الباحثة شذى خليل*
توقع خبراء الاقتصاد أن عام 2020 سيكون من أصعب الأعوام على العراقيين اقتصادياً، وهذه نتيجة لسوء الأداء السياسي للحكومة، وانتشار الفساد الكبير في جميع مفاصل الدولة، والذي يتسبب بهدر معظم واردات البلد وذهابها الى جيوب الفاسدين، وتهريبها لخارج البلد، في ظل غياب المحاسبة القانونية.
موازنة العراق لعام 2020 والتي لاتزال قيد التداول في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العراق، احتجاجات في الشارع العراقي، ونشاط الأحزاب والميليشيات، فوضى عارمة لم تتضح الصورة بعد لرسم ملامح الحكومة الجديدة، والى الآن لم يتم تقديم مسودة الموازنة الى البرلمان، ونحن على بعد أيامٍ فقط من بداية العام 2020، ما ينذر بكارثةٍ اقتصادية وشيكة على العراق.
تشير الأرقام الأولية للموازنة بأن حجمها سيكون حوالي 150 تريليون دينار تقريباً، وهو رقمٌ كبيرٌ بل وأكبر من كل أرقام الموازنات الماضية، ولكن الدلائل تشير الى أنها ستكون أسوأها على الاطلاق، وأول المشاكل وأخطرها هو حجم العجز الكبير فيها…
وهنا شرح تفصيلي لموازنة العراق 2020م:
إذا كان العراق يحصل الآن على عائدات نفطيّة سنويّة مقدارها 72 مليار دولار (بصادرات نفطية قدرها 4 مليون برميل يوميًا، وبسعر 50 دولارًا للبرميل)، فإنّ النفقات الرئيسة الحاكمة في الموازنة العامة للدولة، والتي لا تحتاج إلى أيّ تشكيك هي كما يلي:
40 مليار دولار رواتب.
25 مليار دولار لقطاع النفط والغاز وتكاليف جولات التراخيص.
20 مليار دولار لتسديد دفعات الديون والتعويضات، بمجموع 100 مليار دولار، أي بعجز مقداره 28 مليار دولار في الإيرادات مقارنةً (فقط) بهذه النفقات”.
وإذا قمنا بإضافة الإيرادات غير النفطية (التي تقدّر بـ 10 مليارات دولار في أفضل الأحوال)، سيكون صافي العجز 18 مليار دولار”، في حين “إذا كانت كلّ إيراداتنا النفطية، لا تغطّي هذه النفقات (وهي في الغالب لا تغطّيها، حيثُ تُعاني الموازنة العامة المُتعاقِبة من عجز “ثابت” لا يقلّ عن 25 مليار دولار سنويّاً، وتحتاج الى مصادر أخرى للتمويلٍ) .
فماذا عن بقيّة النفقات المتمثلة بنفقات الموازنة الاستثمارية، وعن مستلزمات النهوض بالبنى التحتيّة المدمرة، وعن تكاليف المشاريع المُتوقفّة والمُتلكّئة، وعن نفقات التنمية والاستثمار في بلدٍ يُعاني غالبية سكانه من البطالة والفقر، وتُعاني كُلّ مُدُنهِ وأقضيتهِ ونواحيهِ وقُراه من الخراب المستدام، لا مدارس، لا إعمار، لا صحة، لا بنى تحتية، بل ماذا عن الإنفاق على بقيّة بنود الموازنة التشغيلية الأخرى (السلعيّة والخدميّة)، والتي لا تقلّ عن 20 مليار دولار؟.
موازنة 2020 تضمنت فقرات جديدة أدت الى زيادة النفقات بشكل كبير بسبب الضغط الجماهيري الكبير والتظاهرات التي عمّت أرجاء البلاد والتي تطالب بالإصلاح وتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات المعدومة، حيث تم إضافة تخصيصات مالية للتعيينات الجديدة، وإعادة المفصولين، وتخصيص مبالغ جديدة لتحسين الخدمات المختلفة، وكذلك تم تقليل الكثير من الرسوم والضرائب في محاولة من الحكومة لامتصاص الغضب الجماهيري.
أما بالنسبة الى تعظيم الموارد للموازنة، وهذا شبه مستحيل، لأن موازنتنا تعتمد بشكل رئيسي على واردات النفط بنسبة تبلغ أكثر من 93%، وحجم صادرات النفط تم تحديده في الموازنة بحوالي ثلاثة ملايين وثمانمئة برميل يومياً، وبسعر حوالي 52 دولارا للبرميل، ومن ضمنها حصة الإقليم البالغة 250 ألف برميل يومياً والتي لا توجد ضمانة حقيقية بتسليمها من قبل حكومة الاقليم.
