بيروت – أخذ تشكيل الحكومة بعدا خطيرا يتجاوز العقد الطائفية المتعلقة بالتحاصص داخل حكومة سعد الحريري المقبلة، إلى مساع لتفخيخ صلاحيات رئيس الحكومة وتوزيعها على المكونات السياسية المشكّلة للحكومة.
وتوقعت مصادر سياسية لبنانية أن يتجاوز النقاش التفاصيل المتعلقة بتوزيع الحقائب ليطال مسائل تتعلق بالنظام السياسي اللبناني وقواعد استقراره.
وأشار وزير الدولة اللبنانية لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال معين المرعبي، إلى محاولات تفريغ دور رئيس الحكومة من مضمونه، محذرا من أن “هناك من يسعى لإدخال أعراف جديدة تفرض رغبات وإملاءات في عملية التأليف”.
وسبق وأن أكد رؤساء الحكومة اللبنانية السابقون في اجتماعات متكررة عقدوها في الأسابيع الأخيرة لدعم الحريري، على صلاحيات موقع رئاسة الوزراء.
ورأوا في اجتماعات ضمت إلى الحريري كلا من فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، أن رئاسة الجمهورية تحاول فرض أعراف غير دستورية لا يشير إليها اتفاق الطائف، وحذروا من أي مساس بالاتفاق الذي بات جزءا من الدستور ومن أي مساس بموقع رئاسة الحكومة ودور رئيس الحكومة في تأليف حكومته وقيادتها بعد ذلك.
واعتبر المرعبي في تصريحات صحافية أن “هناك مواطنا يعامل على أنه نصف مواطن، بينما الآخر ينعم بكامل الحقوق”، متهما رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، بـ”إعادة إنتاج مرحلة الحرب الأهلية”.
ويرى مشرعون لبنانيون أن خطورة الأمر تعيد لبنان إلى مربع ملتهب كان نذيرا بنشوب حرب أهلية دامت 15 عاما، وأن الرئيس عون الذي لم يعترف باتفاق الطائف عام 1989، يحاول اللجوء إلى ممارسات لتفخيخ صلاحيات الرؤساء الأخرى، لا سيما رئيس الحكومة، من خلال أعراف لا تتسق مع النظام السياسي اللبناني الراهن.
وكان رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة قد انتقد قبل أيام ما وصفه بـ”مخالفات دستورية” يقوم بها عون، معتبرا أنها تمثّل مسّا باتفاق الطائف.
وأخذ السنيورة على رئيس الجمهورية محاولته فرض سوابق و”أعراف” جديدة لا ينص عليها الدستور، من خلال الإصرار، مثلا، على “حصة وزارية” له في أي حكومة.
ورأى مراقبون أن السجال الذي اندلع بين السنيورة ووزير العدل المقرب من عون، سليم جريصاتي، يعبر عن تصدع كبير في علاقة تيار المستقبل بعون والتيار الوطني الحرّ.
ولفت المرعبي إلى أن الحريري قدم الكثير من التنازلات بدءا من انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، إلى قانون الانتخاب “الذي وصفه بالمسخ” وصولا إلى تشكيل حكومة ذات أغلبية من الطرف الآخر، ورغم ذلك، فإنهم يعملون ليل نهار لتفريغ دور رئيس مجلس الوزراء وتوزيع صلاحياته على المكونات السياسية للحكومة، وهذا يؤسس لخلافات وإشكالات كبيرة داخل وخارج الحكومة في المستقبل.
ولفت برلمانيون إلى أن حديث بعبدا عن “معايير” و”ملاحظات” و”تحفظات” تعيق تشكيل الحكومة وتصب في حسابات من يريد الانقلاب على اتفاق الطائف.
واعتبر هؤلاء أن عون وصهره جبران باسيل يحاولان إعادة إحياء دعوات سابقة أثارها حزب الله حول “المثالثة” و”المؤتمر التأسيسي”، من خلال مناورات جديدة لا تحمل هذه الأسماء لكن هدفها واحد هو العبور نحو نظام سياسي جديد يتوافق مع خطط حزب الله في الهيمنة على الحياة السياسية اللبنانية.
وقالت أوساط قريبة من تيار المستقبل أن الرئيس سعد الحريري يحاول أن يتصرف بصفته رئيس حكومة كل لبنان وليس زعيما لحزب سياسي فقط، وأنه يسعى إلى عدم كسر التسوية بينه وبين عون-باسيل والتي قادت إلى انتخاب عون رئيسا.
وتضيف هذه الأوساط أن تصاعد الأصوات داخل تيار المستقبل يعكس الأجواء الحقيقية للتيار المعادية لما تمارسه بعبدا بحق الحريري كما بحق التمثيل السني في البلد.
وتؤكد بعض المصادر السياسية السنية في لبنان أن تحالف حزب الله-عون يسعى لفرض أمر واقع سياسي دستوري على لبنان في محاولة للالتفاف على التحولات الإقليمية المتعلقة بالموقف الدولي من إيران.
ورأت هذه المصادر أن إعادة إثارة مسألة تمثيل النواب السنة الموالين لحزب الله في الحكومة، تندرج داخل خطة لمحاصرة الحكومة وتفريغ التمثيل السني الحقيقي من قوته داخل الخارطة السياسية اللبنانية.
ويخشى مراقبون من توتر في العلاقات السياسية للسنة مع فريق عون-باسيل، ويتخوفون من أن تنسحب المواقف الصادرة عن قيادات المستقبل إلى الشارع بما يمكن أن ينقل البلد إلى أجواء تهدد الاستقرار والسلم الأهليين.
ويضيف هؤلاء أن تحذيرات قد وصلت إلى بعبدا في هذا الصدد وتنصح بعدم اللعب بقواعد اللعبة السياسية الداخلية التي تحظى بتوافقات دولية عربية كبرى.
العرب