كشفت مصادر دبلوماسية عن ضغوط يتعرض لها الاتحاد الأوروبي من قبل الولايات المتحدة لتطوير موقف النادي الأوروبي من حزب الله والخروج من المنطقة الرمادية التي ما زالت المجموعة الأوروبية تنحشر داخلها.
وقالت المصادر إن الضغوط لا تمارس فقط من خلال البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، بل إنه تم تنشيط قنوات اتصال بين الأجهزة الأمنية الأميركية والأوروبية من أجل دعم قاعدة البيانات لدى كافة دول الاتحاد بما تملكه واشنطن من معطيات حول أنشطة حزب الله المهددة للاستقرار الدولي، لاسيما داخل الدول الأوروبية نفسها.
وينقل عن مصادر أمنية أميركية أن الإدارة في واشنطن تعاملت بتفهّم مع موقف الاتحاد الأوروبي حيال إيران إثر قرار الرئيس دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق النووي، معتبرة أن الأميركيين أدرجوا موقف أوروبا في إطار سياسي يتيح للشريك الأوروبي الاحتفاظ بهامش مناورة مستقل عن واشنطن في مقاربة العلاقة مع إيران، إلا أن إدارة ترامب لا تفهم الموقف الأوروبي حيال حزب الله وهو المتهم من قبل عدد من بلدان العالم، بما في ذلك بلدانا أوروبية، بالوقوف وراء عمليات إرهابية طالت مدنيين.
وينقل عن مصدر من الأغلبية الجمهورية داخل مجلس الشيوخ الأميركي أن مسألة الموقف من ميليشيا إرهابية لا يخضع لوجهة نظر وأن السياق الانتقائي في هذا المجال يفتح مسارب واسعة يتسلل من خلالها الإرهاب. ويقر باحثون في شؤون الإرهاب أن الدول الأوروبية سجلت تقدما في شأن توصيف حزب الله والتعامل معه، إلا أن التحول مازال بطيئا حذرا لا يرقى إلى مستوى الأخطار التي يمثلها التنظيم الإرهابي بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط كما لأفريقيا وأوروبا ودول أميركا اللاتينية.
وقد سجلت ألمانيا تقدما لافتا في هذا الشأن حين أصدر برلمانها قرارا في ديسمبر 2019 يدعو فيه الحكومة الألمانية إلى حظر حزب الله، بجناحيه السياسي العسكري، واعتباره تنظيما إرهابيا.
وكانت بريطانيا قد أعلنت، وعلى لسان وزير داخليتها آنذاك، ساجد جاويد عن وضع حزب الله، بجناحيه، على لوائح الإرهاب، ثم أعادت في الـ17 من يناير الجاري، من خلال جاويد نفسه بصفته وزيرا للخزانة، تصنيف الحزب إرهابيا بموجب قواعد وقوانين التمويل الإرهابي بما يستوجب تجميد أصوله ومراقبة كافة الأنشطة المالية المشتبه بأنها تدعم الحزب بشكل مباشر وغير مباشر.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد إثر القرار البريطاني في فبراير من العام الماضي أن فرنسا لن تضع أيّ حزب لبناني ممثل في الحكومة على قوائم الإرهاب، مشيرا إلى أن باريس تعتبر الجناح العسكري لحزب الله تنظيما إرهابيا، لكنها تتحاور مع الجناح السياسي الممثل في البرلمان.
وشكل موقف ألمانيا مفاجأة للمراقبين لكونها أكثر الدول الأوروبية تاريخيا قربا من إيران ولطالما اتسمت مواقفها بالمرونة مقارنة مع مواقف دول أوروبية أخرى، لاسيما فرنسا وبريطانيا.
كما أن موقفي برلين ولندن يعبّران عن قرار بالتعامل مع حزب الله على نحو مختلف عن تعاملهما مع إيران، إضافة إلى أن لهذه القرارات خاصية لافتة كونها صادرة عن دول موقّعة على الاتفاق النووي مع إيران وما زالت متمسكة به حتى الآن.
ورأى محللون أن موقف واشنطن سيكون أكثر صرامة مع الدول التي ما زالت تمتلك قنوات تواصل مع حزب الله وأن إدارة ترامب قد تعدّ قائمة عقوبات مباشرة على أوروبا من شأنها إحداث تحول داخل النخب الحاكمة في القارة العجوز حول بديهيات التصدي للأخطار التي تمثلها الميليشيات التابعة لطهران، وخصوصا حزب الله.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد وضعت الجناح العسكري لحزب الله على قوائم الإرهاب بعد أن اتهمت الحكومة البلغارية في فبراير 2013 أعضاء في حزب الله بالوقوف وراء تفجير استهدف حافلة في بورغاس ببلغاريا أسفر عن مقتل 5 إسرائيليين وسائق الحافلة.
وعمد الأوروبيون إلى “ابتكار” خط وهمي يفصل بين الجناح السياسي والجناح العسكري لحزب الله كمخرج دبلوماسي وقانوني لتبرير استمرار تواصل هذه الدول مع حزب الله ولبنان.
وكان نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم قد سخر من هذا الفصل وأكد أن لا وجود لجناحين، سياسي وعسكري، في حزب الله.
ويقول ريتشار غرينيل، سفير الولايات المتحدة في ألمانيا، إن “الولايات المتحدة حازمة في جهودها لوقف انتشار إرهاب حزب الله، لكن لا يمكننا احتواء التهديد بمفردنا”.
ويُعتبر موقف غرينيل بمثابة إشعار أميركي رسمي لأوروبا بالحاجة إلى موقف صلب ضد “حالة” حزب الله الشاذة في لبنان والعالم. وكشفت صحيفة “بيلد” الألمانية أن غرينيل اجتمع بالفعل مع أعضاء بالبرلمان الأوروبي، الأربعاء، وتناقش معهم حول حظر حزب الله بشكل كامل، بما اعتبر أنه حملة يقودها غرينيل في هذا الاتجاه لدى النخبة السياسية في أوروبا.
وتقول بعض التسريبات إن الإدارة الأميركية تنظر بعين جادة إلى اعتداءات يمكن أن تتعرض لها المصالح الأميركية في العالم من قبل حزب الله، وأنّ تجاهل أوروبا لتحذيرات واشنطن يحمّل دول الاتحاد مسؤولية أيّ أخطار يتعرّض لها الأميركيون في العالم.
العرب