الصفقة التي حصل عليها أوباما: فقد ثقة العرب مقابل ثقة إيران الخطيرة

الصفقة التي حصل عليها أوباما: فقد ثقة العرب مقابل ثقة إيران الخطيرة

اوباما

في عام 1945، توصل الرئيس فرانكلين روزفلت إلى صفقة تاريخية مع مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن سعود. شكّلت هذه الصفقة دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بقدر ما شكّلت المنطقة في نواحٍ كثيرة. أصبحت العلاقات بين العرب والولايات المتحدة حجر الزاوية ليس فقط في السياسات الإقليمية، ولكن أيضًا في الحسابات العالمية. وبعد سبعين عامًا، وقّع الرئيس باراك أوباما على اتفاق مع إيران. قد يكون من السابق لأوانه القول بأنّ الحليف الإقليمي الرئيس للولايات المتحدة يبدو أنه قد تم استبداله، لا سيما مع استمرار الكتابة في صفحات الأحداث الإقليمية ودور الولايات المتحدة في المنطقة. ولكن بالقدر الذي يمكن استخلاصه من الماضي، فإنّ القصة القادمة ستعتمد على كيف تبدأ بالأساس.

نقطة البداية واضحة بالفعل. إيران لديها قوة عسكرية كبيرة، وميزان القوى والقدرات على أرض الواقع بين الولايات المتحدة وإيران، يُنظر إليه من زاوية إقليمية، ويعد بعلاقات مختلفة تمامًا بين أوباما والملالي عن تلك التي بدأها روزفلت مع السعوديين.

لقد نجحت إيران في الحفاظ على قدراتها النووية، وسوف تتمتع بحرية الحركة على المسرح العالمي المتجانس نسبيًا بعد رفع العقوبات، وسوف تجني الكثير من الأموال في غضون أسابيع. وبالإضافة إلى ذلك، وعدت وكلاءها بزيادة كبيرة في المساعدات بالإضافة إلى الدفعة المعنوية التي حصلوا عليها عندما تم التوقيع على الاتفاق. كما أنّ نظام آية الله مستقر بشكل غير مسبوق.

يبدو أنّه من المنطقي بناء جسر مع هذا البلد. لكن المسألة لم تكن الصفقة النووية نفسها؛ بل ما تنطوي عليه. وكما هو الحال في أي علاقة بين قوة عظمى وشريك إقليمي، يبقى السؤال عن مكان لوضع حدود بين المصالح الوطنية المتعارضة بين الجانبين في منطقة معينة، هو التحدي الأكبر. هذا التناقض الجوهري في الصورة الكاملة للعلاقات الأمريكية الإيرانية الجديدة يكمن هنا بالضبط. في كل خطوة من خطوات طهران في الشرق الأوسط، سيتم استجواب الولايات المتحدة حول المدى الذي توافق على سلوك أصدقائها الجدد في طهران. وليس سرًا أنّ طهران لديها طموحات لإحياء إمبراطورتيها الإقليمية القديمة بقدر ما كان أردوغان يتحدث صراحة عن الإمبراطورية العثمانية الجديدة. كما تحدث أحد الملالي البارزين في إيران مؤخرًا عن كون بغداد عاصمة للإمبراطورية الفارسية الجديدة.

ستظهر طموحات إيران الإقليمية بشكل أوضح في المستقبل، وذلك نتيجة للدعم الذي حصلت عليه من الصفقة، لفرض بعض الخيارات الصعبة على الإدارة الأمريكية. وإذا تجاوزت إيران قواعد السلوك الدولي القانوني، كما هو الحال بالفعل، قد تكون الولايات المتحدة مترددة في اتخاذ إجراءات حاسمة خوفًا من أنّ طهران قد تستأنف الجهود النووية المجمدة، أو ترى عزوف الأمريكان عن استخدام القوة العسكرية، وتصبح أكثر عدوانية. وحتى العقوبات، المماثلة لتلك المفروضة على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا، سيكون من الصعب فرضها مرة أخرى. وتُعدّ هذه العقوبات، من قِبل طهران، وبغض النظر عن أسبابها، إشارة إلى الاتفاق النووي. ومن المتوقع استئناف الأنشطة النووية.

