تدخل إيران نهاية لعبة المفاوضات النووية بما يمكن وصفه بموقفين تفاوضيين: الأول المعايير التي اعتمدت في أبريل (نيسان) الماضي في لوزان بسويسرا عن طريق وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والثاني هو مجموعة أخرى من «الخطوط الحمراء» التي رسمها المرشد الأعلى آية الله خامنئي هذا الأسبوع.
ويعتبر الموقفان مختلفين كليا؛ فالنسخة الأولى تعطي أسسًا للاتفاق يمكن العمل عليها، بينما تبدو النسخة الثانية متصدعة بشكل خطير. فليست هذه المرة الأولى التي ترسل فيها دولة رسالة عامة وأخرى خاصة في شأن حساس، فقد سبق وأن حلّ الرئيس الراحل جون كينيدى أزمة الصواريخ الكوبية بهذا الأسلوب. إلا أن ذلك لا يبدو أمرا مريحا إن حدث قبل أسبوع واحد من الموعد المحدد.
يسافر وزير الخارجية جون كيري إلى فيينا لحضور الجولة الختامية للمباحثات، على افتراض أن الاتفاق النهائي سوف يكون هو نفس ما اتفق عليه مع ظريف على طاولة المفاوضات، وليس ما قيل في الخطاب الناري لخامنئي. الخبرة المسبقة في المفاوضات مع إيران تعطي سببا لذلك الأمل؛ فقد قدم الإيرانيون تنازلات لم يكونوا يتخيلونها حيث إن عملية التفاوض مع «الشيطان الأكبر» في حد ذاتها تظهر سماحة خامنئي.
قال مسؤول في الإدارة الأميركية «نحن وإيران ندرك مدى حاجتنا لإبرام صفقة» مضيفا: «يجب أن نطبق مقياس لوزان، وإلا فلن تكون هناك صفقة من الأساس. فكلنا ندرك ذلك وكل الأطراف على يقين من ذلك».
لم يتبق سوى أن نصوغ ذلك كتابة. الولايات المتحدة ليست متأكدة من اللغة التي سوف تستخدم في الاتفاق الذي سيصدق عليه البرلمان الإيراني. يمكن للإيرانيين إثارة نفس الجدل حول تصديق الكونغرس الأميركي، ولذلك سوف يستمر هذا الإجراء غير واضح لأسابيع حتى وإن اتفق الطرفان على صياغة «النَص».
ما لا تستطيع الولايات المتحدة فعله هو أن تتخطى الخطوط الحمراء لخامنئي، حيث إن تلك الخطوط تتناقض مع كثير من البنود الرئيسية التي توصلت لها المباحثات مؤقتا في الثاني من أبريل (نيسان) فيما يخص التفتيش على المنشآت العسكرية وتوقيت رفع العقوبات. فلن يكون هناك مردود لاتفاقية أفضل من ذلك الإطار الضعيف الذي طالب به خامنئي. فالغموض وحفظ ماء الوجه يعتبران جزءًا من أي مفاوضات ناجحة، فقد كانت المبارزة في الصياغة جزءًا من حل لوزان. فقد دعم ظريف علنا «تصريحا مشتركا» اتصف بالغموض في تفاصيله. وأصدر جون كيري تصريحا آخر اشتمل على معايير مفصلة قال المسؤولون الأميركيون إنها قد اتفق عليها من قبل، إلا أنه لم يوقع عليها. ويقول إن خامنئي نفسه قد أيدها. «فأنا لست مع أو ضد الإطار العام للاتفاقية» في أن «إيران لن تسمح بالدخول لعلمائها»، حسب تحذيره يوم الاثنين 20 مايو، ولن تستجيب لطلبات هيئة الطاقة الذرية ولا لمثل تلك «الطلبات العنترية». في خطاب آخر، حدد خامنئي معاييره، مشددًا: «تفتيش مواقعنا العسكرية ليس محل نقاش»، بينما أخبرني ظريف يوم 29 أبريل (نيسان) الماضي على المسرح في جامعة نيويورك أن عمليات التفتيش في «المنشآت السرية» جاءت أيضا كجزء من قبول إيران «للاتفاقية الإضافية» لهيئة الطاقة الذرية. ورفض خامنئي كذلك الإذعان لتحقق هيئة الطاقة الذرية من التزامات إيران، في تناقض واضح لإعلان ظريف في لوزان بأن العقوبات سوف ترفع بالتزامن مع تحقق هيئة الطاقة الذرية من التزام إيران بالتزاماتها النووية الأساسية.
هل كان خامنئي يلعب لعبة سياسية بأن يتحدث بخشونة في الوقت الذي يعتمد فيه ظريف التنازلات؟ هذا ما يتمناه بعض الخبراء الأميركيين. إلا أنه يتوجب عليهم قراءة الخط الصغير في نهاية تصريح خامنئي الذي يقول إن أي «دعاية» توحي بأن بعض الخطوط الحمراء (التي أعلنها المرشد الأعلى) قد تمت الموافقة خلال الاجتماعات الخاصة على تخطيها يعتبر خطأ وكذبا.
وفي معرض تعليق سابق له على الأزمة الإيرانية، أدلى وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر بتصريح قال فيه إنه يتوجب على إيران أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تصبح دولة أم قضية، عليها أن تختار إما أن تصبح جزءا من نظام عالمي تحكمه القوانين أم مارقا ثائرا. ومع اقتراب المفاوضات النووية من الذروة، بدت إيران وكأنها تتطلع إلى كلا الخيارين. فمحاولة إمساك العصا من المنتصف لن تنجح طويلا، وسوف تولد الشك بدلا من الثقة، فقد حان الآن وقت الوضوح لا الغموض.
فروسيا والصين وغيرهما من القوى العظمي أيدت الولايات المتحدة في مطالبتها لإيران بقبول حدود تضمن استخدام البرنامج النووي بشكل سلمي فقط. جاء تصريح خامنئي بمثابة تشويش لهذا الالتزام في الوقت الذي احتاج فيه الأمر للوضوح. ربما إن كان هذا آخر رهان وتكتيك إيراني، ولو صح ذلك فسوف يكون تكتيكا غبيا.
لكن دعنا نفترض أنه جاد فيما يقول، وإنه لا يريد اتفاقا يقيد إيران لعشر سنوات قادمة على الأقل، فإن صح ذلك فالإجابة الصحيحة هي: لا تعُد إلا عندما تكون جادا في إبرام صفقة جادة.
ديفيد اغناتيوس
صحيفة الشرق الأوسط