بيع المحالج.. هل تنسج مصر خيوط النهاية لزراعة القطن؟

بيع المحالج.. هل تنسج مصر خيوط النهاية لزراعة القطن؟

في خطوة وصفها مراقبون بالمفزعة، أعلن وزير قطاع الأعمال المصري هشام توفيق أن بلاده ستبيع أراضي 14 محلجا للقطن (معامل إنتاج) من أصل 25 تمتلكها وزارته.

وأوضح الوزير أن قيمة المحالج التي سيتم بيعها تصل إلى 27 مليار جنيه (1.51 مليار دولار)، بعد تغيير نشاطها من صناعي إلى عقاري.

بالتزامن مع القرار الوزاري، نقلت وسائل إعلام محلية شكاوى مزارعين بسبب امتناع الشركات والمحالج الحكومية عن شراء القطن منهم، ليُتركوا فريسة لجشع التجار الذين اشتروا قنطار القطن بأقل من السعر الرسمي.

بيع محالج القطن اعتبره مراقبون رصاصة رحمة ستطلقها الحكومة على مسيرة القطن المصري -المشهور بكونه طويل التيلة- التي امتدت نحو مئتي عام، وشهدت تدهورا تدريجيا خلال الأربعين سنة الماضية.

ووصف وكيل لجنة الزراعة والري بمجلس النواب رائف تمراز المحالج بالثروة القومية، واعتبر بيعها خطوة غير سديدة، وطالب بإجراء عملية البيع -في حال الإصرار عليها- عبر مزاد علني لضمان الشفافية.

مسيرة القطن
محمد على باشا الذي تولى حكم مصر عام 1805 كان أول من اهتم بتطوير زراعة القطن، أو الذهب الأبيض كما يطلق عليه، باعتباره محصولا إستراتيجيا يخدم الاقتصاد المصري.

وذكرت تقارير المكتبة الزراعية التابعة لوزارة الزراعة أن محمد علي حرص على تطوير سلالة القطن وإنشاء المحالج ومعاصر الزيوت، وكذلك مصانع الغزل والنسيج، وتم تأسيس أول بورصة للقطن عام ١٨٨٣ في الإسكندرية.

وحسب تقرير لمعهد بحوث القطن، نسج القطن المصري خيوطه دوليا مع بدايات القرن العشرين، فزاد المحصول من نحو مليوني قنطار إلى ستة ملايين و250 ألف قنطار بين عامي 1884 و1908، ومثل 67% من مجموع الصادرات عام 1884، و83% عام 1906.

وخلال فترة الأربعينيات وحتى نهاية الستينيات من القرن الماضي ظل القطن هو المحصول الرئيسي بمصر وأهم مصادر الدخل القومي.

وبدأ تدهور مسيرة القطن مع سياسة الانفتاح الاقتصادي التي صاحبت حكم الرئيس الراحل أنور السادات في السبعينيات من القرن الماضي، ثم تفاقمت الأمور في الثمانينيات والتسعينيات.

وخلال العقود الثلاثة، تعددت السياسات الحكومية التي أدت إلى تقلص المساحات المنزرعة بالقطن، ومنها طرح سلالات متدنية الجودة، وإنهاء دعم المزارعين ماديا، وإحجام المحالج الحكومية عن شراء المحصول من الفلاح، فضلا عن خصخصة مصانع الغزل والنسيج، حسب مراقبين.

وفي عام 1984 كانت مصر تنتج نحو 8.5 ملايين قنطار قطن، ووصل إلى أربعة ملايين قنطار عام 1993، بينما بلغ إنتاج عام 2017 من القطن نحو 1.4 مليون قنطار فقط.

وفي عام 2016 انخفضت الأراضي المزروعة بالقطن إلى نحو 130 ألف فدان، مسجلة أدنى مستوياتها منذ ما يزيد على مئة عام.

الخصخصة
وأعلن رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج أحمد مصطفى أن الأموال التي سيتم تحصيلها من بيع أراضي محالج القطن ستستخدم في تطوير شركات الغزل والنسيج.

وقال “نحن في مرحلة تطوير المحالج وتقليص عددها من 25 محلجا إلى 11، على أن يتم تحديث المعدات وتدريب العاملين”.

وأكد مصطفى أن بعض أجزاء من الأراضي ستوجه لسداد مديونيات شركات الغزل والنسيج.

لكن هناك جهات دائنة ترفض نظام مبادلة الأراضي بالديون، وهو ما يعني -حسب توضيح رئيس شركة الغزل والنسيج- أن وزارة قطاع الأعمال ستضطر للسداد النقدي.

ورأى الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الزراعي جلال جادو أن بيع المحالج من أجل تطوير الشركات وسداد المديونيات غير ذي جدوى.

وأوضح للجزيرة نت أن بيع المحالج يتماشى تماما مع سياسة “النظام العسكري” القائمة على خصخصة أصول شركات الدولة.

وأشار إلى ما سماها “السياسات الفاشلة” التي أدت إلى تدهور زراعة القطن في مصر؛ كرفع الدعم المالي عن الفلاح، ورفض الحكومة شراء المحصول في كثير من المواسم، وتحدث عن هبوط أسعار القطن خلال الأسابيع الأولى من انطلاق الموسم التسويقي لمحصول 2018.

وأبدى جادو استغرابه من قرار بيع المحالج في الوقت الذي زادت فيه المساحة المزروعة بالقطن هذا العام نتيجة القرار الحكومي بتقليص زراعة الأرز لتقليل استخدام المياه.

لكن هل الاستثمار العقاري أجدى للاقتصاد المصري من محالج القطن؟ يجيب أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية الدكتور مصطفى شاهين بأن اقتصاد الدول لا يقوم على الاستثمار العقاري الذي تسعى إليه مصر.

ووصف في حديث للجزيرة نت إقدام الحكومة على بيع محالج القطن بالخسارة الكبرى وبالخطوة المفزعة والعبثية.

وأوضح أن محالج القطن تقدم قيمة مضافة للاقتصاد الكلي، وتستوعب الكثير من العمالة، في حين أن العقار يدر عائدا لصاحبه فقط، ولن يسهم بشيء في الإنتاج المحلي.

غير أن النائب البرلماني عبد الفتاح محمد وصف بيع المحالج بأنها فكرة خارج الصندوق، وأثنى على استغلال أموال البيع في سداد الديون المتراكمة إلى جانب تطوير قطاع الغزل والنسيج.

المصدر : الجزيرة