الشرق الأوسط ومرحلة تاريخية جديدة

الشرق الأوسط ومرحلة تاريخية جديدة

10-07-14-248775052

تمرّ منطقة الشرق الأوسط بمرحلة تاريخية جديدة، فبعد مآسي ما كان يعرف بالربيع العربي وضياع بعض الدول العربية إما لمصلحة العدو الإقليمي إيران وإما بسبب الدخول في مرحلة «استقرار الفوضى» والدول شبه الفاشلة، وصولاً إلى توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية الخمس زائد واحد بما يفضي إليه من رفعٍ للعقوبات عن إيران وتقوية اقتصادها وإطلاق يدها تعيث فسادًا في المنطقة..
هذه المرحلة دون شكٍ تحتاج لتفكير عميقٍ ورؤى مبدعة في تحديد المشكلات ومواجهتها وإدارة الصراعات وإعادة التوازن في بناء التحالفات، مع كل ما تقتضيه المرحلة من تطويراتٍ وتجديداتٍ ومراجعاتٍ، وبالذات في الدول العربية المستقرة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي اليوم.
فمواجهة المشكلات الداخلية تستوجب التخلي عن الكثير من الرؤى السابقة ومشاريعها وبناء رؤى جديدة تتمتع بالمشروعية والقدرة على البناء وخدمة الوطن، وتوحيد الجبهة الداخلية، وبناء ورش تطوير متكاملة للأداء الحكومي ودراسة الملفات الملحة مثل ملف الإرهاب والتعامل الأمثل لمواجهة «تنظيم داعش»، مع كل ما يستلزمه ذلك من تغيير وتطوير في سبل المواجهة والخطاب الإعلامي والمنظومة الفكرية للمواجهة، بما يتضمن تطوير خطابٍ ديني خالٍ من أي تشددٍ من أي نوعٍ، وهو معركة يجب أن تخاض وكل تأخير في خوضها يزيدها تعقيدًا.
يجب أن يتمّ تطوير التعليم ومناهجه على أعلى المعايير العالمية وتنقية تلك المناهج من أي تسللٍ لخطابات ومفاهيم الإرهاب والتشدد، ويجب أن تطور وزارة الشؤون الإسلامية عملها وخطاب دعاتها وأن تكون لديها القدرة على متابعة المتشددين وغير الملتزمين بتوجيهاتها من موظفيها وأن تبني خطة تطويرٍ شاملة تراعي أولويات الدولة وحاجات الشعب والتضييق على التشدد والتطرف وخطاباتهما ورموزهما وأتباعهما، وأن يتم خلق آليات جديدة للإدارة والرقابة وضمان الالتزام الكامل من منسوبي الوزارة.
معركة الخلاص من التشدد وخطاباته ليست معركة سهلة بأي حالٍ من الأحوال ولكنها معركة يجب أن تخاض، وأن تأخذ مداها الزمني الذي تستحقه، فالتشدد الذي مضى عليه قرون أو عقود لا يمكن القضاء عليه إلا بخطة زمنية طويلة تأخذ سنواتٍ وسنواتٍ ومسيرة الألف ميلٍ تبدأ بخطوة، ولكن الأهم هو وضوح الرؤية وجلاء الهدف والغاية.
الإرهاب الأصولي والإرهاب الطائفي يجب مواجهتهما ضمن خطة شاملة في بناء خطاباتٍ دينية جديدة وتشريعاتٍ تطلقها الدولة مع تنفيذٍ حاسم وسريعٍ للأحكام، ووأد الفتنة الناتجة عنهما واجب على الدولة ومؤسساتها وعلى الشعب بكل فئاته.
أما في الصراعات الإقليمية الكبرى فلا يجب الاكتفاء بالتخطيط لمواجهة الأعداء الكاشحين مثل إيران بل مواجهة أي مشاريع إقليمية ضارة بمصالح الدولة والعرب مثل المشروع المتطرف الذي تتبناه تركيا في المنطقة عبر التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية سعوديًا والتساهل مع «تنظيم داعش» الإرهابي، وكذلك أي اضطرابات تحدث في العلاقات مع دول المنطقة في الكثير من المقبل من المشكلات المتجددة التي يتوقع حدوثها.
