هذا العام، يحلّ شهر رمضان على العراقيين مختلفاً عن مّا سبقه، فلا حرب ولا اشتباكات تنغّص عليهم احتفالهم به، بعد القضاء على تنظيم “داعش” وتحرير كل المدن العراقية منه. ويأملون بأجواء من الفرح في خلال هذا الشهر، وقد تهيّأوا له في داخل بيوتهم وفي الأزقة والشوارع وكذلك في الأسواق والمقاهي والمساجد.
أمّ سلام، ربّة منزل من سكان محافظة ديالى، انتهت من التحضير للشهر الكريم قبل حلوله بأيام. وهي عمدت إلى تنظيف منزلها بصورة كاملة لسببَين، الأوّل حلول رمضان والثاني حلول فصل الصيف. وتشرح لـ”العربي الجديد” أنّها براحة بال، “عمدت إلى تغيير أغطية الأسرّة وتبديل الصحون بأخرى جديدة وتعليق الزينة وشراء كل ما يلزم من مواد غذائية تناسب الإفطار والسحور”. وتؤكد أمّ سلام: “صرنا جاهزين لرمضان الذي يجمع العائلة حول مائدة واحدة، والذي يجعل المتخاصمين يتصالحون”، من دون أن تنسى الإشارة إلى أنّ “العراقيين من الشعوب التي تنوّع أطباقها على المائدة الرمضانية، ولعلّ أبرزها المحشيات من قبيل الدولمة والشيخ محشي. لكنّ هذه الأطباق دسمة ولا تُستهلك عادة في الأيام الأولى من الصيام. كذلك، ثمّة أنواع مختلفة من الحساء، منها شوربة العدس وشوربة الشوفان وشوربة الخضار، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الكبب مثل الكبة الموصلية والكبة الحلبية وكبة الجريش وكبة البرغل. ثمّ تأتي الحلويات، خصوصاً حلاوة التمر التي تُعَدّ جزءاً رئيسياً من الإفطار الرمضاني”.
من جهته، يؤكد ماجد هادي وهو مدرّس لـ”العربي الجديد” أنّ “في شهر رمضان نقوم بكلّ ما نفوّته في أيام السنة الأخرى، فنتواصل مع الأقارب ونتصالح بعضنا مع البعض الآخر في حال الخصام”. يضيف “في خلاله، تزداد مظاهر التماسك الأسري والتكافل الاجتماعي من خلال تبادل الزيارات بين الأقارب والجيران وتقديم المساعدات للمحتاجين والفقراء والنازحين. ثمّة تجار وأصحاب مخابز على سبيل المثال، يقدّمون مساعدات عينية مجاناً، في حين أنّ أطباء يعمدون إلى تخفيض أجورهم ومدرّسين إلى تخفيض بدلات الدروس الخصوصية أو حتى تقديمها من دون مقابل لعدد من التلاميذ انسجاماً مع تعاليم الدين الإسلامي الذي حثّ على التكافل بين الناس”.
على الرغم من أنّ الأحوال تبدّلت بعض الشيء في البلاد بعد الانتصار على “داعش”، غير أنّ العراقيين ما زالوا يشكون من أسعار السلع الأساسية والكماليات على حدّ سواء. أبو آمنة، تاجر مواد غذائية وألبان، يشير بحديث لـ”العربي الجديد” إلى أنّ “شهر رمضان يُعَدّ من الأشهر التي ترتفع فيها نسبة الأرباح لدى التجار وأصحاب المحال والأكشاك التي تتنوّع بضائعها”. يضيف أنّه “حتى لو لم تكن الأسعار مرتفعة، فالناس يخرجون عادة في خلال هذا الشهر بعد تناول الإفطار للتبضّع. كذلك، ثمّة عائلات تشتري أطعمة لم تكن تستهلكها في أيام السنة الأخرى، كنوع من مكافأة أو تشجيع لأبنائها”.
أمّا أبرز المظاهر الاحتفالية بشهر رمضان في العراق اليوم، فهي نفسها كما كانت في الأعوام السابقة، بحسب ما يقول غسان علي لـ”العربي الجديد”. يضيف أنّ “الألعاب التراثية الشعبية تنتشر في خلال هذا الشهر، من قبيل لعبة المحيبس التي تستهوي آلاف العراقيين من الشباب وحتى من كبار السنّ. ويلعبها العراقيون غالباً في الأحياء والمقاهي الشعبية، علماً أنّها تمتاز بتجمّع عدد كبير من اللاعبين الذين ينقسمون في فريقَين. وبحسب العادة، يقدّم الفريق الخاسر البقلاوة للفريق الفائز ولكلّ من كان يتفرّج على اللاعبين”. ويتابع علي الذي يعمل مدرّباً لكرة السلة، أنّ “ثمّة مظاهر كثيرة أخرى ترافق العراقيين الصائمين في خلال هذا شهر، منها تزيين المحال التجارية بالفوانيس أو تعليق الزينة الضوئية أو لافتات كُتب عليها: مرحباً يا رمضان أو أهلاً أهلاً يا رمضان. كذلك، تُقلّص دوامات العمل، لا سيّما بالنسبة إلى الذين يشتغلون في أعمال حرّة”.
العربي الجديد