأت بإعداده منذ منتصف 2016 – تصدر الجيش المصري للعام الثاني على التوالي المرتبة الأولى على قائمة أقوى الجيوش العربية (12 عالميا بعد أن كان في المرتبة 18 في العام 2015)، فيما جاء الجيش السعودي في المرتبة الثانية عربيا (24 عالميا بعدما كان الـ28 في عام 2015) والجيش الجزائري في المرتبة الثالثة (26 عالميا)، والسوري في المرتبة الرابعة (36 عالميا بعدما كان الـ42 في 2015)، والمغربي في الخامسة على مستوى الدول العربية (56 عالميا بعدما كان في المرتبة الـ49 على مستوى العالم في 2015).
الجيوش العربية غارقة في حروب جديدة ومكلفة ماديا وبشريا ومختلفة عن تلك التي عرفتها خلال حروب التحرير
وجاء تصنيف بقية الجيوش العربية، كالتالي: الإمارات العربية المتحدة، العراق، اليمن، الأردن، السودان، ليبيا، تونس، عمان، الكويت، البحرين، قطر، لبنان، جنوب السودان، ثم جاء الصومال في المرتبة الأخيرة عربيا، وما قبل الأخيرة عالميا في تصنيف شمل 126 دولة.
تحالف الجيش السوري
ما يثير الانتباه في هذا التقرير هو محافظة الجيش العربي السوري على المرتبة الرابعة عربيا، رغم إنهاكه في حرب أهلية متعددة الأطراف منذ أكثر من ست سنوات، وأيضا مع اتهامه بارتكاب مجازر في حق الأبرياء، ناهيك عن استعانته بجيوش من دول خارجية (إيران وروسيا مثلا)، وبميليشيات متحالفة (حزب الله اللبناني وميليشيات عراقية ذات توجه مذهبي).
تقود الحالة السورية إلى الحديث عن الحروب الجديدة التي تواجهها الجيوش العربية، وهي هنا ليست حربا خاصة بجيش دولة وإنما بتحالفات دولية.
وهذا واقع فرض نفسه، ونتج عنه انتهاء سيادة الدولة بطلب من السلطة القائمة وظهور تحالفات جدية على حساب الدولة الوطنية.
الحالة السورية لها خصوصيتها، ولكنها جزء من الوضع العام الخاص بالجيوش العربية، حيث تتركز مهامها اليوم في حروب تحدد مسارها الأحداث الجارية في كل دولة، فالجيش التونسي يحارب عبر جبهتين، داخلية حيث يشترك مع قوى الأمن والشرطة في مطاردة الجماعات الإرهابية أو وقاية المجتمع منها، وجبهة خارجية، حيث دفاعه المستميت على حدود بلاده مع الجزائر ومع ليبيا، للحيلولة دون تسرب الإرهابيين سواء أكانوا مواطنين أو من دول أخرى.
حالة عربية أخرى هي الجيش الجزائري، الذي يدافع اليوم، عبر مساحة شاسعة، عن بلاده من أخطار حروب وإرهاب تحدق بها من مختلف الجهات والحدود سواء أتعلقت بالإرهاب، أو بتهريب السلاح والمخدرات والبشر.
ويحارب على صعيد الجبهة الداخلية، حيث يتحمّل العبء الأكبر من تبعات الوضع على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وجميعها ليست من مهامه، ولكنها فرضت عليه، وهو يشترك في وضعيته تلك مع الجيش المصري، مع وجود اختلافات في نظرة الجيشين للأمن الوطني وحدوده ومتطلباته، وأيضا الاختلاف حول مسألة التحالفات والعلاقات الاستراتيجية والتكتيكية في المنطقة.
حروب الوجود والحدود
لقد تغيَّرت أدوار الجيوش العربية في المشرق وفي المغرب وفي دول الخليج العربي، عما كانت عليه في السابق. صحيح أنها ظلَّت مرتبطة بالمصالح الوطنية لكل لدولة، ولكنها لم تعد محددة الأدوار والأهداف والحدود، حيث بات لديها تداخل العمل المدني بالعمل العسكري، وتجاوزت أدوارها الحدود الداخلية.
ومهما يكن، فإن الجيوش العربية تَخُوض حروبا جديدة، ليست ضد عدو واحد، وإنما ضد أعداء كثر من الداخل والخارج، وهي تدافع عن بقاء الدول العربية وجودا أوّلا، وحدودا ثانيا، وهي إن كانت تعوّدت على المواجهة في الحروب المنظمة، فإنها بدأت تكتسب خبرة في مجال حرب العصابات، وستنتصر في النهاية على الجماعات الإرهابية على غرار ما رأينا في الجزائر في السنوات الماضية، وفي العراق حاليا، لكن ذلك لا يعني عودة الدولة إلى ما كانت عليه، وهذا مكمن الخطر، ولن يزول إلا بتنمية شاملة، والانتهاء من سياسة الإقصاء في جميع المجالات، وعودة الجميع إلى الرشد.
خالد عمر بن فقة
صحيفة العرب اللندنية