نشر موقع “ذا إنترسيبت” تقريرا أعده مرتضى حسين قال فيه إن سياسة تغيير النظام التي تمارسها إدارة الرئيس دونالد ترامب هي فتنازيا مفضلة ولن تنشر إلا الفوضى وعدم الإستقرار. وقال فيه إن حلم إدارة ترامب أصبح حقيقة للصقور في واشنطن، خاصة من يحملون فتنازيا الغضب والإنتقام ضد إيران. ففي ظل ترامب قررت الولايات المتحدة الخروف من الإتفاق النووي التي وقعتها إدارة باراك أوباما وفرضت على طهران سياسة العقوبات القائمة على ممارسة “أقصى ضغط” وعزلها سياسيا.
وتقاطعت المواجهة التي بدأت بعد خروج الولايات المتحدة من الإتفاقية النووية مع اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في بغداد، الشهر الماضي، وهو هجوم أعلنت أمريكا عنه بنفسها.
ولا يعرف المسار الذي تتجه إليه الأمور، ولكن بالنسبة لعدد من رموز إدارة ترامب هناك نتيجة مثالية لكل هذا وهو تغيير النظام.
أي عملية عسكرية ضد إيران تظل خارج التفكير الأمريكي حتى في أية فنتازيا تدخل يريدها المحافظون الجدد.
واستطاعت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة الإطاحة بعدد من الأنظمة كما في العراق وليبيا إلا أن الوضع في إيران مختلف، فهي بلد يعيش فيه 80 مليون نسمة، وهو ضعف سكان البلدين السابقين بدرجات كبيرة. كما أن عملية عسكرية ضد إيران تظل خارج التفكير الأمريكي حتى في أية فنتازيا تدخل يريدها المحافظون الجدد. ولعدم وجود القدرة على تغيير النظام من خلال حرب مباشرة فقد تبنت واشنطن سياسة تقوم على صنع الفوضى في إيران وجعله بلدا لا يمكن لأحد حكمه. وذلك من خلال سياسة العقوبات وغير ذلك من أشكال الضغط، على أمل خلق الظروف لانتفاضة تؤدي لولادة نظام أحسن. إلا أن هذا النهج سيحول حياة الناس إلى بؤس والفشل في الوقت نفسه بتغيير النظام السياسي بالبلد. ويرى ريتشارد حنانيا، الزميل في معهد سالتزمان للحرب بجامعة كولومبيا “تشبه إيران بوضوح تجارب أمريكا الأخيرة في الشرق الأوسط مثل ليبيا والعراق أكثر من تجاربها في دول الإتحاد السوفييتي السابق عام 1989″، و “لو كنت تدعو لتغيير النظام في إيران فإنك تدعو بالأساس إلى حرب أهلية. وكما هو الحال في الدول الأخرى حتى لو سقطت القيادة فستكون بقايا النظام السابق قادرة على إعادة تنظيم نفسها مهما كان الوضع” ، وبعبارات أخرى لا توجد هناك فرصة لتغيير منظم للنظام في إيران وبدعم أمريكي. والمستقبل الذي يدعو إليه المحافظون الجدد الذين يسيطرون على السياسة الخارجية في واشنطن لن يكون سوى فوضى وحروبا أخرى وعدم استقرار في الشرق الأوسط، وهذه الفرصة الوحيدة التي يمكنهم تحقيقها عبر تغيير النظام. وكانت الثورة الإيرانية عام 1979 استثناء للقاعدة، فعندما خرج المتظاهرون المعارضون للحكومة إلى الشوارع ضد الشاه محمد رضا بهلوي، اختارت العائلة المالكة المنفى بدلا من القتال حتى الموت، مع أن المستشارين الأمريكيين كانوا يتحدثون عن مجزرة. وأظهر النظام الحالي في طهران أنه غير مستعد للتراجع أمام الضغوط الشعبية. ومثل بقية حكومات الثورة أظهرت الجمهورية الإسلامية إنه أشرس من الملكية التي حلت محلها. وقمعت حكومة الملالي احتجاجات وانتفاضات على مدى العقود الأربعة الماضية حيث سجنت وعذبت المشاركين فيها. كل هذا يضع دعاة تغيير النظام أمام وضع صعب. فلو لم يظهر النظام الإيراني استعدادا للتخلي عن السلطة وقاتل حتى الموت فإن أي محاولة من الخارج للإطاحة به ستقود إلى حمام دم وإلى إدخال البلد في الفوضى. وأسوأ من هذا إن أي سياسة كهذه ستؤدي لمقتل مئات الألاف وربما ملايين الإيرانيين، والفشل