باستعادة منصب رئيس إقليم كردستان العراق، تكون أسرة البارزاني قد تخلّصت من آخر تبعات استفتاء الاستقلال الذي أفقدها توازنها بشكل ظرفي وهدّد مكانتها التاريخية، لكنّ الثمن المباشر للمنصب هو إثارة المزيد من الخلافات وإذكاء الصراعات على السلطة مع المنافسين التقليديين، ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني وقادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
أربيل (العراق) – انتخب برلمان إقليم كردستان العراق، الثلاثاء، نيجيرفان البارزاني رئيسا للإقليم، مستكملا بذلك مسار استعادة أسرة آل البارزاني لتوازنها بعد الهزّة التي شهدتها بسبب تداعيات استفتاء الاستقلال الذي حرص الرئيس السابق مسعود البارزاني على تنظيمه في خريف سنة 2017 واضطر على إثره، وتحت ضغوط عراقية تركية إيرانية شديدة، إلى التنحي عن الرئاسة وتفويض صلاحياته للحكومة والبرلمان ومجلس القضاء.
وجاء انتخاب نيجيرفان انعكاسا لميزان القوى في الإقليم والراجح لفائدة أسرة البارزاني وللحزب الديمقراطي الكردستاني، على حساب ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني وحزب الاتحاد الوطني الكردساني الذي يتخذ من محافظة السليمانية مركزا له، وأيضا على حساب حركات معارضة ناشئة لم تستطع الحفاظ على زخم القوّة الذي اكتسبته لفترة محدودة على غرار حركة التغيير، وحراك الجيل الجديد.
وخلال الجلسة البرلمانية التي عقدت في أربيل صوّت 68 نائبا من أصل 111، هم مجموع أعضاء برلمان الإقليم، لصالح نيجيرفان ابن أخ وصهر مسعود، والبالغ من العمر اثنين وخمسين عاما.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اختيار رئيس إقليم كردستان العراق عبر التصويت في البرلمان الذي أقرّ مؤخرا تعديلات على آلية اختيار الرئيس بانتظار إقرار دستور للإقليم.
وحضر جلسة التصويت 81 نائبا بعد أن قاطعها نواب أبرزهم أعضاء حزب الاتحاد الوطني، وعددهم 21 نائبا، وذلك بسبب خلافات حادّة على توزيع الحصص والمناصب بين حزبي الطالباني والبارزاني، ليس فقط في إقليم كردستان ولكن أيضا في الحكومة المركزية العراقية التي يشارك فيها الأكراد باعتبارهم جزءا من الدولة الاتحادية العراقية.
ونيجيرفان البارزاني هو حفيد الزعيم الكردي التاريخي مصطفى البارزاني وابن إدريس البارزاني أحد أبرز زعماء الحزب الديمقراطي الكردستاني.
ويعتبر الصراع على السلطة بين حزبي وأسرتي البارزاني والطالباني من أكبر نقاط الضعف في إقليم كردستان العراق الذي يدار بطريقة تحمل مختلف أمراض العملية السياسية العراقية، من محاصصة وفساد وتزييف للانتخابات.
وبالإضافة إلى منصب رئيس الإقليم ستحصل أسرة البارزاني على منصب رئيس الحكومة ممثلة بمسرور البارزاني نجل الرئيس السابق والذي يشغل حاليا منصب مستشار مجلس أمن الإقليم.
ويريد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني تقاسم المناصب المهمة في الإقليم.
وقال لطيف شيخ عمر المتحدث باسم حزب الاتحاد الوطني “يجب ألا ينحي الحزب الديمقراطي الكردستاني الأحزاب السياسية الأخرى جانبا أو يهمشها ويصر على اتخاذ قرارات أحادية”.
وجاء حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في المركز الثاني في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العام الماضي وحصل على 21 مقعدا، فيما حصل غريمه الحزب الديمقراطي على 45 مقعدا، الأمر الذي ضمن له وضعا مريحا في عملية الصراع على المناصب المهمّة.
وبرّر الاتحاد الوطني عدم مشاركته في جلسة انتخاب رئيس الإقليم بعدم إيفاء الحزب الديمقراطي بما قال إنّه اتفاقات لترتيب عدة أوضاع تشمل العلاقة مع حكومة بغداد المركزية، لاسيما قضية محافظة كركوك التي يطالب الاتحاد بمنصب المحافظ فيها.
وورد في بيان صادر عن المتحدث باسم المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني لطيف شيخ عمر القول “كما هو معلوم وبعد حوارات طويلة وانتظار طويل من قبل المواطنين واتّباع جميع الطرق من أجل الوصول إلى اتفاق شامل على آلية العمل وصياغة رؤية مشتركة حول الملفات الداخلية والخارجية، وقّعنا اتفاقين مع الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ اتفاق لترسيخ أسس العمل المشترك ومعالجة المشاكل المتراكمة التي لها علاقة بالعراق وعلاقات إقليم كردستان، والثاني حول آلية توزيع مفاصل الحكم وتوفير نوع من التوازن في السلطات المختلفة. وكل هذا من أجل مشاركة حقيقية للاتحاد الوطني والأطراف السياسية في إدارة إقليم كردستان”.
وأضاف البيان ذاته “وضعنا كركوك كمحور لمعالجة قسم من المشاكل الموجودة في المناطق المستقطعة، وكنا نقصد انتخاب محافظ كردي من الاتحاد الوطني الكردستاني بالتنسيق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني عن طريق مجلس المحافظة وأن نتمكن على الأقل من اعتراض الهجمات وحملات التعريب التي تواجه المناطق المستقطعة ومنع تنفيذ السياسات الشوفينية لبعض الأطراف العراقية”.
وتابع البيان “من هذا المنطلق نعلم الرأي العام في كردستان، أن نتائج سياسات التهميش والتفرد لن تكون جيدة”، معتبرا أن “انتخاب رئيس الإقليم دون أصوات كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني، سيضع ملف القرار والشرعية في إقليم كردستان أمام أوضاع جديدة، كما سيضع ملف تشكيل حكومة الإقليم أمام احتمالات جديدة”.
ورغم الخلافات التي فجّرتها عملية انتخاب رئيس لكردستان العراق، إلاّ أن الخطوة تظلّ مهمة للحفاظ على استقرار الإقليم وتماسك السلطة فيه، باعتباره الكيان الكردي الوحيد الذي نجح في تجاوز الاعتراضات الإقليمية الشديدة، وتحديدا من قبل تركيا وإيران، على إنشاء كيان لأكراد المنطقة مخافة تدرّجه نحو المطالبة بدولة مستقلة وهو ما حدث فعلا في استفتاء سنة 2017 الذي تعاونت أنقرة وطهران على إحباطه.
ويحظى إقليم كردستان العراق بعلاقات دولية مهمّة على رأسها العلاقة مع الولايات المتحدة التي تعتبر صاحبة الدور الأول في دفعه نحو الوضع الشبيه بالاستقلال الذاتي الذي هو عليه حاليا. وتزداد أهمية الإقليم مع تصاعد صراع النفوذ في المنطقة لاسيما بين إيران والولايات المتحدة التي تتّخذ منه مقرّا لعدد من قواتها.
العرب