ناهيك عن أن العراق سيقوم بتخفيض انتاجه من النفط بحوالي 189 ألف برميل يومياً، وحسب اتفاق منظمة أوبك، واعتباراً من الأول من كانون الثاني من العام الجديد، واذا أخذنا عامل آخر، وهو التوقعات بانخفاض أسعار النفط العالمية بسبب الركود الاقتصادي العالمي المتوقع، نتيجة الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين، والتوتر الكبير بين أمريكا وإيران، فستكون مهمة الحكومة في تعظيم موارد الموازنة شبه مستحيلة.
أما حجم الديون الخارجية والداخلية والتي بلغت حوالي 130 مليار دولار، يضاف إليها الفوائد الكبيرة التي تتزايد باستمرار على هذه الديون، ولقد تم تخصيص حوالي 20 تريليون دينار من الموازنة لتسديد هذه الديون.
إن الحكومة تقف شبه عاجزة عن معالجة هذه المشاكل الكبيرة في الموازنة، وستقوم مضطرة لمعالجة العجز الكبير فيها الى اتخاذ اجراءات منها، اللجوء الى القروض الموجودة أصلاً في الموازنة، والى السيولة المالية الموجودة في وزارة المالية، والمتبقي من العجز سيكون كبيراً حتماً وسيبقى الى نهاية العام.
خصوصا وسط أوضاع اقتصادية وسياسية صعبة، ومعاناة يعيشها الشعب العراقي بسبب النقص الواضح في القطاعات الأساسية، على الرغم من الثروة النفطية الضخمة.
هذا الوضع أثر سلباً وبشكل كبير على الوضع الاقتصادي القائم، إذ كما نعلم ان العمليات الاقتصادية تعمل بشكل أفضل بتوافر الاستقرار في البيئة الاقتصادية، وبغياب هذا الوضع سوف يتحمل المتعاملون (البائعون او المشترون) تكاليف اعلى نتيجة المخاطر القائمة ويزداد الامر سوءاً.
جميع البلدان والدول النفطيّة الأخرى، التي لديها منظمة اقتصادية جيدة، وتعمل على تنمية الاستثمارات، وتخطط للعيش الكريم للمواطن وللأجيال القادمة، فإن النفط لا يشكّل أكثر من 35% من ناتجها المحلّي الإجمالي، و 40% من إيرادات الموازنة العامة للدولة، اما العراق (يشكّل النفط لديه 65 % من الناتج المحلّي الإجمالي، و 95% من ايرادات الموازنة العامة للدولة).
البنك الدولي في تقريره وضح استمرار النمو الاقتصادي في العراق عام 2020، حيث يبلغ ذروته عند 5.1% قبل أن يتراجع إلى 2.7% عام 2021، لكنه حذر الحكومة العراقية من هدر في الانفاق، في وقت تتوقع الموازنة العامة زيادة بنسبة 27% في الإنفاق على أساس سنوي، بسبب الزيادات الكبيرة في فاتورة أجور القطاع العام، والتحويلات والسلع والخدمات والمخصصات لحكومة إقليم كردستان.
ويلاحظ البنك أن عجز الموازنة الآخذ في الاتساع، ينطوي على موارد محدودة أكثر، تكرّس لجهود إعادة الإعمار ولتخفيف أي انخفاض محتمل في أسعار النفط.
ويجب على الحكومة العراقية القادمة أن تعمل على وضع خطة لتنمية إيرادات النفط في الاستثمار الصناعي والزراعي، والخروج من قيود الدولة الريعية لبناء دولة حديثة قوية، يعيش أهلها برخاء اقتصادي يتناسب مع ثرواتهم (المهدورة) والمسروقة.
وخلاصة القول، على الحكومة العراقية اللجوء إلى عدة إجراءات لتفادي هذه الإشكالات، ومن أهمها:
كما ينبغي على الحكومة ان تقوم بتوفير فرص عمل في القطاعات الاقتصادية المهمة في الاقتصاد، سواء بالقطاع العام او الخاص، والتأكيد على تطوير القطاعات الاقتصادية الاخرى غير الاستخراجية، ولاسيما تطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة للنهوض بالقطاع المحلي.
استخدام مبدأ العدالة في توزيع الثروات النفطية لأبناء الشعب وليس وفق المصالح الحزبية والاتفاقات السياسية.
تحقيق العدل لجميع العراقيين بنفس الحقوق من حيث الاستحقاقات المالية لاسيما الضرائب والرسوم وأجور الماء والكهرباء.
والأهم يجب تأمين المنافذ الحدودية ولاسيما موانئ التصدير النفطية في الجنوب كونها تمثل عصب الاقتصادي الوحيد بما تمثل 99% من إيرادات الدولة العراقية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية