قبيل استقالته بنحو ثلاثة أشهر، زار رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، الصين برفقة وفد يضم وزراء ومحافظين ومستشارين، في أيلول سبتمبر 2019، بهدف إبرام اتفاقات في عدة مجالات، بينها اتفاقيات تجارية ضخمة، وأخرى صناعية واستثمارية وزراعية واستكشاف النفط والغاز، عدا عن اتفاقيات أمنية.
في زياته، أوضح رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي: “نحن ننتمي إلى آسيا، ونريد أن نكون جزءًا من نهوضها”، ذلك أنه بعد مرور نحو 16 عامًا على انتهاء الحرب في العراق، يواجه بلد الرافدين إخفاقات مؤسساتية كبيرة معظمها ناتج بشكل مباشر عن الفوضى التي تبعت سقوط نظام صدام حسين وانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية.
ولفت عبد المهدي، وهو اقتصادي دَرَسَ في السوربون، خلال زيارته، إلى أن العملاق الصيني قد حل محل الهند عام 2018، ومن ثم أصبح أكبر شريك تجاري للعراق بقيمة معاملات تفوق 30 مليار دولار أمريكي (25 مليار يورو)، ضمنها مبادلات ثنائية، موضحًا أن العراق هو ثاني أكبر مصدر نفط إلى الصين.
وأعلن مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، عن تفاصيل حول الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمها العراق مع الصين، قبل نحو أربعة أشهر، ودخلت حيز التنفيذ مؤخراً، تتضمن فتح حساب مصرفي في الصين، لإيداع عائدات نفطية.
وقال صالح، وفق وكالة الأنباء العراقية الرسمية، أمس، إن “الاتفاقيات تتضمن مبادلة عائدات النفط بتنفيذ المشاريع في العراق”، لافتا إلى أن الحكومة العراقية فتحت حساباً مصرفيا في أحد البنوك الصينية، لإيداع عائدات النفط البالغة 100 ألف برميل يومياً، ضمن الاتفاقية الصينية.
وبدت الأجواء بين واشنطن وبغداد متوترة في الأيام الأخيرة، بعد تصويت البرلمان العراقي في الخامس من يناير كانون الثاني الجاري، على إخراج القوات الأجنبية من البلاد، ما أثار غضب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي لمّح إلى مصادرة نحو 35 مليار دولار في حساب البنك المركزي العراقي لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) فضلا عن إجراءات قاسية أخرى.
وجاء التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، في أعقاب اغتيال القائد العسكري الإيراني البارز قاسم سليماني، في ضربة جوية أميركية استهدفته في محيط مطار بغداد، بجانب قيادات في الحشد الشعبي بالعراق، فجر الثالث من الشهر الجاري، بينما ردت إيران بهجوم صاروخي الأربعاء الماضي، على قاعدتين عسكريتين تستضيفان جنوداً أميركيين في الأنبار وأربيل غرب وشمال العراق.
لذا تُسرع الحكومة العراقية الخطى لتنفيذ اتفاقات واسعة مع الصين، لاسيما في مجال تصدير النفط والإعمار، بالتزامن مع تهديدات أميركية بعقوبات ضد بغداد “لم يروا مثلها من قبل” إذا مضت قدماً في خططها لإخراج القوات الأميركية من البلاد، في أعقاب مناوشات بين أميركا وإيران.
ويأتي تحرك العراق لتفعيل اتفاقاته مع الصين، بينما قدم مسؤولون بارزون في القطاع المالي العراقي مؤخرا، صورة قاتمة لمستقبل اقتصاد البلاد، في حال نفذ الرئيس الأميركي تهديده بفرض عقوبات على العراق، وذلك خلال اجتماع رفيع شارك فيه نواب في مجلس النواب العرقي قبل أيام، حيث استندت كافة الاحتمالات التي طرحت، إلى فرضية استمرار خضوع الحكومة العراقية لوجهة النظر الإيرانية، في ظل الصراع المشتعل بين طهران وواشنطن في المنطقة، والعراق على وجه الخصوص.
وأعرب مسؤولون عراقيون في الأيام الأخيرة، عن خشيتهم من انهيار اقتصادي، إذا فرضت واشنطن عقوبات، منها تجميد الحسابات المصرفية التي تحتفظ فيها بغداد بعائدات النفط، التي تشكل 90% من ميزانية الدولة.
