بعد عام حافل بعدد قياسي من اللقاءات؛ أجرى الرئيسان الروسي والتركي أمس الأربعاء مباحثات مهمة في موسكو متعلقة بسوريا، في أول لقاء بين الرئيسين في عام 2019، وهو الأول كذلك بعد قرار الانسحاب الأميركي.
وكما كان متوقعا، فقد كان اللقاء مزدحما بالقضايا المهمة: محافظة إدلب، والانسحاب الأميركي من الشمال السوري، وإنشاء المنطقة العازلة. وتبقى تركيا لها أهدافها المعلنة في شمال سوريا، فما السيناريوهات المتاحة أمامها لتحقيقها؟ وهل يمكن أن تكون إدلب مقابل المنطقة العازلة؟
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرح في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، عقب لقائهما في موسكو، بأنه “لا مشاكل مع روسيا بشأن المنطقة الآمنة شمالي سوريا”.
ولفت أردوغان إلى أنه بحث مع بوتين التطورات الميدانية في محافظة إدلب، مشيرا إلى وجود تعاون وثيق بين تركيا وروسيا في هذا الإطار، وقال “سيتواصل كفاحنا المشترك ضد التنظيمات الإرهابية في إدلب”.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فصرح بأن بلاده متفقة مع تركيا بشأن مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية في سوريا، مؤكدا ضرورة التوصل إلى حل دائم للأزمة، من خلال الطرق السياسية والدبلوماسية؛ لافتا إلى إنه بحث مع نظيره التركي سبل تحقيق الاستقرار في إدلب.
إدلب والمنطقة العازلة
ولأن المؤتمرات الصحفية لا تعكس ما يحصل خلف الأبواب المغلقة تماماً، كما أنها لا تعطي تفسيرات لما وراء التصريحات؛ قابلت الجزيرة نت الكاتب الصحفي التركي المقرب من الحكومة حمزة تكين، الذي قال “تم الاتفاق بين أردوغان وبوتين على تثبيت اتفاق إدلب، دون تخلي تركيا عن المحافظة أو أجزاء منها لصالح النظام السوري مقابل أن تغض روسيا الطرف عن المنطقة العازلة”، مبينا أن أردوغان وبوتين اتفقا أصلا على كل ما يخص المنطقة الآمنة بمعزل عن الوضع في إدلب.
وأكد تكين أن زيارة الرئيس أردوغان إلى موسكو الأربعاء كانت زيارة ناجحة على كل المستويات في ما يتعلق بعلاقات تركيا وروسيا الثنائية، وكذلك ما يتعلق بالملف الأبرز، وهو الملف السوري.
وفي سؤالنا عن مغزى التصريحات الروسية حول “ضرورة دخول قوات النظام السوري إلى مناطق شمالي سوريا”، أجاب تكين بالقول “ما هي إلا مجرد فقاعات إعلامية تشبع غرائز النظام ليس إلا، فتركيا لا تقبل أي قوة في الشمال السوري لا يرضى عنها المدنيون السوريون هناك، ومن هذه القوى أيضا تنظيم وحدات الشعب الكردية”.
ولفت الكاتب التركي إلى أن التنسيق التركي الروسي حول سوريا سيستمر وبزخم قوي، وستبقى تركيا تفاوض هنا وهناك، ومع جميع القوى الكبرى الفاعلة لما فيه مصلحة الشعب السوري من جهة، ومصلحة أمنها القومي من جهة ثانية”.
وفي هذا السياق، قال الدبلوماسي الروسي فيتشسلاف ماتزوف للقناة التركية “تي أر تي” إن موسكو تتفهم الاحتياجات الأمنية لتركيا في شمالي سوريا، وإنها تعارض إنشاء أي كيان انفصالي يمكن أن تشكله التنظيمات المسلحة، مشيرا إلى “أن موسكو حريصة على عدم تقوية المنظمات الموجودة شرقي الفرات بعد الانسحاب الأميركي”.
وعلى الصعيد الآخر، تعتبر المنطقة الآمنة ليست من مصلحة موسكو على المدى الطويل؛ لأنها تعزز وجود المعارضة، وتحد من فرص توسع سيطرة قوات النظام، خاصة أن الدبلوماسي الروسي قال إن هناك مباحثات بين تنظيم وحدات الشعب الكردية والنظام السوري في دمشق تجري حالياً للتصالح، مما يعني فرصة عودة قوات النظام للمناطق التي يسيطر عليها التنظيم، استباقاً لأي تنفيذ على الأرض للمنطقة الآمنة.
ورغم ذلك، يرى ماتزوف أن زيارة أردوغان كانت ناجحة، وسيتمكن الرئيسان من تجاوز أي خلاقات تطرأ لاحقاً.
سيناريوهات
من جهته، استبعد مدير مركز عمران للدراسات الإستراتيجية عمار قحف للجزيرة نت أن تكون صفقة إدلب مقابل المنطقة العازلة شمالي سوريا واردة حالياً، مرجعاً ذلك لكثرة اللاعبين والمخربين فيها، كون امتحانات المنطقتين متعلقة بفواعل متباينة ولحصولها تتطلب اتفاقا ثلاثياً: أميركا وتركيا وروسيا، وهذا ما لا تبدو مؤشراته واضحة الآن بحكم الانسحاب الأميركي العسكري، وعدم اهتمامها أصلا بغرب النهر.
وقال قحف “سيناريو عودة إدلب للنظام مليء بالعراقيل، ليس التركي إلا واحداً منها”، مضيفا “إذا كانت العودة ضمن الخيارات العسكرية فستكون الأمور بالغة التعقيد، وتحمل في طياتها عودة زخم العمليات العسكرية الروسية واحتمال تنشيط مليشيات إيران، لتعود وتلعب دور المساند البري، ناهيك عن موجات النزوح الكبيرة”.
وتساءل قحف: “ما التصور مثلا حول أكثر من خمسة آلاف مقاتل أجنبي ترفض دولهم عودتهم؟ هل يثق الروس في أن وحدات النظام قادرة على ضبطهم وعدم استخدامهم في عمليات ابتزاز تخل بالأمن الإقليمي مجددا، خاصة بعد تقاتل فيلقه الخامس مع الفرقة الرابعة، إيرانية الصنع؟”
أما إذا كان السيناريو تفاهمات حول تنفيذ الجزء الخاص بالطرق والمعابر، فهو وارد -وفق قحف- الذي ربط تحقيقه بمدى تفاعل ما تسمى “حكومة الإنقاذ” وهيئة تحرير الشام المسيطرة كليا على تلك المنطقة.
وفي ما يتعلق بخطة المنطقة العازلة شمالي سوريا، فذكر مدير مركز عمران أن الموافقة الأميركية هي الضامن لأي عرقلة أمام تنفيذها”. مشيرا إلى أن تركيا ستلجأ للحصول على موافقة موسكو في سبيل تدعيمها وشرعنتها وليس لضمانها.
ورسم الباحث قحف السيناريو الأفضل المتاح أمام أنقرة لتحقيق أهدافها في شمالي سوريا، وقال “التفاهم الأمني مع الولايات المتحدة الأميركية، والتوافق السياسي مع الروس، وفرض خطة إدارية للمنطقة تلغي تسيد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وفعاليته الأمنية والعسكرية، عبر إعادة تعريف الصيغ الحاكمة على المستوى الإداري والأمني، وضمان أدوار واسعة للجيش الوطني والبشمركة السورية”. موضحا أن تحقيق السيناريو سيجري وفق سياسة الخطوة خطوة، فإذا تم إنجاز منبج فستكون جسرا لتفاهم أوسع”.
الجزيرة