تتخذ أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة إجراءات استثنائية لمنع وقوع هجمات إرهابية مماثلة لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر العام 2001 الشهيرة، ولم تتوان تلك الأجهزة عن فتح مواجهة شاملة مع الجماعات المتطرفة حول العالم لمنع وصول الأعمال الإرهابية إلى قلب الولايات المتحدة، لكن كيف تبدو معادلة الخطر في بلد يتسم ببيئة أمنية وطنية معقدة، في ظل وجود مخاوف من مخاطر اليمين المتطرف؟
واشنطن – يشكل الإرهاب المحلي التحدي الرئيسي الأبرز في الولايات المتحدة في ضوء إدارات متعددة تعمل على مكافحة الإرهاب في بلد ذاق ويلاته منذ هجمات دموية قاسية في الحادي عشر من سبتمبر 2001. فالحكومات الأميركية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ الدموي لم تتغافل عن ملاحقة كل العناصر الإرهابية حول العالم ويبدو أن مهمة إنهاء الخطر ما تزال معقدة في الداخل، وهو ما دفع القائم بأعمال المركز القومي لمكافحة الإرهاب روسل ترافرز إلى التحذير من تنامي عدد المتطرفين الذين يعيشون في الولايات المتحدة.
ويقول ترافرز إن على الولايات المتحدة عدم الشعور بالرضا من الوضع القائم في طرق مكافحة الإرهاب في الخارج، فهي “لا تزال تواجه تهديدا منتشرا ومتعدد الأشكال يضم متطرفين عنيفين محليين، وفروع تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات التي تدور في فلك تنظيم القاعدة وإيران ووكلائها ومن بينهم حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق وراديكاليون من اليمين المتطرف”.
ويضيف في محاضرة، نظمها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن الشبكات الإرهابية سالفة الذكر ماهرة بشكل خاص في استغلال التكنولوجيا، والاتصالات المشفرة للتخطيط العملياتي وتنشر الدعاية وتنقل المعرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتعتمد على الطائرات دون طيار والمتفجرات والاغتيالات وتستخدم وثائق احتيالية عالية الجودة للتهرب من أمن الحدود.
ولا يستبعد ترافرز أن هذه الجماعات المتطرفة تجري تجارب على استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ولم يغفل أنها شبكات مبدعة في مجال التجنيد تستهدف السكان والشباب المستضعفين.
ويعتقد أن الجماعات المتطرفة لم تقم بهجوم ناجح واسع النطاق في الغرب منذ بعض الوقت على غرار هجوم تنظيم القاعدة على مقر صحيفة “شارلي إيبدو” في باريس العام 2015، وهجوم آخر ضد ملهى “رينا” بإسطنبول في العام 2017. كما يرى أن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية والقبض على قادتها وقتلهم نجحت في الحد من احتمال وقوع هجمات واسعة النطاق.
ويرى ترافرز أن منع وقوع هجمات واسعة النطاق يعود بالأساس إلى الجانب الإيجابي لجهود بناء القدرات التي أجرتها الدول المتحالفة والتحسينات التي أُدخلت على تبادل المعلومات العالمية وأمن الحدود.
وكان ترافرز، الذي عيّن في منصبه مديرا للمركز القومي لمكافحة الإرهاب في أغسطس الماضي، قد أخبر مجلس النواب أنه يعتقد أن موت زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي لن يكون له تأثير يذكر على العمليات اليومية ضد التنظيم المتطرف.
مخاطر في الداخل
يسلط مدير المركز القومي لمكافحة الإرهاب الضوء على أن البنية الأمنية الأميركية لن تكون خالية من المخاطر على الرغم من الخطوات الكبيرة التي تحققت في الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب على مدار الأعوام الثمانية عشر الماضية.
ويقول إنه في ظل وجود تهديدات متنامية من جانب دول ترعى الإرهاب وتنظيمات متطرفة تتبنى العنف، من الضروري على القادة داخل الحكومة وخارجها أن يفكروا بتروّ في كيفية تحديد أولوياتهم، لتحسين مصادر مكافحة الإرهاب وتجنب التراخي في مواجهة هذه الآفة.
