بدلاً من توسيع الصادرات الأميركية إلى إيران -وخلق المزيد من الوظائف الأميركية- اصطف الرئيس ترامب وراء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأحجم عن الشهادة بحق الاتفاق النووي الإيراني، مخاطراً بالمزيد من الحرب.
* * *
تمثل سياسة الرئيس دونالد ترامب اتجاه إيران على نحو واضح رفضاً خطيراً للدبلوماسية لصالح المواجهة. بل هي أكثر من ذلك: إنها تحول رئيسي نحو اصطفاف أوثق للسياسة الأميركية مع السياسة الإسرائيلية التي ينتهجها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وسواء كان ذلك معلناً أم لا، فإن تعهد ترامب بالعمل مع الكونغرس لإعادة التفاوض حول الاتفاقية النووية الإيرانية وتهديده الصريح بالانسحاب من الصفقة إذا لم تتم إعادة التفاوض، يبدو أنه يرضي المطالب المتشددة التي قدمها نتنياهو لسياسة واشنطن تجاه طهران.
بالتحديد، استمر نتنياهو في مطالبة ترامب إما بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، أو أن يجري عليها تغييرات مفرطة، والتي يعرف أنها مستحيلة التحقيق. وفي الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 19 أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي: “إن سياسة إسرائيل تجاه الصفقة النووية مع إيران بسيطة جدا: تغييرها أو إلغاؤها”. ولم يجعل من ما عناه بذلك سراً: إن لم “يلغ” ترامب الصفقة، يجب عليه التخلص من “بند غروب الشمس” فيها، وأن يطالب بأن تنهي إيران برنامجها المتطور لأجهزة الطرد المركزي والصواريخ بعيدة المدى، من بين أهداف أخرى لا يمكن تحقيقها بشكل أساسي.
استطاع تصريح ترامب يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) أن يشمل كلا خياري إما/ أو اللذين كان نتنياهو قد أعطاهما له. وحذر من أنه ما لم يوافق الكونغرس وحلفاء أميركا الأوروبيون على خطة لمراجعة الصفقة، “فسوف تلغى الاتفاقية”. وأضاف أن الاتفاقية “تخضع لمراجعة مستمرة” ومن الممكن لمشاركتنا “أن تلغى من جانبي، كرئيس، في أي وقت”.
إحدى المواد التي تريد الإدارة من الكونغرس أن يضعها في القانون المعدل سوف يسمح بفرض العقوبات إذا عبرت إيران بعض “النقاط المهمة”، والتي لا تضم القضايا النووية وحسب، وإنما المطلب الإسرائيلي بأن توقف إيران برنامج صواريخها بعيدة المدى أيضاً. ولم يكن موضوع الصواريخ الباليستية مشمولاً في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة أبداً لسبب واضح: أن لإيران الحق نفسه في تطوير صواريخ باليستية مثل أي دولة مستقلة أخرى، وقد رفضت بحزم مطالب صورية قدمتها إدارة باراك أوباما لتضمين هذا الموضوع في المفاوضات.
لقد قطع ترامب شوطاً طويلاً في اتجاه خيار نتنياهو المتعلق بـ”إلغاء” الاتفاقية برفضه مؤخراً المصادقة على أن إيران تفي بالتزاماتها المنصوص عليها خطة العمل الشاملة المشتركة. وأشارت تلك الخطوة إلى أنه يبيت النية لإلغاء التسوية التي تستند عليها الاتفاقية برمتها.
على الرغم من أن الشرق الأوسط أصبح مختلفاً جداً اليوم عما كان عليه خلال رئاسة جورج دبليو بوش، فإنه يمكن إيجاد بعض التشابهات في مقارنة سياسة ترامب تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة وسياسة بوش تجاه إيران خلال المرحلة المبكرة من برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
جناح الليكود
حملت الشخصيات الرئيسية التي كان لها نفوذ رئيسي على كل من سياسات ترامب وبوش الإيرانية آراء قريبة من آراء حزب الليكود اليميني الإسرائيلي. ويعد صهر الرئيس ترامب والمستشار الرئيسي في السياسة الخارجية والصديق الداعم لنتنياهو منذ وقت طويل “جاريد كوشنر” الموصل الرئيسي لموقف الليكود في بيت ترامب الأبيض. وكان والدا كوشنر يعتبران داعمين منذ وقت طويل للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وثمة شخص آخر ظهر في بيت ترامب الأبيض، هو جون بولتون، وكيل وزارة الخارجية وصانع السياسة الإيرانية الرئيسي في إدارة بوش. وعلى الرغم من أنه لم يتم تعيين بولتون وزيراً للخارجية في إدارة ترامب، كما كان قد أمل، فقد عاد إلى الظهور فجأة كلاعب في سياسة إيران بفضل علاقته مع كوشنر. وتذكر صحيفة “بوليتيكو” أن بولتون اجتمع مع كوشنر قبل بضعة أيام من نشر بيان السياسة النهائية، وأنه حث على انسحاب كامل من الصفقة لصالح خطته الخاصة الداعية إلى احتواء إيران.
وكان بولتون قد تحدث مع ترامب هاتفياً عشية الكلمة التي ألقاها الأخير، وبحث معه الفقرة التي تتعلق بالصفقة والتي تعهد فيها بأن الصفقة سوف “تلغى” إذا لم تتم إعادة التفاوض، وفق الصحيفة. وكان بولتون يتحدث مع ترامب من لاس فيغاس حيث اجتمع مع قطب الكازينوهات، شيلدون أديلسون، هو الشخصية الرئيسية الثالثة التي تقف وراء تحول ترامب في اتجاه القضايا الإسرائيلية.
