يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة، مؤخراً، سلاحاً إسرائيلياً جديداً، يتمثل في حوّامات الـ”كواد كابتر”. والـ”كواد كابتر”، هي طائرات مُسيّرة صغيرة الحجم، يتم تسييرها إلكترونياً عن بُعد، يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ عمليات استخبارية، حيث كثّف من استخدامها في قطاع غزة خلال الفترة الماضية.
وتستخدم هذه الطائرات بالأساس لأغراض التصوير، لكن الجيوش بدأت باستخدامها، نظرا لقدراتها العالية.
وبخلاف الطائرات المُسيّرة المُعتادة، تأتي حوّامات الـ”كواد كابتر”، لتُضيف مصدر تهديد لأهالي غزة ومقاومتها.
ويفيد شهودٌ عيان في غزة، أن “الحوامات” الإسرائيلية يتم إطلاقها في أجواء القطاع بشكل يومي، ما يثير قلقاً وتساؤلاتٍ حول ماهية المهام التي تقوم بها تلك الطائرات، والخطر الذي يمكن أن تُشكله.
وبحسب مراقبين، فإن ثمة مخاطر أمنية تتهدّد الفلسطينيين من وراء استخدام “إسرائيل” لتلك “الحوّامات”، التي تُقدم خدمات جليلة تُميزها عن غيرها من الأدوات الاستخبارية؛ نظراً لصغر حجمها، وخفة حركتها، وصعوبة اكتشافها ليلاً ونهاراً.
وعلى الرغم من أن تلك الطائرات صُنعت بالأساس لأغراض تصوير ذات طبيعة مدنية وإعلامية، إلا أن الاستفادة منها في الشأن العسكري لدى كثير من الدول، جعل منها السمة الأبرز للعمليات العسكرية على مستوى العالم، نظراً لما تتمتع به من مؤهلات وقدرات ميدانية عالية.
تعزيز القدرات
محمد أبو هربيد، الخبير والمختص الأمني في غزة، يُرجع تكثيف استخدام تلك “الحوامات”، إلى سعي الجيش الإسرائيلي الدائم، لامتلاك أحدث الإمكانات والقدرات ضمن تعزيز التطور والتفوق التكنولوجي.
ويقول “أبو هربيد” إن الجيش الإسرائيلي صغيرٌ من حيث العدد لكنه جيش ذكي، ويعتمد على القدرات التكنولوجية التي تُمكنه من اختصار الجهود البشرية، خاصة في عمليات الرصد وجمع المعلومات، في جبهة مُلتهبة كقطاع غزة.
ويرى بأن اعتماد الجيش الإسرائيلي على تلك “الحوامات” لا يزال في إطار التجريب والاختبار، وفحص كفاءتها وقدراتها في العمليات القتالية والاستخبارية.
وأضاف: “بالرغم من تخصيص الجيش طائرات كواد كابتر، صغيرة تحت تصرف قادة الكتائب والألوية خلال العمليات العسكرية، إلا أنها لم تبلغ بعد المراحل النهائية من دخولها الخدمة”.
ومؤخراً، استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي طائرات “كواد كابتر” في قمع المتظاهرين الفلسطينيين في التظاهرات الشعبية الأسبوعية على حدود غزة “مسيرات العودة وكسر الحصار”، عبر إطلاقها النار وإلقائها قنابل الغاز تجاه المتظاهرين.
خصائص وميزات
وتتمتع “الحوامات” بخصائص ومميزات تكتيكية لافتة، وهي ذات مهام متعددة في الجانب الاستخباري كالرصد والمتابعة والتعقب للأهداف الثابتة والمتحركة، ومُزودة بكاميرات ذات جودة عالية.
كما يمكنها القيام بمهام عسكرية إضافية، كإطلاق النار، وحمل القنابل المتفجرة، ما يؤهلها للاستخدام الفاعل في عمليات الاغتيال، فضلاً عن احتوائها على أدوات تنصت دقيقة جداً.
ويضيف “أبو هربيد” إن صِغر حجم “الحوامات” يُسهل من عملية تحركها وتخفّيها، إضافة إلى تمتعها بالمرونة العالية في التنقل بين المباني والأزقة وعلى مستوى منخفض جداً، مما يزيد من احتمالات خطرها.