ولكن، يبدو أنّ الآثار المترتبة على الاتفاق النووي معلقة على خيط رفيع؛ فالإدارة الأمريكية تُصر على التأكيد بأن علاقاتها مع العرب لن تتأثر بعلاقاتها الجديدة مع إيران. ولكن من الناحية الموضوعية، أين سيقف أي شخص في أزمة شبه جزيرة القرم؟ روسيا أو أوكرانيا؟ في الحقيقة، عندما تصل أي أزمة إقليمية إلى مستوى معين من النضج، فإنه من المستحيل العثور على بعض المساحة بين المطرقة والسندان. هل وصلنا إلى مستويات مماثلة في الشرق الأوسط؟ نعم. في سوريا، قوات حزب الله الإيرانية واللبنانية تقاتل علنًا في بلد ليست بلدهم. وفي العراق، وفقًا للبيانات الرسمية في الولايات المتحدة، يتواجد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

طبيعة الاستقطاب في الشرق الأوسط حادة بالفعل، وهذه مشكلة ليس فقط بالنسبة للمنطقة، بل للولايات المتحدة من الآن فصاعدًا. المسافة بين الجانبين المتحاربين لا تسمح للولايات المتحدة باستخدام أيٍ من أدوات فن الغموض؛ فهي إما هنا أو هناك. لا يمكنها أن تحافظ على علاقاتها مع الجانبين دون الحاجة لمواجهة التوتر الدوري الثنائي، إن لم يكن مواجهة الآخر. هذا التوتر في حد ذاته يشكّل عاملًا لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، هناك قدر كبير من الالتفاف يحدث الآن. وقد ذكر بعض الخبراء المخضرمين في واشنطن أمثلة لتبرير المنطق وراء هذه الصفقة؛ ويحذّرنا أحد هؤلاء الخبراء من أننا يجب ألّا نتوقع تغييرًا في السلوك الإيراني بين عشية وضحاها. وعلاوة على ذلك، يخبرنا بأنّ دمج إيران في العالم والاقتصاد العالمي سيخفف من سلوكها الإقليمي؛ نظرًا لحوافز معينة. ولكن، ألم نسمع ذلك من قبل عن روسيا؟

يحذرنا الخبير أيضًا من أن إيران سوف تتبع مصالحها الوطنية على أي حال، وأنه في بعض الأحيان ستتعارض هذه المصالح بشدة مع سياسات الولايات المتحدة. حسنًا، لقد سمعنا قصة الغبي الذي وضع قدمًا واحدة على متن قارب والقدم الأخرى على قارب آخر، مؤكدًا أنّ كل واحدة “مستقرة للغاية” في حين أن كل قارب ينجرف بعيدًا عن الآخر. الآن، دعونا نفترض أن إيران تدخلت في البحرين على سبيل المثال بسبب حسابات المصلحة الوطنية الخاصة بها. هذا لا ينبغي أن يفاجئ أحدًا. لقد هدّد خامنئي الجزيرة الصغيرة على الفور بعد توقيع الاتفاق النووي، ولكن بفضل تحذير هذا الخبير في وقت مبكر، نحن نتوقع أنه لن يكون هناك أي تغيير في سلوك إيران بين عشية وضحاها. ورغم كل شيء، كما يقول، فإنّ الأمر سيستغرق وقتًا لتعديل سلوك طهران. ولكن، حتى لو كنا نتفق مع هذا الرأي، ما الذي يمكن أن يحدث خلال هذه الفترة غير المحددة؟ سوف يستمر القاربان في الابتعاد عن بعضهما البعض.

فائدة أخرى، ذكرها الخبير، وهي أن “إيران تموّل الميليشيات في العراق”، وهي القوة الأكثر فعّالية على أرض الواقع في مكافحة داعش، بحسب كلام الخبير. إذن؛ هل ستكون هذه الميليشيات أكثر فعّالية من القوات الأمريكية التي أُرسلت لمحاربة تنظيم القاعدة في العراق خلال اندفاع الرئيس جورج بوش؟ قيل إنّ تنظيم القاعدة في العراق “هُزم”، وإنه تم “إنجاز” المهمة. لكنّ ذلك لم يحدث، وعاد تنظيم القاعدة مرة أخرى في ثوب جديد وهو تنظيم داعش.

كل هذا يتوقف على كيف يعرّف هذا الخبير وأمثاله كلمة “هزيمة”. يجري تعريف هزيمة الإرهاب إما من خلال التفسير المبتدع من الرئيس كلينتون لكلمة الجنس، أو من خلال الذهاب وراء حيوان الهيدرا في كهفه. نحن نعتقد أنّ القوات الأمريكية غادرت العراق، وتركت وراءها مهمة لم تكتمل: بناء هيكل سياسي شامل يعالج أزمة السُنة وجميع الأقليات في العراق. ما دام يتم إقصاء السُنة وغيرهم ويُعاملون مثل المواطن من الدرجة الثانية، فإنّ جماعات العنف الجديدة سوف تستمر في الظهور حتى بعد “الهزيمة” القديمة.

رئيس الوزراء حيدر العبادي والقادة العراقيون الآخرون من الشيعة مثل مقتدى الصدر وعمار الحكيم، يفهمون ذلك جيدًا. ولكن، خمِّن من الذي منع ذلك من الحدوث؟ إنها “الميليشيات المموّلة من إيران” هي التي يتحدث عنها الخبير. كان يجب أن يتابع أخبار العراق عن كثب قبل الكتابة حول ما يمكن توقعه من “الميليشيات الممولة من إيران”.

