بعد فشل محاولة افتعال تظاهرات مضادة للحراك الاحتجاجي التلقائي في العراق، تجرّب الأطراف الممسكة بزمام السلطة في البلاد من أحزاب دينية وميليشيات شيعية ابتكار أساليب أخرى لتشويه الحراك السلمي وجرّه إلى مربّع العنف حيث تمتلك تلك الأطراف إمكانية الإجهاز عليه باستخدام العنف نظرا لما بين يديها من سلاح أثبتت في الماضي استعدادها لتوجيهه إلى صدر كل من يشكل تهديدا لمصالح قادتها.
بغداد – دفع فشل جميع محاولات وقف الحراك الاحتجاجي العارم في العراق الأحزاب الدينية والميليشيات الشيعية المتشاركة في حكم البلاد، إلى توجيه جهودها إلى محاولة اختراق الحراك من الداخل وجرّه إلى مربّع العنف لتشويهه وإيجاد مبرّر لإخماده بقوّة السلاح.
واهتزّت العاصمة العراقية بغداد، الخميس، على وقع عملية تعليق جثّة شابّ يافع على عمود كهربائي، واُتّهم متظاهرون بالقبض عليه في ساحة الوثبة وقتله بعد أن بادر لفتح النار من رشاش على جموع المحتجّين بالساحة ما أدى إلى قتل عدد منهم، ليتبّين لاحقا أنّ ميليشيا سرايا الخراساني، إحدى أشرس الميليشيات الشيعية وأكثرها تطرّفا وتبعية لإيران، هي من زجّت بالشاب القتيل في الساحة ودفعته لمهاجمة المتظاهرين، وأنّ الشرطة هي من قتلت الشاب نفسه وسلّمت جثّته لمجموعة مجهولة لتعليقها على العمود.
واستغل رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي الحادثة لدعوة القوات الأمنية إلى حمل السلاح “وإعادة هيبة الدولة”، تحت عنوان حماية ساحات التظاهر.
وقال في بيان إنّ “حادث الوثبة الإجرامي أكد رؤيتنا التي تحدثنا بها كثيرا عن وجود مجموعات منظمة تمارس القتل والترويع وتعطيل الدولة تحت غطاء التظاهر”.
وتبرّأ المحتجون من العملية التي وصفوها بالقذرة، مؤكّدين في بيان أنّها مدبّرة بشكل مسبق “وتم الاتفاق عليها لتشويه صورة التظاهرات السلمية التي واجهت الرصاص الحي والقتل والقمع من قبل الميليشيات الإجرامية والقوات الحكومية على مدار شهرين ونصف الشهر”.
ومن جهته حذّر مصدر من داخل موقع الاعتصام الرئيسي في ساحة التحرير ببغداد من تكرار مثل تلك العمليات المدبّرة خلال الأيام القادمة، مؤكّدا أنّ عملية الوثبة سبقها رصد الكثير من التحرّكات لعناصر منتمية للميليشيات بين صفوف المحتجّين ومحاولتها افتعال الخصومات والمشاكل والتحرش بالفتيات والنساء المشاركات في الاحتجاجات وسرقة الأغراض الخاصّة، بهدف تشويه التظاهرات والاعتصامات وتخويف الأهالي من أنّ ممارسات لا أخلاقية تجري خلالها.
ويطالب العراقيون منذ أكثر من شهرين بإسقاط النظام وتغيير الطبقة السياسية التي تسيطر على مقدرات البلاد ويتهمونها بالفساد والتبعية لإيران.
انضباط المتظاهرين ووعيهم قادا إلى تجنّب الانفعال جرّاء المجازر التي ترتكب في حقّهم وعدم الانسياق في دوامة العنف
وأصبحت الاحتجاجات بمثابة معضلة للأحزاب والميليشيات الحاكمة بعد أن فشلت كل المحاولات في إنهائها عبر مختلف الوسائل بما في ذلك استقالة رئيس الحكومة وإقالة بعض العناصر الأمنية المتهمة بقتل المحتجّين وتوقيف عدد من المسؤولين الفاسدين وإصدار أحكام قضائية على البعض منهم.
ولم تستثن الحكومة والميليشيات خيار العنف الشديد لوقف الحراك الاحتجاجي حيث قارب عدد القتلى الـ500 بينما تجاوز عدد الجرحى العشرين ألفا.
وأدى التأطير الجيد للمتظاهرين وارتفاع درجة الوعي لديهم إلى تجنّب الانفعال جرّاء المجازر التي ترتكب في حقّهم والانسياق في دوامة العنف التي تدفع الميليشيات باتجاهها، وتمتلك الأفضلية في حسمها نظرا لامتلاكها السلاح والعناصر المدرّبة على القتال والمعبّأة أيديولوجيا وطائفيا والمستعدة لتطبيق أوامر قادتها مهما كانت دموية ومتطرّفة.
وتروى الكثير من القصص عن تطرّف الميليشيات وعصبيتها إزاء الحراك الاحتجاجي الذي يأبى التراجع رغم كل العنف الذي واجهه المحتجّون.
ويروي أحد المتظاهرين أن عنصرا من ميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي كُلّف باغتيال ابن عمّه المشارك في الاحتجاجات ببغداد، وقد حاول ذلك بالفعل وأطلق النار عليه وهو في الطريق إلى منزل أسرته لكن الطلقة لم تسبب له سوى جرح في ساقه،
حيث تمّ إسعافه وإيواؤه بمنزل أحد أصدقائه مخافة التعرّض للقتل على يد ابن عمّه.
وتوقّع متابعون لسير الأحداث في العراق أن يتجاوز المحتجّون بحسن تنظيمهم أحداث ساحة الوثبة وأن يثبتوا براءتهم من قتل الشاب وصلبه على العمود الكهربائي وإقناع الرأي العام بسلمية حراكهم، رغم مسارعة الأطراف المناوئة للحراك باستخدام تلك الأحداث لتشويهه.
وقال الإعلامي عمر المنصوري إن الساعات المقبلة ستحمل رسالة تطمينية من قبل المتظاهرين في ساحة التحرير مفادها “حرصهم على ديمومة المظاهرات بسلميتها المعهودة”.
ونقلت عنه شبكة رووداو الإخبارية قوله “إن حادثة ساحة الوثبة أمر غير مسبوق منذ بداية المظاهرات والتي حافظت على سلميتها طوال الأشهر الماضية، حتى مع عمليات الحرق والتخريب التي طالت بعض المؤسسات والتي لم تحمل مطلقا بصمات المتظاهرين السلميين”، مضيفا أنّه “بالرغم من الحصيلة الكبيرة للضحايا الذين سقطوا في الاحتجاجات لم تحاول الحكومة العراقية الاعتراف بأي شرعية للمتظاهرين من خلال حمايتهم والدفع نحو عدم تأزيم الأوضاع، ولذلك تتحمل الحكومة والبرلمان مسؤولية تدهور الأوضاع الجارية حاليا”.
وجرّبت الميليشيات عدّة وسائل لوقف الاحتجاجات من بينها تنظيم احتجاجات مضادّة ومفتعلة.
العرب