ويوضح أن هناك مزيجا من العوامل الشخصية والجماعية والمجتمعية والاجتماعية السياسية والأيديولوجية المستمرة في توليد التطرف وحشد الناس للعنف، مشيرا إلى وجود ما يقرب من أربعة أضعاف عدد الأفراد المتطرفين الذي كان موجودا زمن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وأكد أن قاعدة البيانات الأميركية للإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم قد نمت بمعدل عشرين مرة منذ ذلك الحين. ومع ازدياد عدد السكان المتطرفين ستنخفض قدرة الولايات المتحدة على تحديد الإرهابيين والقبض عليهم وقتلهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهجرة من أفريقيا تُولّد التطرف في صفوف العناصر من أقصى اليمين ضد اللاجئين وطالبي اللجوء في أوروبا. ويتطلب ازدهار المجتمع الراديكالي بذل جهود قوية لمنع الإرهاب، حسب قوله.
وقال إنه نظرا لأن التهديدات تدور حول الأشخاص والشبكات، فقد أنفق مجتمع الأمن القومي الأميركي قدراً هائلاً من الطاقة في بناء مقاربة متعددة الجوانب للتدقيق في الوافدين إلى الولايات المتحدة على مدار الثمانية عشر عاماً الماضية، مشيرا إلى خضوع نحو 3.2 مليون شخص للفحص يومياً.
وأوضح أن وحدات مكافحة الإرهاب تنتج حاليا ملفات أكثر ثراء وتستخدم التكنولوجيا بشكل أفضل. وتقوم بإجراء فحص سري في الوقت الفعلي لدعم قوائم المراقبة غير المصنفة، وعند الإمكان، يستند إلى المقاييس الحيوية للتأكد من نية المشتبه بهم الذين يعتزمون الدخول إلى الولايات المتحدة.
وكشف أنه لا توجد مؤشرات في الوقت الراهن على أن الجماعات الإرهابية حاولت استغلال برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة للدخول على مدار العقد الماضي، وقال “حتى الآن، تمكّن شخصان فقط من دخول الولايات المتحدة كلاجئين ونفذا لاحقاً هجمات على أراضيها، وكلاهما وقع استقطابهما من جانب الجماعات المتطرفة بعد الدخول. وحتى الآن، كان أداء نظام الفحص والتدقيق جيداً للغاية”.
ويؤكد أن عمليات جمع المعلومات الاستخبارية الشاملة أمر ضروري لرصد التهديدات المحلية التي قد تتحول إلى تهديدات ضد الولايات المتحدة. داعيا إلى التركيز على كل شيء بدءاً من الجماعات المتطرفة الهامشية غير المنتسبة. ويقول إنه نظراً لأن الولايات المتحدة تحدّ من انتشار قواتها والعناصر التابعة لها في الخارج، لاسيما في العراق وسوريا، فسيكون لديها عدد أقل من مصادر الذكاء الإنساني وستتضاءل اتصالاتها مع الشركاء على الأرض ووتيرة التنسيق معهم.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وعد خلال حملته الانتخابية العام 2016 بوضع حد لـ”الحروب التي لا تنتهي”. وسبق أن أعلن خفضا كبيرا لعدد الجنود الأميركيين المنتشرين في سوريا ويعتزم القيام بالأمر نفسه في أفغانستان.
تضاؤل المعلومات
تشكل المعلومات وتبادلها بين أجهزة الاستخبارات المنتشرة في العالم وسيلة مهمة لمكافحة الإرهاب والحدّ من انتشاره وتنفيذ مخططاته في الهجوم على مناطق حيوية وأهداف مدنية في بلدان غربية وعربية على حد سواء. ويقول ترافرز إن البيانات تشكل قوام مكافحة الإرهاب، لكنه يعتقد أن البيانات غير الكاملة والغامضة أحيانا وغير الدقيقة في كثير من الأحيان تشكل تحديا هائلا لمحللي المركز القومي لمكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن المركز الأميركي لديه نسبة إشارة إلى تشويش سيئة للغاية.
وقال إنه على سبيل المثال تتلقى السفارات والقنصليات حوالي 300 تهديد سنوياً، في حين يتلقى مركز عمليات المركز الوطني لمكافحة الإرهاب نحو 10 آلاف تقرير مرتبط بالإرهاب يومياً، تحتوي على حوالي 16000 اسم. وعلى الرغم من أن معظم هذه التهديدات ليست موثوقة أو قابلة للتنفيذ، إلا أنه لا يمكن تجاهلها.
ويؤكد أن هناك تحديات كثيرة في الداخل الأميركي من بينها “ما هي المعلومات التي يجب أن تكون متاحة لأيّ منظمة، ولأي سبب، ومتى؟ ما هو مستوى ونوع خطر مكافحة الإرهاب الذي سيكون الأميركيون مستعدين للقبول به من أجل الحفاظ على الحريات الأساسية؟ كيف ينبغي أن يتعامل مجتمع الأمن القومي مع استغلال الإنترنت؟”.