ومن الواضح أن الخبير قد وجد بالفعل بعض الجمال المخفي في اتفاق إيران النووي. ولكن دور إيران في العراق لن يؤدي إلى هزيمة داعش؛ بل سيؤدي إلى إعادة ظهور التنظيم على المدى الطويل. ما سيؤدي إلى هزيمة حقيقية لداعش هناك، هو حل سياسي يمنح جميع العراقيين بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو الجنسية، جميع الحقوق على قدم المساواة. شعاع الأمل الوحيد هو عدد قليل من مشاة البحرية الشجعان يدربون المتطوعين من العشائر العربية في قاعدة “تقدم” لإنشاء قاعدة في وسط العراق، تلك المنطقة المحصنة لداعش.

بمجرد “هزيمة” داعش، بالطريقة التي يعرّف بها الخبير هذه الهزيمة، فمن المؤكد أنّ “الميليشيات الممولة من إيران” سوف تتحول ضد أي قوة من القبائل السُنية ولن تترك المراكز الحضرية السُنية الكبرى التي “حررتها” نيابة عن طهران. هل هذا سيؤدي إلى إعادة إحياء داعش؟ هل هذا هو تعريف الخبير لـ “هزيمة” داعش على أيدي “ميليشيات تمولها إيران”؟ في بعض الأحيان، يأتي النصر خاليًا من أي انتصار حقيقي. المشكلة في العراق سياسية بالأساس وعسكرية بدرجة أقل، وليس العكس.

بطريقة ما، تعتقد إدارة أوباما أن الاتفاق النووي هو انتصار. لقد توقفت إيران عن الحصول على القنبلة، وساعدت على تجنب الحرب وفتح جبهة جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية. لكن، هذه الحجج تكشف فكرة خاطئة عن كيف تسير الأمور في الشرق الأوسط.

حقيقة الأمر هي أن الرئيس أوباما وافق على مقايضة إيران الأكثر خطورة (إيران النووية) مع إيران الأقل خطورة، ومع ذلك لا تزال (إيران شبه النووية) دولة خطيرة للغاية. والآن، يجب على الأمريكان النظر إلى إيران الأقل خطورة كحليف لهم، وعليهم أن يجدوا مكانًا لسياستهم الإقليمية في مكان ما في الفضاء السحري الذي صنعه أوباما بين المطرقة والسندان.

ولكن، إذا كان أوباما يعترف بأنّ إيران لا تزال دولة خطيرة، كما يعتقد ذلك في الواقع، فمن الأفضل أن يستعد لشرح الأسباب التي جعلت إدارته تتحول إلى الجانب الآخر عندما رأت فيلق القدس الإيراني يقاتل في العراق وسوريا، ومن الأفضل أيضًا أن يستعد لما ستفعله الولايات المتحدة عندما يتم تقليل مساحة المراوغة اللفظية والغموض الاستراتيجي إلى ما يقرب من الصفر. الخطابات البليغة لا تساعد كثيرًا في أوقات الحرب.

يُقال بأن الولايات المتحدة حددت أعمالها في الشرق الأوسط لتجنب إغضاب الإيرانيين خلال المفاوضات، ولكنّ المراوغين المحترفين سينكرون هذا بالطبع، على الرغم من أن هناك العديد من الأدلة الظرفية التي تبيّن أن الإدارة فكرت بالفعل في بعض قراراتها لتجنب إزعاج الملالي.

ها هي الصفقة التي حصل عليها الرئيس أوباما: فقد الرئيس ثقة العرب مقابل ثقة إيران الخطيرة. وبالمناسبة، سيكون من الصعب تكيف إيران مع المعايير الدولية. في طهران، لدينا مزيج من الشعور بالسيادة القومية والمعتقدات الدينية الصارمة، والصور القديمة للإمبراطورية العظيمة الذي حان وقت إحيائها.

هل هي صفقة جيدة؟ الرئيس مقتنع بأنها كذلك.

في الواقع، فاز الرئيس بمعركة واحدة في الشرق الأوسط لكنه خسر الحرب هناك. المشكلة هي أنه يحتفل بفوزه في هذه المعركة دون أن يرى أنه قد فقد الحرب. الاتفاق النووي هز الأساس الذي وضعه الرئيس روزفلت، وسوف يضع الولايات المتحدة في المعسكر ذاته مع البلد الذي لديه طموحات لا هوادة فيها والتي تتناقض مع مصالح الولايات المتحدة في تلك المنطقة. إذا كان الرئيس يعتقد أنه يمكن الاختباء في المنطقة الرمادية من الغموض من خلال التأكيد على العلاقات “القوية” مع الدول العربية والالتزامات التي “لا تتزعزع” تجاه أمنها، ربما يكون من المفيد أن نذكّره أن لا أحد في الشرق الأوسط يصدق هذه الأمور بعد الآن.

التقرير