لا مصلحة للمواطنين العرب في التورط في صراع الهويات القاتلة في الشرق الأوسط، الصراع السني ـ الشيعي الذي تدفع باتجاهه السياسات الإيرانية.
وعلى صناع القرار في بلاد العرب، وبغض النظر عن الاختلاف الجذري معهم بشأن الطبيعة السلطوية لنظم الحكم وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، أن يدركوا التناقض الواضح بين مصالح شعوبنا وبين اختزال الصراعات المجتمعية والإقليمية إلى مكونات مذهبية.
ينبغي وضع الأمور في نصابها السياسي السليم. للمواطنين الشيعة في الخليج مطالب مشروعة ترتبط بإقرار المساواة الكاملة بينهم وبين المواطنين السنة، وبمناهضة التمييز وخطاب الكراهية، وبتمكينهم وغيرهم من المشاركة في إدارة الشأن العام، وإعادة توزيع الثروة والموارد المجتمعية على نحو عادل. هذه هي المطالب المرفوعة في البحرين وفي المناطق الشرقية في السعودية وبدرجات أقل حدة في بلدان أخرى.
ينبغي عدم الخلط بين رفض الكثير من السياسات الإيرانية في الشرق الأوسط، وبين فرض وضعية الشك الدائم في المواطنين الشيعة في بلاد العرب وإطلاق اتهامات مسبقة وظالمة باتجاههم. فالشيعة في الخليج شأنهم شأن الشيعة في العراق ولبنان، وكما تدلل الانتفاضات الشعبية الراهنة التي تجتاح المدن العراقية واللبنانية، يدينون بالولاء للدولة الوطنية التي منحتهم هويتها وينشدون إنهاء واقع الطائفية والتهميش ومناهضة التمييز وانتزاع حقوقهم وحرياتهم سلميا داخل حدودها وليس خارجها.
لإيران أدوار إقليمية تتناقض مع مصالح الشعوب العربية، إن في لبنان حيث تدعم وجود حزب الله كدولة فوق الدولة، أو في سوريا حيث تتورط مع الديكتاتور الحاكم في مقتلة بشعة ضحاياها مئات الآلاف من الشهداء وملايين اللاجئين والمهجرين والنازحين، أو في العراق حيث تسيطر القوى الطائفية المتحالفة مع طهران على مفاصل الدولة وتجرد مؤسساتها وأجهزتها عملا من المصداقية بين أغلبية المواطنين شيعة وسنة، أو في اليمن حيث تساند تمويلا وتسليحا الحوثيين المشاركين في الحرب الدموية الدائرة اليوم.
لإيران أدوار إقليمية تتناقض مع مصالح الشعوب العربية، إن في لبنان حيث تدعم وجود حزب الله كدولة فوق الدولة، أو في سوريا حيث تتورط مع الديكتاتور الحاكم في مقتلة بشعة، أو في العراق حيث تسيطر القوى الطائفية المتحالفة مع طهران على مفاصل الدولة
غير أن إيران ليست بمفردها في الاضطلاع بأدوار كثيرة تتناقض مع مصالح الشعوب العربية. فلبنان دوما ما كان ساحة لتوظيف المال الخليجي لاكتساب ولاء قوى طائفية غير حزب الله. وعناصر السلاح الغربي والدعم التركي والمال الخليجي أنتجت معا في سوريا عصابات الإرهاب التي تستبيح هي الأخرى دماء المواطن وتروعه وتدمر بيئته الحياتية، وها هي ذات العناصر تتكرر اليوم في الحالة الليبية. وبعض هذه العناصر اجتمع في المشهد العراقي في أعقاب الغزو الأمريكي ليدخله في نفق الطائفية والمذهبية المقيتتين ويسعى اليوم لتجديد سطوته على واقع مواطنين عراقيين ينتفضون ضد الطائفية والظلم وينتصرون لهويتهم الوطنية. والحرب الدائرة اليوم في اليمن هي حرب تشنها السعودية وحلفاؤها تحت ذريعة مواجهة امتداد النفوذ الإيراني ورأس حربته المتمثلة في جماعة الحوثيين بينما حصيلتها المؤلمة هي آلاف القتلى وتدمير البنى الأساسية لبلد فقير وإقحام المذهبية وصراعاتها على المجتمع اليمني.
بل إن إقرار تناقض الأدوار الإيرانية في الشرق الأوسط مع مصالح الشعوب العربية لا يلغي أبدا التناقضات الأخرى المرتبطة باحتلال إسرائيل واستيطانها للأراضي الفلسطينية وحصارها العدواني على غزة. كما أنه لا يغيب التداعيات السلبية للسياسات الراهنة للقوى الكبرى في بلادنا حيث يستمر الانحياز لإسرائيل وتتصاعد استباحة السماوات والأراضي العربية.
وإذا كانت مواجهة الأدوار الإيرانية في لبنان وسوريا والعراق تمثل ضرورة لإخراج البلدان الثلاثة من أزماتها المستعصية، فإن الحرب السعودية على اليمن التي يتم تبريرها في نفس سياق «كبح جماح النفوذ الإيراني» تبدو شديدة العبثية ويتعين إنهاؤها وفورا. وإذا كان تعريف المواجهة العربية مع إيران كصراع على الهيمنة الإقليمية يعبر عن حقيقة استراتيجية كبرى في الشرق الأوسط اليوم، فإن مسؤولية الحكومات العربية تظل الامتناع عن استبدال المذهبي بالسياسي في إدارة الصراع مع إيران.
أخيرا، ولان لإيران انتماء أصيل وتاريخي للشرق الأوسط شأنها في ذلك شأن تركيا وأيضا لاستحالة إنكار مصادر قوة إيران المتنوعة وفاعليتها بعض سياساتها خلال السنوات الماضية، ينبغي على العرب الابتعاد عن ترف اختزال علاقاتهم بإيران في مكونات صراعية فقط. الأفضل لنا ولهم هو البحث عن حلول تفاوضية وتوافقات حقيقية.
عمرو حمزاوي
القدس العربي