طهران – إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتوقع تأثيرا فوريا لعقوباتها الجديدة على الاقتصاد أو النظام أو الشعب في إيران، فإن هذا السيناريو لن يتحقق في الدفعة الأولى من العقوبات، حيث يتوقع محللون أن تواجه طهران وضعا صعبا بعد فرض الدفعة الثانية من العقوبات أي في مطلع نوفمبر القادم.
ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب العقوبات التي أعاد فرضها الثلاثاء بأنها “الأكثر إيلاما”. لكن في قوله هذا مبالغة لأن العقوبات التي أعاد فرضها، هي فقط تلك التي كانت مفروضة قبل الاتفاق النووي المبرم في 2015 والذي انسحب منه في مايو الماضي.
وحسب خبراء في الشأن الإيراني لن تكون الدفعة الأولى مؤلمة للغاية، كما يأمل ترامب، لأن التأثير النفسي لإعادة العمل بها يترك أثره فعلا في الاقتصاد الإيراني منذ ثلاثة أشهر، في حين أن الدفعة الثانية من العقوبات ستكون أكثر إيلاما لأنها ستستهدف قدرة إيران على تصدير النفط، وهو عماد اقتصادها.
ويُتوقع أن يكون تأثير الحزمة الثانية من العقوبات التي ستدخل حيز التنفيذ في 5 نوفمبر وتستهدف قطاع النفط الذي يعد حيويا بالنسبة إلى إيران، والأشد وطأة حتى لو رفض أبرز مستوردي الخام الإيراني كالصين والهند وتركيا تقليص مشترياتهم إلى حدّ كبير.
أساليب قمعية
رغم مشاعر اليأس المنتشرة في إيران بشأن حالة الاقتصاد، والخوف على المستقبل، فقد استقبل الإيرانيون عودة العقوبات بهدوء نسبيا. ولا شك في أن الانتشار الأمني الواسع وانقطاع الإنترنت لعبا دورا، كما أن الحصول على صورة واضحة من خارج طهران هو شبه مستحيل بسبب القيود الشديدة على التقارير. وتشير الحوارات الجارية على مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل إلى توقف الاحتجاجات، فيما يقول محللون إنه من المستبعد أن تؤدي الضغوط الاقتصادية إلى ثورة شاملة. رغم أن مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون يرى أن قادة إيران “على أرض هشة للغاية” بعد أيام من الاحتجاجات في أنحاء البلاد ضد ارتفاع الأسعار وعدم تطبيق إصلاحات سياسية.
ومرد ذلك حسب المحللين يعود إلى خبرة النظام الإيراني في التعامل مع العقوبات فهي ليست المرة الأولى التي تخضع فيها البلاد إلى عقوبات، وعلى الرغم من الاستياء الواسع إزاء الأوضاع الاقتصادية والتظاهرات المتفرقة في جميع أنحاء البلاد، يعتقد هؤلاء أن المعارضة الإيرانية مازالت تفتقد إلى زعيم يقود الجماهير الغاضبة والرافضة لنظام محافظ ومتشدد.
كما أن ارتكان النظام الإيراني إلى القمع وغلق أفواه المحتجين بالقوة يجعل انهيار النظام في طهران مستبعدا على الأقل خلال العامين المقبلين.
وقال هنري روم من مجموعة أوراسيا في بيان أن “المراقبين الغربيين غالبا ما يتسرعون في التوصل إلى استنتاجات خاطئة بأن التظاهرات المحلية.. هي رفض شامل للجمهورية الإسلامية”.
وأضاف أنه “رغم زيادة الاحتجاجات إلا أن النظام لا يواجه بعد تهديدا على وجوده. فقوات الأمن قاسية وفعالة وموالية” للنظام.
ويعتقد المتابعون أن المأزق الاقتصادي التي تعيشه إيران سيفرز انقسامات داخلية في إيران فعلى غرار من يطالب بإسقاط النظام لفشله السياسي والاقتصادي فإن الضغوط الاقتصادية تحمل كذلك خطر تعبئة المشاعر المعادية للولايات المتحدة وحشد الدعم للمتشددين. وعلى الرغم من صفعة العقوبات الجديدة خرجت بعض الأخبار الاقتصادية الجيدة هذا الأسبوع حيث كسب الريال أكثر من 20 بالمئة من قيمته منذ الأحد بفضل سياسات جديدة أعلنت عنها الحكومة بشأن صرف العملات. ويشير ذلك إلى أن مشاكل إيران سببها ليس فقط الضغوط الأميركية بل كذلك الديناميكيات الداخلية.
ولا شك في أن تصريحات ترامب العدوانية ساعدت في تدهور سعر الريال الإيراني الذي فقد أكثر من نصف قيمته منذ أبريل الماضي.
ولكن ذلك التدهور مرده الأساسي قرار إيران الكارثي في ذلك الشهر بتثبيت سعر الريال وإغلاق مكاتب صرف العملة ما أدى إلى ازدهار السوق السوداء. إلا أنها ألغت تلك الخطوات مؤخرا.
وقال محمد رضا نجفي مانيش رئيس لجنة الأعمال في غرفة طهران التجارية إن “الحكومة تأخرت في اتخاذ القرار، ولكنه القرار الصائب”.
