بيروت – وصفت أوساط لبنانية زيارة قيس الخزعلي، قائد ميليشيا عصائب أهل الحق، لجنوب لبنان، وظهوره على شريط فيديو متجولا على الحدود مع إسرائيل بأنها رسالة تحدّ إيرانية لسياسة النأي بالنفس التي ترفعها حكومة سعد الحريري ويتمسك بها رئيس الجمهورية ميشال عون، والتي اتخذت غطاء للهجوم على السعودية على خلفية إعلان الحريري استقالته من الرياض قبل أن يعود عنها لاحقا.
وأشارت هذه الأوساط إلى أنه تم تسريب شريط الفيديو بالتزامن مع اجتماع مجموعة الدعم الدولية التي حثت من باريس على حماية لبنان من التدخلات الإقليمية في استهانة واضحة من إيران والميليشيات الحليفة لها بالجهد الدولي لدعم البلد ومساعدته على الخروج من أزمته الاقتصادية.
وساوى البيان الختامي للمجموعة، الجمعة، بشكل مثير للاستغراب بين الدور السعودي القائم على الدعم المالي والاقتصادي للحكومة والجيش في لبنان، وبين دور إيراني يقوم فقط على تسليح حزب الله وشراء مواقف شخصيات سياسية لبنانية.
وظهر الخزعلي في الفيديو واقفا مع مجموعة من مسلحي حزب الله، وهو يلف رقبته بالشماغ “الكوفية” الخاص بالحرس الثوري الإيراني، معلنا جهوزية ميليشيا عصائب أهل الحق المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي، لدعم حزب الله.
وجاء في بيان لمكتب الحريري أن رئيس الوزراء اللبناني أجرى اتصالات “مع القيادات العسكرية والأمنية المعنية (وحثها على) إجراء التحقيقات اللازمة واتخاذ الإجراءات التي تحول دون قيام أي جهة أو شخص بأي أنشطة ذات طابع عسكري على الأراضي اللبنانية، ودون حصول أعمال غير شرعية على صورة ما جاء في الفيديو، ومنع الشخص المذكور من دخول لبنان”.
وتابع البيان أنه “تبين أن الفيديو تم تصويره قبل 6 أيام، وهو يشكل مخالفة موصوفة للقوانين اللبنانية”.
وقال متابعون للشأن اللبناني إن بيان مكتب الحريري لا يتجاوز مجرد تسجيل موقف وتبرئة ذمة، خاصة أن الزيارة وضعت رئيس الوزراء اللبناني في موقف حرج لكونه عدل عن الاستقالة عازيا قراره إلى تعهدات من حزب الله اللبناني بالالتزام بسياسة النأي بالنفس.
وسعى الحريري إلى تبرئة ذمة حزب الله حين أكد في اجتماع باريس أن جميع التشكيلات السياسية اللبنانية تعهدت بالتزام مبدأ النأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.
وأكد هؤلاء المتابعون أن إيران عملت على تسريب وجود الخزعلي في لبنان لتؤكد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الحاضرين باجتماع باريس أنها الآمر الناهي في لبنان وأنها لا تقيم أي وزن لحكومته ولسياسة النأي بالنفس التي أكدها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، وأن بيان باريس لا قيمة له، وأنها مستمرة باختراق لبنان والسيطرة على قراره السياسي.
وأشاروا إلى أن الأهم من ذلك هو توجيه رسالة للبنانيين وللفاعلين الإقليميين والدوليين في الحرب السورية، بمن فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفادها أن إيران صارت مربوطة ببيروت وأن الممر البري الذي خططت له طويلا ليجمع طهران ببغداد ودمشق وبيروت قد تحقق، وهو ما بات يعرف بالهلال الشيعي.
واشتهر الخزعلي بتصريح قال فيه إن الميليشيات الموالية لإيران ستشكّل ما وصفه بـ”البدر الشيعي”، وليس الهلال، مشددا على أنه في المستقبل “ستكون الفرق القتالية قد اكتملت” بوجود الحرس الثوري في إيران وجماعة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.
ومن الواضح أن إيران أرادت التأكيد أنها القوة الإقليمية التي تهيمن على المنطقة، خصوصا على العراق وسوريا ولبنان وأنها لا تأبه بكل ما يصدر عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تصريحات وتلويح بالعقوبات.
ولفت المتابعون إلى أن زيارة الخزعلي إلى بيروت، والتي قد لا تكون الأولى لقيادي من الميليشيات العراقية، تؤكد مشروعية المخاوف التي سبق أن عبرت عنها دول عربية عدة مثل السعودية من خطورة السكوت على أنشطة إيران في العراق وسوريا ولبنان، وأن الوجود الإيراني المكثف في سوريا لم يكن هدفه فرض بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم، وأن الأمر يتعلق بفرض أمر واقع مثلما يجري في العراق.
وسعى القيادي بعصائب أهل الحق إلى تغليف زيارته المثيرة للجدل إلى لبنان بدعم القضية الفلسطينية، وهو أمر وصفه مراقبون لبنانيون بالقول إنه جزء من اللعبة الإيرانية المعهودة التي ترفع شعار القدس وفلسطين لتبرر التدخل في شؤون الدول العربية، ولتجر لبنان إلى دفع ضريبة جديدة للمواجهة مع إسرائيل.
واعتبرت مراجع لبنانية أن ما جاء على لسان الخزعلي من تحريض يعد مؤشرا خطيرا على مجازفة جديدة يمكن أن يقدم عليها حزب الله ويدفع اللبنانيون ثمنها مثلما جرى في حرب تموز 2006 التي دمرت فيها إسرائيل مناطق لبنانية بأسرها.
وتساءل المراقبون عن ردة فعل المؤسسات اللبنانية الرسمية من هذه الزيارة وما تحمله من استهانة واضحة بلبنان وقيادته، وهل سيظهر المسؤولون اللبنانيون إلى العلن ويهاجمون الخزعلي وإيران، ويحملون حزب الله مسؤولية اختراق سيادة لبنان مثلما ظهروا بقوة للاحتجاج على إعلان الحريري استقالته من السعودية، أم سيلجؤون إلى الصمت مثلما تعودوا حين يتعلق الأمر بحزب الله.
وقد يقود الصمت الرسمي اللبناني على زيارة الخزعلي إلى توتر جديد في العلاقة مع السعودية التي لن ترضى بالمواقف المتناقضة لشخصيات لبنانية بارزة.
العرب اللندنية