وفي الأثناء، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أمس، أن إدارة ترمب، تدرس خفض المساعدات العسكرية للعراق، في حال مضت حكومة بغداد في إخراج القوات الأميركية من البلاد.
وقالت الصحيفة، إن وزارتي الخارجية والدفاع “البنتاغون” تناقشان خيارات لاقتطاع محتمل بقيمة 250 مليون دولار من المساعدات العسكرية للعراق، وهي أموال أقرها الكونغرس بالفعل.
وأضافت، أن الوزارتين تعيدان النظر في مجموعة واسعة من المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأخرى، التي لم يُلتزم بها بعد، كما تظهر رسائل بريد إلكتروني اطلعت عليها الصحيفة.
ووفقا للصحيفة، تشير رسائل البريد الإلكتروني إلى أن مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع للخارجية الأميركية، يعمل على اقتطاع أموال المساعدات البالغة قيمتها 250 مليون دولار في إطار برنامج التمويل العسكري الأميركي للعراق للعام المالي الحالي.
وفي 7 كانون الأول/ يناير الحالي ، قالت صحيفة واشنطن بوست، إن الإدارة الأميركية بدأت بصياغة عقوبات محتملة ضد العراق في حالة طرد القوات الأميركية.
ويرى المتابعون للشأن العراقي، “إن التعاون الجاري مع الصين، يأتي ضمن اصطدام الحكومة العراقية مع الإدارة الأميركية، الذي يأتي في إطار إرضاء إيران، لكن الصين ستستغل موارد العراق بشكل فاحش، وستستحوذ على النفط العراقي، وهذا ما لن تسمح به الإدارة الأميركية”.
وتسيطر أميركا بشكل كبير على مفاصل الاقتصاد العراقي منذ احتلال البلاد، خاصة النفط، فمن بين الاحتمالات التي قد تلجأ إليها أميركا، منع بعض الشركات العالمية من التعامل مع الشركة الوطنية العراقية لتسويق النفط، التي تعرف اختصاراً بـ “سومو”، وهو إجراء سبق أن اختبر في الحالة الإيرانية، وكان مفعوله قاتلاً بالنسبة إلى الاقتصاد الأحادي، الذي يقوم على البترول فقط، كحالة الاقتصاد العراقي، وفق ما نقلت فرانس برس قبل يومين عن مصادر عراقية.
ويرى المتابعون للشأن العراقي، أن على الحكومة العراقية النظر إلى أن هناك صراعا دوليا باردا بين الولايات المتحدة من جانب، وإيران والصين وروسيا في الجانب الآخر، قبل اتخاذ أية خطوة يكون لها تأثير جوهري على مصالح العراق واستقراره”.
وبخلاف خنق منابع تصدير النفط، يشير مسؤولون أميركيون وعراقيون، إلى أن الولايات المتحدة تدرس خيارات أخرى أقل إثارة للوضع، أحدها هو أن ترفض واشنطن تجديد الإعفاء المؤقت الذي منحته للعراق في 2018، والذي يسمح لبغداد باستيراد الغاز من إيران لتغذية شبكة الكهرباء المدمرة، رغم العقوبات الأميركية على قطاع الطاقة الإيراني.
ويرى المتابعون للشأن العراقي، أن استبدال المصالح الامريكية بأخرى صينية قد تنجح بالمساعدة الفعلية لإيران والصين وروسيا، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية الراعية للنظام السياسي في عراق ما بعد عام 2003م، ترفض مثل هذه الخسارة بشدة، بالطبع يتمكن الجيش الامريكي، في عرقلة المشاريع الصينية وإفشالها، بل له القابلية حتى في إلغاء الدولة العراقية وتسليم كل الامور لمندوبها السامي من أمثال بريمر او زلماي خليل زادة، فالعراق قد يدخل مرحلة جديدة أحلك مما يمر به الآن.
فالولايات المتحدة الأمريكية تسيطر بشكل كبير على مفاصل الاقتصاد العراقي منذ احتلال البلاد، خاصة النفط، فمن بين الاحتمالات التي قد تلجأ إليها أميركا منع بعض الشركات العالمية من التعامل مع الشركة الوطنية العراقية لتسويق النفط، التي تعرف اختصاراً بـ “سومو”، وهو إجراء سبق أن اختبر في الحالة الإيرانية، وكان مفعوله قاتلاً بالنسبة إلى الاقتصاد الأحادي، الذي يقوم على النفط فقط، كحالة الاقتصاد العراقي…
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية