بعد سنوات مضّنية من العمل قضاها في بيع التمور المحلية في دكانه الصغير الممتلئ بأنواع شتى منها، قرر علي إبراهيم (38 عاما) -بائع التمور في محافظة ذي قار- أخيرا الذهاب إلى إيران بنفسه كي يستورد التمور من هناك، بعد أن ارتفع الطلب عليها في السنوات القليلة الماضية، مقابل تراجع الإقبال على التمور العراقية.
يسعى إبراهيم -الذي يعمل في بيع التمور منذ أكثر من 15 عاما- إلى الانتقال من مرحلة البيع إلى استيرادها من الخارج وطرحها في الأسواق المحلية، لكثرة الطلب عليها وانخفاض أسعارها مقارنة بالتمور العراقية التي تشهد تراجعا ملحوظا منذ عدة سنوات رغم جودتها، بحسب ما يقول للجزيرة نت.
يكشف إبراهيم عن حجم خيبته مما آلت إليه أوضاع التمور في البلاد، بعد انتكاسة كبيرة في الإنتاج المحلي مقارنة بالتمور الإيرانية والسعودية التي غزت الأسواق منذ مدة ليست بالقليلة، ويشير إلى أنه قد يخسر مهنته التي اعتاد عليها إذا استمر في بيع التمر العراقي فقط.
ويؤكد إبراهيم أن التمور المستوردة لا تخضع لأية معايير أو فحوص بشأن جودتها ونوعيتها.
وتكاد الأسواق العراقية تغرق بهذه المنتجات التي تكون بشكل عام سيئة ولا تنافس المحلية رغم قلتها، لكن هناك جهات نافذة لها مصالح في تمرير البضائع الرديئة نحو العراق.
أسباب انتكاسة التمور
يعد الإهمال الحكومي وقلة الدعم والحروب وسوء التسويق، أبرز أسباب انهيار صناعة التمور العراقية وانتكاستها، يضاف إلى ذلك عدم قدرة الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور على تغليف هذه السلعة لتنافس المعروض في الأسواق من تمور دول الجوار، بحسب رصد خبراء ومختصين في الزراعة.
ومنذ نهاية الستينيات من القرن الماضي، كان العراق يصدر نحو 75% من تمور العالم، ويحتل المراتب الأولى، إلا أنه تراجع عن ذلك منذ عام 1980 بسبب الحروب وقلة المياه وانتشار الآفات الزراعية كحشرة الدوباس والحميرة التي تقتل الكثير من بساتين النخيل.
تجريف البساتين
يعبر أبو أحمد (57 عاما) -وهو فلاح يمتلك أراض واسعة مزروعة بالنخيل- عن خيبة الأمل التي أصابت بائعي التمور بسبب تفضيل المستورد رغم قلة جودته.
ويقول للجزيرة نت إنه اضطر لقطع الكثير من أشجار النخيل ليعدل أرضه حتى تكون جاهزة ليبيعها كقطع أراض للسكن.
ويلفت أبو أحمد إلى أنه لا يوجد دعم بشأن تلقيح البساتين كما كان يجري في سنوات سابقة، فالآن أصبح الفلاح هو من يتكفل بعلاج وتلقيح ومتابعة بساتينه وزراعتها، مقابل انشغال الدولة بالمواد الزراعية المستوردة التي تأتي من دول الجوار.
وليس أبو أحمد وحده، بل العشرات من المزارعين في محافظة ذي قار ممن مروا بظروف مماثلة، اضطروا إلى تجريف بساتينهم أو بيع أراضيهم لتتحول فيما بعد إلى أحياء سكنية.
وفي آخر إحصائية للنخيل في العراق عام 2017، فقد وصلت أعدادها إلى 15 مليون نخلة خلال السنوات العشر الأخيرة، فيما كانت حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي تبلغ أكثر من 33 مليون نخلة، بحسب بيان لوزارة الزراعة العراقية قبل سنتين.
نشاط خجول
ورغم ضعف الدعم الحكومي للزراعة بشكل عام في العراق، فإن قطاع صناعة وبيع التمور العراقية شهد خلال السنوات القليلة الماضية نشاطا ملحوظا خاصة في محافظة بابل وكربلاء، لكن هذه المعامل لا تخضع للمعايير الحكومية حتى الآن، وتنشط بعيدا عن الروتين والإجراءات في مؤسسات الدولة، بحسب ما يقول بائع التمر محمد موسى.
ويوضح موسى للجزيرة نت أن التمور المستوردة غزت أسواق البلاد، رغم كثرة التمور العراقية في الأسواق المحلية، ويشير إلى أن العميل في كثير من الأحيان يرغب في المنتج غير العراقي، لكن يبقى للتمور العراقية طعم ولذة خاصة، على حد قوله.
ولعل أبرز التمور العراقية التي لا تزال تستهوي العراقيين حتى الآن وتعطي نكهة خاصة للمائدة العراقية، هي: الشويثي والخستاوي والخضراوي والشكر والسلطان والأشرسي والجمالي.
لا خطط وزارية
لم تُعدّ وزارة الزراعة أي خطط لتسويق التمور العراقية منذ عدة سنوات، بسبب غياب المخصصات المالية لاستقبال المحصول الذي يتم على أساسه تحديد أسعار كل منتج، بحسب ما يقول فرج ناهي مساعد مدير زراعة ذي قار للجزيرة نت.
ويؤكد ناهي أن مساحات النخيل في محافظة ذي قار تبلغ نحو 45 ألف دونم، لكن هذه المساحة تراجعت بسبب قرب أغلبها من حدود المدينة، وتحول بعضها إلى بيوت، واضطرار الفلاحين لبيعها للسكن.
وتدهور النخيل ليس في ذي قار فحسب بل في أغلب المحافظات العراقية الجنوبية، حيث شهدت تراجعا واضحا في المساحات المزروعة، ليشكل عام 2003 نقطة تحول في الحياة الزراعية في العراق، بعد موجة تجريف هائلة مستمرة إلى اليوم.
المصدر : الجزيرة