عكس الاتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وائتلاف الحرية والتغيير نجاحا للواقعية السياسية التي اعتمدها الطرفان، فضلا عن نجاح الضغوط الأفريقية والدولية في الدفع نحو اختصار الوقت والتركيز على عناصر الخلاف الأساسية وحلها.
ويأتي هذا الاتفاق كتتويج لأدوار سودانية وإقليمية ودولية داعمة للثورة ومرافقة لها. كما يقطع الطريق على أي تراجع قد يفتح الباب أمام تسلل المنظومة القديمة.
وينتظر السودانيون تسمية أعضاء المجلس السيادي الـ11 من قبل المجلس العسكري الانتقالي وتحالف الحرية والتغيير، وتشكيل الحكومة المدنية من جانب الأخير فقط، لتطمئنّ قلوبهم إلى عبور الأزمة والانصراف إلى تسيير حياتهم بصورة طبيعية.
وفرضت الواقعية السياسية نفسها في السودان على المفاوضات بين الطرفين، ودفعتهما إلى التعامل بمرونة مع المبادرة الأفريقية-الإثيوبية المشتركة، بما أدى إلى تجاوز عقدة رئاسة المجلس السيادي، في جولة حاسمة اختتمت في ساعة مبكرة من صباح الجمعة.
وأشار الاتفاق إلى أن الفترة الانتقالية تستمر ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، على أن تكون رئاسة الـ21 شهرا الأولى من نصيب المجلس العسكري، والـ18 شهرا التي تعقبها للحرية والتغيير، وتشكيل مجلس وزراء من الكفاءات الوطنية، وتأجيل تشكيل المجلس التشريعي لمدة تتراوح بين 45 و90 يوما.
ويتكون المجلس السيادي من 5 عسكريين و5 مدنيين بالإضافة إلى عضو مدني يتوافق عليه الطرفان ليصبح المجموع 11 عضوا، بدلا من 15 عضوا، حسب المقترح السابق للمبادرة المشتركة.
وعلمت “العرب” من مصادر سودانية أن رأس المجلس السيادي سيكون “مدنيا ذا خلفية عسكرية، ويتم البدء في إصدار قرارات تعيين أعضاء المجلس أولا ثم الحكومة المدنية”.
وأكدت المصادر أنه تم التفاهم على تشكيل لجنة فنية من قانونيين بمشاركة أفريقية تنهي أعمالها خلال 48 ساعة، ابتداء من صباح السبت، ليتسنى توقيع الاتفاق النهائي خلال أسبوع، وضمان عدم التنصل من بنوده، وتتواصل الاجتماعات لحل المشكلات الخلافية الأخرى.
ويحتاج الاتفاق إلى صياغات قانونية تبلور ما تم الإعلان عنه من نقاط، ويعد التوافق على تلك الصياغات العامل الأهم خلال الفترة المقبلة.
وقال منتصر الطيب، رئيس مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم للانتقال السلمي للسلطة، وعضو تحالف الحرية والتغيير، إن الاتفاق “أخرج السودان من عنق زجاجة، وكانت البلاد على وشك الذهاب إلى حافة الحرب الأهلية، وفتح الباب أمام تشكيل حكومة كفاءات مدنية لبدء التعامل مع الأزمات المعيشية المتفاقمة، بعد 6 أشهر من الشلل التام في جميع الخدمات”.
وأوضح الطيب لـ”العرب”، وهو أحد الأسماء المرشحة لتولي رئاسة الحكومة، أن السودان استفاد من التجارب الداخلية في دول متعددة شهدت عثرات سياسية سمحت بالانقلاب على السلطة واستخدام السلاح، وساعد وجود برنامج مسبق متفق عليه من قبل المعارضة والمجلس العسكري في سرعة التوصل إلى الاتفاق الأخير.
ولفت المحلل السياسي السوداني خالد التيجاني في تصريح لـ”العرب”، إلى أن المكسب الكبير يتعلق بوقف إراقة الدماء، وإدراك أن الحوار وحده قادر على إنهاء الخلافات بين الفرقاء الوطنيين، وعدم الرجوع إلى نقطة الصفر ما يعطي إشارات إيجابية بشأن المستقبل.