وأديلسون داعم لليكود، ويحتفظ بصداقة وثيقة قائمة منذ وقت طويل مع نتنياهو، وقد استخدم صحيفته التابلويد “إسرائيل اليوم” لدعم حملات نتنياهو. كما كان مساهماً رئيسياً في حملة ترامب في العام 2016؛ حيث تبرع بمبلغ 100 مليون دولار. وتكمن مصلحة إديلسون الفعلية في دعم مصالح إسرائيل في واشنطن -خاصة فيما يتعلق بإيران.
في ظهور علني في إسرائيل في العام 2013، عندما سُئل أيدلسون عن رأيه في المفاوضات مع طهران، اقترح إسقاط قنبلة نووية على إيران ثم القول للإيرانيين: “انظروا، القنبلة التالية ستكون في وسط طهران. وبذلك، نحن نعني العمل. فهل تريدون أن يتم محوكم؟ امضوا إذن وتبنوا موقفاً صلباً وواصلوا برنامجكم النووي…”.
كانت تفضيلات سياسة حزب الليكود حول إيران قد هيمنت على إدارة بوش في الجزء الضخم منها بسبب نفوذ ديفيد فيرمسر، الليكودي الذي كان مستشاراً للشرق الأوسط، أولاً مع بولتون ثم لاحقاً مع ديك تشيني، نائب الرئيس. وكان فيرمسر المؤلف المشارك مع ريتشارد بيرل ودوغلاس فيث لورقة بعنوان “انفصال نظيف” في العام 1996، والتي نصحت نتنياهو بتوجيه ضربات جوية ضد سورية وإيران وبإسقاط نظام صدام حسين في العراق. وقد تمكن فيرمسر من إقناع تشيني بأنه يجب على الإدارة السعي للعثور على ذريعة لمهاجمة إيران.
لكن بولتون هو الذي عمل مع المسؤولين الإسرائيليين في تخطيط حملة لإقناع العالم بأن إيران تعمل سراً لتصنيع أسلحة نووية. وكان هدفه هو أن يبيع على دول أوروبية رئيسية مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، والذي يتهم إيران بتطوير برنامج نووي. ويشرح بولتون في مذكراته أن الافتراض في استراتيجيته كان إما أن يقوم مجلس الأمن بتجريد إيران من حقها في امتلاك برنامج نووي، أو أن تقوم الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد إيران من جانب واحد.
توترات متصاعدة
في صيف العام 2004، زُعم أن وكالة الاستخبارات الأجنبية ألمانية حصلت بشكل مفاجئ على مجموعة كبيرة من برنامج إيراني سري للأسلحة النووية. وأصبحت تلك الوثائق الدليل الوحيد المزعوم عن وجود هذا البرنامج.
لكن هذا الكاتب وجد أكثر من إشارة على الزيف في تلك الأوراق، كما قال لي مسؤول رفيع سابق في وزارة الخارجية الألمانية علناً في آذار (مارس) من العام 2013، إن المصدر الذي مرر الوثائق كان عضواً في حركة مجاهدي خلق، مجموعة المعارضة الإيرانية المسلحة. وكانت هذه الحركة قد تعاملت مع الموساد الإسرائيلي لبعض الوقت.
لم تنظر إدارة بوش ولا إدارة ترامب إلى الخطر المزعوم بانتشار نووي إيراني مشكلة أولوية في حد ذاتها، وإنما كانت موضوعاً للاستغلال من أجل إضعاف النظام الإسلامي وتحقيق تغيير النظام في نهاية المطاف.
خلال مقابلة معها في العام 2013، قالت هيلاري مان ليفيريت، منسقة مجلس الأمن القومي في الخليج في الفترة من 2001-2003، لهذا الكاتب، إن فيرمسر ومستشارين آخرين لتشيني كانوا مقتنعين بأن الاحتجاجات الطلابية في العام 1999 أشارت إلى أن الإيرانيين كانوا مستعدين للإطاحة بالجمهورية الإسلامية. وفي كلمته الأخيرة، وجه ترامب اللوم إلى أوباما لأنه رفع العقوبات النووية عن إيران “قبل ما كان الانهيار الكلي الوشيك للنظام الإيراني”.
وبعد أن أصبح نتنياهو رئيساً لوزراء إسرائيل في وقت مبكر من العام 2009، عملت إدارته بلا كلل لأربعة أعوام لمناورة إدارة أوباما وحملها على توجيه إنذار نهائي إلى إيران بسبب تخصيبها اليورانيوم. لكن أوباما رفض هذا الاقتراح بينما كرر بولتون دعوته للولايات المتحدة عاماً بعد عام لقصف إيران.
والآن، تلعب إدارة ترامب فصلاً جديداً في ملهاة الليكوديين ورعاتهم في واشنطن. وهدفهم لا شيء يقل عن استخدام القوة الأميركية لإضعاف إيران من خلال الوسائل العسكرية إذا كان ذلك ممكناً، أو من خلال العقوبات الاقتصادية إذا اقتضت الضرورة. والشيء الملاحظ أن ترامب يتعاون مع هذا التوجه، حتى بشغف أكبر مما أبداه بوش.
غاريث بورتر
صحيفة الغد