وقال إن “التكامل بين الحكومة بأكملها يكتسي أهمية متزايدة في ظل بيئة التهديدات الراهنة. ويُعد دمج الجهود بنجاح أمراً صعباً ولكنه غير مستحيل، كما تبين خلال التدقيق وإعداد هيكلية قائمة التعقب لما بعد هجمات سبتمبر 2001”.
وأوضح أنه بالإضافة إلى التعاون في الداخل، يتعين على الوكالات الأميركية التعاون خارجياً. فالشراكات بين القطاعيْن العام والخاص أساسية لعرقلة جهود تجنيد الإرهابيين، والترويج للدعاية، وتبادل المعلومات لدعم الهجمات.
وقال إن الصناعات قطعت خطوات هائلة في جعل الفضاء الإلكتروني المعلوماتي أقل ترحيباً بالإرهابيين، وخاصة من خلال “منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب”، وهو اتحاد يضم كبرى شركات الإعلام الاجتماعي. وقد أفادت خدمات الشبكات الاجتماعية فيسبوك وتويتر ويوتيوب أنها تكتشف تلقائياً أكثر من 90 بالمئة من محتوى الإرهاب قبل نشره.
وأشار إلى أن زيادة الشفافية في جهود إزالة المحتوى قد تحقق مكاسب أكبر على صعيد مكافحة الإرهاب. لكن التقارير الصادرة عن شركات مواقع التواصل الاجتماعي تفتقر حالياً إلى التفاصيل حول نوع المحتوى الذي تمت إزالته وأساليب إزالته.
وأكد أن من شأن تزويد الحكومة بمحتوى المنشورات، وتحديد مواقعها الجغرافية، والإسنادات التي تعتمد عليها المرتبطة بالإرهاب أن يكون مفيداً من حيث التقييم الفعال لاتجاهات الدعاية والجماعات الجديدة/الناشئة، والداعين الرئيسيين للتطرف، ومصداقية المؤامرات المحتملة، مبينا أنه يمكن بعد ذلك إعادة نقل المعلومات المعمقة إلى الشركات من أجل تحسين حلولها الحسابية.
يحذر روسيل ترافرز من أنه قد ينظر إلى الولايات المتحدة نفسها قريبا كمصدّر للتطرف في ظل غياب أيّ مقاربة أكثر فعالية لـ”التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية”، وذلك على الرغم من أن واشنطن أشارت إلى بلدان أخرى كمصدرة للأيديولوجية الجهادية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
وقال إن على الحكومة الأميركية بذل المزيد من الجهود لفهم نطاق وحجم الروابط الدولية بـ”التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية” بما في ذلك بين الجماعات شبه العسكرية النشطة والمنظمات الأيديولوجية، والأفراد المتطرفين”، وذلك من أجل تطوير أدوات فعالة لمواجهة هذا التهديد المتزايد. وأشار إلى أنه عند صياغة تشريعات أو إصلاحات لتقديم المشتبه بهم في إطار “التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية” إلى العدالة، يجب أن يحرص المشرّعون على عدم اعتبار جميع أيديولوجيي اليمين المتطرف على أنهم إرهابيون”.
واعتبر ترافرز أن العديد من الإرهابيين اليمنيين المتطرفين كانوا مصدر إلهام لمهاجمين مُقلِّدين. فعلى سبيل المثال، تمّت الإشادة بالإرهابي النرويجي أندرس بريفيك أو البحث عنه من جانب خمسة مهاجمين آخرين على الأقل منذ عام 2014؛ وكان الإرهابي الأميركي ديلان روف مصدر إلهام لاثنين على الأقل منذ عام 2015؛ كما ألهم الإرهابي النيوزيلندي برينتون تارانت ثلاثة أشخاص على الأقل هذا العام وحده. ونظراً إلى أن “التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية” غير مُنسّق من قبل منظمات هرمية ذات أيديولوجيات متجانسة، فإن تحديد المهاجمين المحتملين أمر صعب للغاية. ويتفاقم التحدي بسبب عدم وجود قانون إرهاب محلي اتحادي وما يرتبط به من تُهم الدعم المادي، فضلاً عن تعقيدات حرية التعبير المحمية دستورياً.
العرب