شكل خروج أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في “مليونية” استجابة واضحة لمطالب إيرانية بحرف الأنظار عن الانتفاضة الشعبية المتواصلة ضد السلطة القائمة على المحاصصة الطائفية في البلد منذ 16 عاما.
ويرى مراقبون أن محاولات الصدر للركوب على الأحداث باتت مكشوفة بعد عمله الدؤوب من أجل أن يكون منفذا أمينا لأوامر النظام في طهران، خاصة بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في غارة أميركية هذا الشهر.
وقبل ساعات من انطلاق تظاهرة مليونية دعا إليها الصدر وأيدتها فصائل موالية لإيران للمطالبة بخروج القوات الأميركية من العراق، تعرض محتجون في العاصمة بغداد لاعتداءات من مسلحين.
وأشارت مصادر طبية إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى، ليرتفع إلى 12 عدد قتلى الاحتجاجات خلال ثلاثة أيام في العراق. وأشارت المفوضية العراقية لحقوق الإنسان إلى مقتل أربعة متظاهرين في بغداد، وواحد في ديالى، واثنين في كربلاء، وخمسة في البصرة عموماً.
وقال عضو المفوضية علي البياتي إن “العنف ضد المتظاهرين مستمر بشكل واضح”، مضيفا أن “الجماعات المسلحة المجهولة التي تستهدف المحتجين تظهر أن قوات الأمن غير قادرة على حماية المواطنين”.
واتهم المتظاهرون السلطات بالازدواجية في التعاطي مع المسائل الأمنية، إذا أنها تعتقل على الفور أي شخص يقطع الشوارع بإطارات مشتعلة، ولكنها غير قادرة على اعتقال أولئك الذين خطفوا وقتلوا عشرات الناشطين.
وكان ناشطون في الاحتجاجات العراقية أبدو قلقاً من دعوة الصدر، متخوفين من أن تكون قريبة من ساحة التحرير، المركز الرئيسي للاحتجاجات، وأن تؤدي إلى مواجهة. لكن متحدثاً باسم الصدر، أوضح أن التظاهرة ستكون في مكان مختلف، وهي منطقة الجادرية القريبة من المجمع الرئاسي والمنطقة الخضراء.
وأشار صلاح العبيدي، في مقابلة أجراها مساء الأربعاء مع قناة “العراقية” الرسمية، إلى أن مسار التظاهرة غير معروف، متحدثاً عن سيناريوهات عدة. إذ من المحتمل أن ينجر المتظاهرون إلى السفارة الأميركية، وتكرار المسلسل نفسه الذي حصل الشهر الماضي وأطلق شرارة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وجعل من العراق ساحة لتصفية الحسابات.
ولخص العبيد أهداف التظاهرة بمطلبين، هما خروج القوات الأجنبية من البلاد وضرب الفاسدين، موضحاً أن “الاثنين معاً هما سبب الخراب، ويحاول السيد (الصدر) أن يوائم بين الطرفين”.
وتوافد الآلاف من أتباع زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، وسط العاصمة العراقية بغداد، الجمعة.
ورفع المتظاهرون شعارات تطالب القوات الأجنبية بالرحيل عن العراق، تنفيذا لقرار مجلس النواب المطالب بخروج تلك القوات.
وأغلقت السلطات الأمنية جسري الجادرية والطابقين وسط بغداد لتامين سلامة المتظاهرين.
استنفار يسبق تظاهرات حلفاء إيران
استنفار يسبق تظاهرات وكلاء إيران
ويشهد العراق منذ الأول من أكتوبر الماضي حركة احتجاجات مطلبية، شهدت تراجعاً في الآونة الأخيرة بعدما اغتالت الولايات المتحدة بطائرة مسيّرة مطلع يناير الحالي قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب بغداد، ما أثار موجة غضب لدى فئات واسعة من العراقيين.
وقبل عشرة أيام قال الصدر في تغريدة عبر حسابه على موقع تويتر إن “سماء العراق وأرضه وسيادته تنتهك من قبل القوات الغازية”.
ودعا في تغريدته “إلى ثورة عراقية لا شرقية ولا غربية (…) إلى مظاهرة مليونية سلمية موحدة تندد بالوجود الأميركي وبانتهاكاته”.
وحظيت دعوة الصدر، التي جاءت بعد تصويت في البرلمان العراقي على تفويض الحكومة بإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، بتأييد واسع من الفصائل الشيعية المقربة من إيران، والتي تتهم بالوقوف وراء بعض أعمال العنف ضد المتظاهرين الذين يتجمعون في ساحة التحرير المركزية، ما يثير مخاوف من اشتباك بين الطرفين.
وأسفرت أعمال العنف التي شهدتها التظاهرات في أنحاء البلاد عن مقتل نحو 470 شخصاً غالبيتهم من المحتجين، وإصابة أكثر من 25 ألفاً بجروح، استناداً إلى مسعفين ومصادر أمنية ومفوضية حقوق الإنسان العراقية.
ويتوقع مراقبون سيناريوهات عديدة، إذ من المحتمل أن ينجر المتظاهرون إلى السفارة الأميركية، وتكرار المسلسل نفسه الذي حصل الشهر الماضي وأطلق شرارة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وجعل من العراق ساحة لتصفية الحسابات.
وقال الخبير بالشأن العراقي في مركز كارنيغي حارث حسن إن الصدر كان يحاول الحفاظ على “هوياته المتعددة” من خلال دعم احتجاجات مختلفة.
واعتبر حسن أنه “من ناحية، يسعى إلى وضع نفسه كزعيم لحركة إصلاحية، كشعبوي، ومناهض للمؤسسة”.
وأضاف “من ناحية أخرى، يريد أيضاً الحفاظ على صورته كزعيم لمقاومة “الاحتلال الأميركي”، جزئياً لكسب تأييد إيران.
وشددت طهران مؤخراً على أنه يجب على جميع القوات الأميركية مغادرة الشرق الأوسط، وسط التوترات المتصاعدة بينها وبين واشنطن.
وأشار الخبير السياسي إلى أن “هذا الاحتجاج، سيظهر أن الصدر ما زال قادراً على تعبئة مجموعات كبيرة من الناس في الشوارع، لكن من المحتمل أيضاً أنه يريد من المجموعات الأخرى أن ترد من خلال منحه مساحة أكبر لاختيار رئيس الوزراء”.
العرب