وأضاف أن العقوبات هي مسألة تأتي بعد مشاكل إيران الداخلية، كما أن غرفة التجارة عقدت اجتماعات مع الحكومة الأربعاء للدفع من أجل الحصول على المزيد من الدعم مثل دعم الواردات والمواد الخام. وأشار نجفي مانيش “هذه ليست أول مرة نتعامل فيها مع العقوبات. نحن نعرف كيف نبحث عن حلول، وسنبذل كل ما بوسعنا لسد احتياجاتنا محليا”. وتترتب على العقوبات الكثير من الخسائر. فقد انسحبت شركات أوروبية كبرى مثل توتال وسيمنز وبيجو من إيران قبل أن تنضج استثماراتها.
وفي نوفمبر ستتعرض إيران إلى موجة ثانية من العقوبات التي ستستهدف قطاع النفط وكذلك الملاحة والتعاملات المالية.
الموجة الثانية
يشير هنري روم إنه “في نوفمبر سيتبخر جزء كبير من عائدات صادرات النفط، ويرجح أن تجد البنوك الإيرانية نفسها مقطوعة عن معظم النظام المصرفي الدولي” مضيفا أن مجموعة أوراسيا تتوقع أن تخسر إيران مبيعات 700 ألف برميل يوميا.
ويشك الكثيرون في قدرة الرئيس حسن روحاني على الاستجابة بشكل فعال لهذه العقوبات، نظرا إلى فشله في معالجة العديد من المشاكل الطويلة الأجل بما فيها البطالة والفساد والقطاع المصرفي المتيبس.
هنري روم: النظام الإيراني لا يواجه تهديدا على وجوده، فقوات الأمن قاسية وفعالة وموالية
وقد استدعاه البرلمان مطالبا إياه بأجوبة، والأربعاء سيتم حجب الثقة عن وزير العمل في حكومته في أحدث تغيير في المناصب الاقتصادية الرئيسية. وقال محمد رضا بهزاديان الرئيس السابق للغرفة التجارية “القسم الاقتصادي في فريق روحاني هو أضعف جزء في الحكومة. الكل يعرف هذا لكنه لم يغير اتجاهه لأنهم حلفاؤه”. ويشير آخرون إلى إن عداء الولايات المتحدة يمكن أن يكون بالفعل فرصة، فقد نتجت عنه مؤشرات على حملة لقمع الفساد بما فيها اعتقال مسؤول صرف العملات في البنك المركزي، وهي خطوة تكشف حجم الفساد المستشري في أركان النظام.
وينصب اهتمام النظام الإيراني حاليا على الجهود الأوروبية لمقاومة العقوبات الأميركية، إلا أنه من المرجح اتخاذ القرارات الأكثر أهمية في مكان آخر. وأظهرت الأرقام التي جمعتها الاقتصادية فايزة فوروتان، ونشرها المحلل جيمس دورسي، أن الصين وحدها تمثل 6.25 بالمئة من واردات إيران و7.19 بالمئة من صادراتها منذ مارس، أي أكثر من جميع البلدان الأوروبية مجتمعة.
وأشارت الخارجية الصينية في بيان أرسلته بالفاكس لرويترز ردا على أسئلة بشأن العقوبات الأميركية الجديدة وتهديدات ترامب للشركات التي تجري أعمالا مع إيران، إن بكين تعارض دوما العقوبات أحادية الجانب و”سياسة الذراع الطويلة”.
وقالت الصين والهند وتركيا إنها لن تخفض بشكل كبير مشترياتها النفطية من إيران.
وتأمل طهران أن يفتقد ترامب للدعم الدولي الذي كان يتمتع به سلفه باراك أوباما بشأن تلك العقوبات. ودعم حلفاء واشنطن قرار الرئيس الأميركي السابق فرض عقوبات على إيران لكن إبرام اتفاق نووي معها في يوليو 2015 سمح بعودة العلاقات ودفع المصالح الاقتصادية بين أوروبا وطهران.
وصرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للصحافيين الأربعاء “هناك فرق كبير هذه المرة (…) في السابق، لم يكن أحد يدعم إيران. لكن جميع دول العالم تدعم إيران اليوم”. وأضاف “واشنطن تتذبذب بشكل دائم ولذا فلم يعد أحد يثق بهم الآن”.
ورغم تهديدات إيران والتصريحات التي تطلقها والتي وصفها مستشار الأمن القومي الأميركي “بالجوفاء” يعتقد متابعون أن استراتيجيه إيران حاليا هي الانحناء أمام العاصفة خلال السنتين المقبلتين بانتظار انتهاء ولاية ترامب.
ويشير علي واعظ الخبير في الشؤون الإيرانية إلى “معرفة ما إذا كانت الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي عام 2015، وهي ألمانيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، ستكون قادرة على مساعدة إيران في كسب الوقت”.
ووصف واعظ هامش المناورة لدى الأوروبيين محدودا بسبب ارتباط اقتصاد بالاقتصاد الأميركي. إلا أن” روسيا والصين والهند تملك هوامش مناورة أكثر ويمكن أن تبقي على علاقات تجارية مع إيران تتيح لها مقاومة العاصفة”.
العرب