ويتابع: “تُعد تلك الطائرات منخفضة التكلفة بالنسبة للجيش الإسرائيلي، مقارنة بطائرات الاستطلاع المعروفة، من حيث رخص ثمنها، وعدم اعتمادها على الوقود”.
ولتلك الحوامات، أنواع كثيرة وإصدارات عديدة، تُنتجها شركات التصنيع العسكري الإسرائيلية، ولكل نوع خصائص ومميزات خاصة، بحسب “أبو هربيد”.
الدوافع والأهداف
ويُرجّح الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي “سعيد بشارات”، دوافع استخدام الجيش الإسرائيلي لتلك الطائرات -في الوقت الحالي – هو تفحّص قدراتها باعتبارها سلاحاً جديداً، وتجريب إمكاناتها، وخصائصها الاستخبارية، تمهيداً لاستخدامها مستقبلاً بشكل أوسع.
وقال بشارات إن الحالة الأمنية في غزة فرضت على أجهزة المخابرات الإسرائيلية صعوبة في جمع المعلومات عبر الوسائل التقليدية، فلجأت إلى تطوير قدراتها باستخدام وسائل جديدة، ومنها “الحوامات”.
ولفت إلى أن تكثيف استخدام الاحتلال لتلك الطائرات في الآونة الأخيرة، يشير إلى إمكانية التحضير لعمل أمني ما، والاستفادة منها في أي مواجهة قادمة، سيما في ظل مطالبة شخصياتٍ إسرائيلية بالعودة لسياسة الاغتيالات في غزة.
وقال: “ما يتم تداوله في الإعلام الإسرائيلي من تهديدات وخاصة على لسان القادة، يجب أن يؤخذ على محمل الجد”.
تغيير قواعد الاشتباك؟
من جانبه، يُقلل الباحث “أبو هربيد” من قدرة تلك الطائرات على فرض قواعد اشتباك جديدة في غزة عبر عملية اغتيال، باعتبارها “أداة تخدم القرارات السياسية والعسكرية، ولا تفرضها”.
ويقول: “إن ما يحدد قرار إسرائيل تجاه عمليات الاغتيال عبر الطائرات المسيرة أو غيرها هو رغبتها في إحداث تغيير في قواعد الاشتباك القائمة حالياً، وليس الأدوات المستخدمة في ذلك”.
وتمر الأوضاع الأمنية في غزة بحالة شدّ وجذب بين الأحداث الميدانية من حينٍ لآخر، وبين استمرار تفاهمات التهدئة القائمة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية أممية ومصرية وقطرية.
ويرى “أبو هربيد” أن إسرائيل تختار توقيت المباغتة والاستهداف بعناية، ووفق دراسةٍ للمعطيات الأمنية والسياسية، إلى جانب دراسة رد فعل المقاومة الفلسطينية على عملية من هذا القبيل.
كما أشار إلى إمكانية سعي إسرائيل إلى الخداع والتضليل عبر إحداث حالة تعوّد نفسي لدى المقاومة والمواطنين الفلسطينيين على تلك الطائرات، وأن يصبح تواجدها في الأجواء أمراً عادياً، وصولاً إلى اللحظة التي يقرر فيها الجيش القيام بعمل أمني ما كالاغتيال أو ما شابه.
لكنه استدرك بالقول، إن المقاومة تُراقب وتدرس كل الأنشطة التي يقوم بها الاحتلال على الحدود، مضيفاً أن “لدى المقاومة وحدات رصد متخصصة في تحركات الجيش الإسرائيلي، وتُجري عمليات تقييم وتقدير موقف أولاً بأول”.
ختاماً، اعتبر “أبو هربيد” أن تلك الطائرات، بما تملكه من قدرات، لن تتمكن من إحداث تغيير جذري في قواعد اللعبة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي.
وأضاف: “الجيش الإسرائيلي يخشى إقحام جنوده في عمليات استخبارية، ويسعى لتجنب ذلك قدر الإمكان؛ بسبب تراجع الحالة المعنوية للجنود، فيلجأ إلى التقنيات الحديثة عوضاً عن ذلك”.
(الأناضول)