وارتفعت مصداقية الطرفين السودانيين والقائمين على الوساطة الأفريقية في الشارع السوداني، حيث تم نزع فتيل أزمة كاد التباين حول آليات تسويتها يعصف بالأمن والاستقرار.
واستقبل الشارع السوداني وقوى حزبية وحركية الاتفاق بالترحيب، واعتبروه طاقة أمل جديدة لتجاوز الخلافات التي تعمقت بعد توقف الحوارات المباشرة بسبب عملية فض الاعتصام في 3 يونيو الماضي ووقوع العشرات من الضحايا بين المواطنين.
وساهمت ضغوط إقليمية ودولية عدة في الدفع نحو اتفاق يؤدي إلى تهدئة الشارع، بعد أن ظل سقف توقعاته للثورة الشعبية منحصرا في عودة الجيش إلى ثكناته وترك السلطة السياسية تماما للمدنيين، بما قاد إلى انسداد سياسي أفضى إلى تباعد المسافات بين الطرفين.
ودعا تجمع المهنيين السودانيين، الجمعة، إلى التماسك من أجل “حراسة الثورة وضمان تحقيق أهدافها”، في إشارة ترمي إلى أن هناك أشواطا أخرى صعبة ومعلقة لوضع الاتفاق النظري عمليا على الأرض، وما يتطلبه ذلك من جهود تؤدي إلى التوصل إلى اتفاق كامل.
إقرأ أيضاً:
هل يكتب السودان قصة نجاح أفريقي جديد
وحرص الاتفاق على الإشارة إلى مشاركة قوى مختلفة لم تتورط في أعمال فساد، ما يعني عدم استبعاد وجود أعضاء في حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، وغيره من الأحزاب الإسلامية التي لم تقدم على القيام بتصرفات سياسية مخلة.
وقال نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي) “نودّ أن نطمئن كل القوى السياسية والحركات المسلحة بأن الاتفاق سيكون شاملا لا يقصي أحدا ويستوعب كل طموحات الشعب السوداني بثورته”، متوجها بالشكر إلى المبعوثين الأفريقي والإثيوبي والسعودية والإمارات لدورهم الكبير في تقريب وجهات النظر.
لكن مراقبين حذروا من أن تكون هذه المرونة مدخلا تتسلل منه مجموعات محسوبة تاريخيا على النظام السابق وكانت أداة فعالة في تثبيت انقلاب 1979 لثلاثين عاما، مشيرين إلى قدرة تلك المجموعات على التلون وتغيير ولاءاتها وإدانة ماضيها.
وأعلن المراقب العام للإخوان المسلمين بالسودان، عوض الله حسن، الجمعة، تأييده لأي اتفاق يحفظ البلاد.
كما أعلن حزب المؤتمر الشعبي (حزب مهندس انقلاب 1979 حسن الترابي)، الجمعة، تأييده للاتفاق السياسي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، لأنه “سيخرج البلاد من أزماتها”.
وقال القيادي بالحزب أبوبكر عبدالرازق للأناضول، إن “الاتفاق جيد، خاصة أن اختيار الشخصيات من الكفاءات والخبرات لمجلس الوزراء، سيكون بإجماع كافة القوى السياسية”.
وأضاف “الاتفاق لم يُقص أحدا، ونحن راضون تماما”.
وحث المراقبون على تشريك أكثر ما يمكن من القوى السياسية والعسكرية المتضررة من حكم عمر حسن البشير، في توقيع هذا الاتفاق التاريخي، واعتماد المرونة اللازمة في تمكين مجموعات من تحقيق مطالبها، محذرين من تحويل الاتفاق إلى عنوان فضفاض يتم من خلال حصر المستفيدين في فريقين اثنين قد يعيد السودان إلى المربع الأول، أي استمرار الحرب الأهلية على أكثر من جهة.
وقال رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، الجمعة، إن الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير “لا يعبر عن قضايا الوطن، ولا يقدر تضحياته”، مشددا على أن “أي اتفاق لم يؤسس على أرضية السلام يعتبر امتدادا للإنقاذ (النظام السابق)”.
ودعا مناوي إلى الوصول إلى “اتفاق ينهي الحرب ويزيل آثارها من خلال عودة اللاجئين والنازحين”.
كما أعلنت حركة تحرير السودان، جناح عبدالواحد نور، رفضها أيضا للاتفاق السياسي.
العرب