وإدارة الصراعات بحاجة لبناء استراتيجياتٍ كبرى لمواجهة الأعداء من الدول الطائفية إلى الدول الأصولية، وإيران التي كانت تتحدث عن نفوذ وهيمنة على بعض الدول العربية ارتفع صوتها أكثر في خطاب المرشد خامنئي الأخير وزادت التصريحات حدة وعدائية وتدخلاً في شؤون بعض الدول العربية، ويمكن مواجهتها بخلق سياسات إقليمية جديدة، ومنها مواجهتها في دول آسيا الوسطى، وباكستان، وأفغانستان، وكذلك داخليًا بدعم الأقليات المقموعة وتسليط الضوء على ملفاتها السوداء في مجال حقوق الإنسان وكذلك الدفاع عن حقوق المواطنين العرب داخل إيران ودعم حقوق الأكراد والبلوش وغيرهم من العرقيات المضطهدة هناك، وكما تمتلك فضائياتٍ تخاطب العرب من خلالها فيمكن بناء شبكة إعلامية ضخمة تخاطب الداخل الإيراني وتفضح أي تجاوزاتٍ يمكن أن تصعدها إيران في المرحلة المقبلة.
وأمرٌ مهمٌ آخر، وهو أن إعادة التوازن في بناء التحالفات الدولية بحاجة لإعادة النظر في العلاقات وتحديدًا مع توجهات إدارة الرئيس الأميركي أوباما والتي لا تلتقي بالضرورة مع مصالح السعودية ودول الخليج والدول والشعوب العربية مع الحفاظ في الوقت نفسه على التحالف التاريخي مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الحليفة، والتواصل القائم مع دول كبرى في العالم مهمٌ لحماية المصالح ويجب تعزيزه وتوسيعه.
الرئيس أوباما رئيس استثنائي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية باستعداده للتخلي عن الحلفاء والركض خلف الأعداء، وهو قرر عن وعي اعتماد الانعزالية والانسحابية من العالم منهجًا اجتذبه من حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى في أميركا، وقد شهد العالم كيف ضعفت القوة الأميركية في العالم في مقابل صعود التأثير الروسي والصيني في عهده، وهو رئيس مثقف، ما يعني أنه يحب التفكير النسبي لا القرار والحسم كقائدٍ.
كما يبدو أنه رئيس مقتنع بالدعاية الإيرانية التي تقول بأن الشيعة يمثلون الأقلية الديمقراطية في العالم الإسلامي والسنة يمثلون الأكثرية الديكتاتورية، وهو ما يشير إلى نجاح اللوبي الإيراني في أميركا والمنتشر في الجامعات ومراكز البحوث ووسائل الإعلام وغيرها، والذي يجب أن ينبهنا لمراجعة لماذا لا نمتلك وسائل ضغطٍ مماثلة هناك فالبلاد مفتوحة وكلٌ يدافع عن مصالحه وفق قوانينها إلا الدول العربية للأسف الشديد.
ظهر جليًا في السنوات الماضية خلافاتٍ في الرؤى السياسية تجاه المنطقة بين إدارة أوباما والدول العربية، كان أولها رؤية أوباما أن تمكين جماعة الإخوان سيقضي على الإرهاب، وكانت رؤية الدول العربية أنها ستزيده، وقد اتضح اليوم خطأ رؤيته وصواب رؤية القادة العرب، وكان ثانيها الموقف العربي التاريخي من السعودية والإمارات والكويت في دعم خيار الشعب المصري والجيش المصري في التخلص من حكم الجماعة ضدًا لرغبة أوباما ورؤيته، وقد نجحت الدول العربية وعادت مصر لصفها العربي، والثالثة أن الخطر الإيراني لا يكمن في المشروع النووي فحسب بل في تدخلات إيران في الدول العربية، وهي رؤية عربية صائبة دون شكٍ، وستتضح أكثر في المستقبل.
أخيرًا، فإن من أهم معالم هذه المرحلة التاريخية الجديدة هو تصدي السعودية القوي للمشروع الإيراني في اليمن عبر القرار التاريخي للملك سلمان بإطلاق «عاصفة الحزم» لإنقاذ اليمن، وبناء «التحالف العربي»، والتواصل مع روسيا الاتحادية وربما الصين في مرحلة لاحقة، وتوثيق التحالفات الإقليمية، ومواجهة ميليشيات الطائفية وجماعات الإرهاب.

عبدالله بن بجاد العتيبي

صحيفة الشرق الأوسط