على الرغم من مرور أكثر من ربع قرن على تفكّك الاتحاد السوفييتي، وانفتاح غالبية جمهورياته السابقة على العالم واقتصاد السوق، ما زالت تركمانستان إحدى أكثر بلدان العالم انغلاقاً على نفسها، إذ تمنع السياح الأجانب من زيارتها، وهناك رقابة قوية على الإنترنت. ووصل الأمر إلى تشبيهها بكوريا الشمالية في أمور كثيرة.
تبلغ مساحة تركمانستان نحو نصف مليون كيلومتر مربع، إلا أن سكانها البالغ عددهم نحو خمسة ملايين نسمة، تركّزوا منذ قديم الزمان في الواحات على الحدود مع إيران، حيث تقع العاصمة الحاليّة عشق آباد، إضافة إلى وادي نهر جيحون شرق البلاد، بينما تغطي صحراء كاراكوم معظم أراضيها.
بعد غزوها عام 1881، باتت هذه الأراضي جزءاً من الإمبراطورية الروسية. ومع قيام الاتحاد السوفييتي، أطلق عليها اسم الجمهورية التركمانية الاشتراكية السوفييتية، قبل أن تنال استقلالها مع تفكك الاتحاد عام 1991، من دون أن يزيدها ذلك انفتاحاً على أرض الواقع.
ويعزو رئيس تحرير موقع “أخبار تركمانستان البديلة” رسلان ميتيايف، هذه الدرجة العالية من الانغلاق، إلى سعي السلطة إلى عدم اطلاع الشعب على أنماط الحياة في الخارج، في ظلّ تفشّي الفقر والفساد في الداخل. ويقول لـ “العربي الجديد”: “منذ بداية الألفية الثالثة، انعزلت تركمانستان عن العالم أجمع، وفرضت تأشيرة الدخول حتى على مواطني بلدان رابطة الدول المستقلة، بما فيها روسيا. وتمّ تأليه رئيسها، صفر مراد نيازوف، الملقب بتركمان باشا، شأنه في ذلك شأن الزعيم الراحل كيم إيل سونغ في كوريا الشمالية”.
وحول دوافع السلطات لاتباع مثل هذه السياسات، يضيف: “بسياسة الانعزال هذه، تسعى السلطات إلى منع الشعب من الاطلاع على أنماط الحياة في الخارج. وفي عام 2003، فرضت تأشيرات الخروج على المواطنين. لا حرية في التعبير ولا صحافة مستقلة، حتى لا يسأل الناس عن الفساد وهرم السلطة الذي يقف في قمته الرئيس قربان قولي بردي محمدوف”.
لعلّ مثل هذه الإجراءات جنّبت تركمانستان أي انتفاضات شعبية أو ثورات، على غرار ما شهدته بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة، بما فيها دولة أخرى في آسيا الوسطى، وهي قرغيزستان، وتمت الإطاحة برئيسين حتى الآن.
ويضرب ميتيايف مثالاً على أعمال سلطات تركمانستان لمنع أي حراك شعبي، قائلاً: “استبقت السلطات التركمانية الثورة الثانية في قرغيزستان بمنع الطلاب التركمان من الحصول على تعليمهم في هذا البلد عام 2009، حتى لا يروا كيف يخرج الناس إلى الشوارع”.
بذلك، تمكنت السلطات في عشق آباد من إبقاء سيطرتها على الأوضاع في البلاد، على الرغم من تردّي الأوضاع الاقتصادية بحسب ميتيايف. يضيف: “تركمانستان ليست بلداً فقيراً، بل يملك أحد أكبر احتياطات الغاز الطبيعي في العالم، ويأتي ضمن أكبر عشرة مصدّري القطن في العالم. لكنّ السكان فقراء، ويتراوح متوسّط الأجور ما بين 30 و60 دولاراً شهرياً، ولا يستطيع أصحاب المبادرة بدء أعمالهم الخاصة بسبب البيروقراطية والرشاوى، وسط سيطرة الدولة على مفاصل الاقتصاد، كونها رب العمل الرئيسي”.
كذلك، تمارس تركمانستان رقابة مشددة على الإنترنت، وهو لا يتوفر بسهولة، وبلغت نسبة المستخدمين نحو 18 في المائة فقط من بين إجمالي عدد السكان في عام 2017، وهو ثالث أسوأ معدّل في آسيا بعد كوريا الشمالية وأفغانستان. ومن عوامل ضعف انتشار الإنترنت في تركمانستان، تكلفته المرتفعة التي تعد الأعلى بين بلدان الاتحاد السوفييتي السابق.
في هذا السياق، يقول ميتيايف: “لا توجد سوى شركة إنترنت واحدة في البلاد تقدم خدمات رديئة ذات سرعة 2 ميغابايت كحدٍّ أقصى، وكلفة عالية تعادل نحو 20 دولاراً، أي نحو نصف المرتب المتوسط، ما يعني أن الإنترنت مغلق أمام عامة الشعب”.
وحول إجراءات الرقابة على الإنترنت، يضيف: “حجبت كل شبكات التواصل الاجتماعي، بما فيها فيسبوك وتويتر ويوتيوب، وكل وسائل الإعلام العالمية، مثل الجزيرة وسي إن إن، وحتى بعض الصحف الروسية. صحيح أنه يمكن الالتفاف على الحجب بسهولة، لكنّ غالبية السكان لا يسعون إلى ذلك، في ظل تردّي مستوى التعليم وتحوّل الناس إلى روبوتات يقيّمون بحسب وفائهم وولائهم”.
ويتحدث ميتيايف عن ملامح دولة بوليسية في تركمانستان، قائلاً: “تعد نسبة أفراد الأمن مقارنة بإجمالي عدد السكان واحدة من الأعلى في العالم، ويتم التنصت على كل الاتصالات. وعلى الرغم من أن تركمانستان تسعى إلى تطوير علاقاتها مع الدول الإسلامية والخليجية، إلا أن الدولة تضيّق الخناق على المسلمين الملتزمين في الداخل، ويتم وضع من يقصدون المساجد بانتظام تحت الرقابة، وقد يسجنون لسنوات طويلة بتهم التطرف”. مؤخراً، سجن عدد من الشباب المسلمين، بمن فيهم الشاب أيبيك أتاجانوف الذي كان قاصراً حين اعتقاله”.
وبموازاة انتشار مثل هذه القصص، ما زالت تركمانستان بلداً مغلقاً أمام السياح. ولا يمكن للأجانب الحصول على تأشيرة دخول إلى البلاد إلا بموجب دعوة من شخصية طبيعية أو اعتبارية تركمانية.
العربي الجديد