في الوقت نفسه بتغيير النظام. وحتى لو تمت إزالة القيادة الإيرانية الحاكمة وخرجت من الصورة فسيبقى مئات الآلاف من عناصر الميليشيات المسلحة والحرس الثوري موزعة على مناطق البلاد. وسيكون دور هذه العناصر حاسما في أي شيء سيحدث في البلاد بعد انهيار الحكومة. وأظهرت الأحداث الإيرانية الأخيرة انقساما في المجتمع الإيراني، لكن لا يمكن التكهن بنوع السياسة التي ستظهر من خلال الحرب الأهلية. وقال حنانيا “بالنظر إلى أشرطة الفيديو المتنافسة على “تويتر”، هي طريقة رهيبة للتكهن بما سيحدث في إيران”، “فلو سقطت الحكومة فلن يحل محلها ليبراليون أو ديمقراطيون إسلاميون معتدلون، وهو ما يريده معظم السكان. وما ستحصل عليه أناس يمارسون العنف”. وهناك مشكلة أخرى تواجه خيار تغيير النظام وهي متعلقة بطبيعة المعارضة الإيرانية. فمن هو موجود منهم في الداخل يتعرضون لاضطهاد مستمر أما تلك التي تعيش بالمنفى فليست مهمة. فعندما تحدت مجموعة من المعارضة (الحركة الخضراء) الحكم عام 2009 تم قمعها بقوة ولا يزال أفرادها يعيشون تحت الإقامة الجبرية، ولا يسمح النظام بأحزاب محلية أو معارضة مهمة بالعمل. ويتم الترويج لنجل الشاه السابق في واشنطن باعتباره البديل عن النظام الحالي. ولكن الأدلة عن الدعم له في داخل البلاد تشير لمحدوديته. وبالنسبة لجماعة مجاهدي خلق فالدعم لها يبدو أقل من الحكومة الإيرانية. ولا يمكن تصور ظهور حركة معارضة واسعة كتلك التي أطاحت بالشاه وضمت قطاعات ليبرالية ويسارية ومن الإمام الخميني الذي كان يحظى بدعم واسع خلال وجوده في العراق وفرنسا. وبعد سقوط النظام واشتعلت تظاهرات الشوارع بين الثوريين من أصحاب الرؤى المختلفة عن مستقبل إيران، عاد الخميني من فرنسا متسلحا بالشرعية التي يملكها وبدأ حملة تهميش المعارضين له وسيطر على الوضع. وصمد النظام الذي أقامه رغم التكهنات بزواله وجهود الولايات المتحدة مع دول الخليج وإسرائيل فلا تزال جمهورية الخميني قائمة حتى اليوم في إيران. ففي ضوء التناقض بين الحلم والقدرات ربما تحاول إدارة ترامب البحث عن سياسة هادئة تجاه إيران، مثل توقيع اتفاق جديد معها غير الذي وقعه باراك أوباما. ولكن التوصل إليه يظل صعبا إن لم يكن مستحيلا. فالإتفاق الأول كان نتاجا لعملية مفاوضات صعبة استمرت على مدى عامين.
من يشرفون على تنفيذه هذه السياسة الأمريكية مهتمون فقط بإضعاف إيران والتسبب بعدم الإستقرار وعرقلة البلد بطريقة تضعف التهديد الذي يمثله. بدلا من تعبيد الطريق لمفاوضات عبر الوسائل الدبلوماسية”.
وفي المقابل تحاول إدارة ترامب اتخاذ الدعوة لاتفاق بدلا من بديل أكثر جدية حتى تعد جهودها السرية والعلنية ضد إيران. ويقول إيلي جيرناماية، الزميل الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “إحساسي إن من يشرفون على تنفيذه هذه السياسة مهتمون فقط بإضعاف إيران والتسبب بعدم الإستقرار وعرقلة البلد بطريقة تضعف التهديد الذي يمثله. بدلا من تعبيد الطريق لمفاوضات عبر الوسائل الدبلوماسية”. وقال إن منع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو نظيره الإيراني من اجتماع في نيويورك دليل آخر على عدم اهتمامهم بالمسار الدبلوماسي. وبناء على هذا ستشهد الفترة الأخيرة من ولاية ترامب والقادمة إن أعيد انتخابه تصعيدا في الحرب غير المعلنة ضد إيران. وستكون هناك عقوبات جديدة وعمليات عسكرية ضد الجماعات الوكيلة عن إيران في الشرق الأوسط وضغوطا أكبر عليها في المنابر الدولية. وربما شاهدنا زيادة في ظاهرة القتل المستهدف بعد مقتل سليماني.
القدس العربي