الميل السائد في أعقاب تصفية قاسم سليماني، التي أذهلت النظام الإيراني، هو أن قادة النظام يسعون الآن للعودة إلى الاستراتيجية التقليدية ومهاجمة القوات الأمريكية بواسطة منظمات غير إيرانية تخضع لإمرتهم.
لقد أمسكت التصفية بالقيادة الإيرانية بمفاجأة تامة، وعكست الرهان الفاشل الذي أخذه خامينئي حين قاد التحول في الاستراتيجية الإيرانية. وحسب التقارير، خطط سليماني للتصعيد ضد القوات الأمريكية في الوقت الذي عمل فيه على هجمات ضد قواعد وطائرات أمريكية في العراق من خلال تعزيز تهريب الصواريخ المحسنة إلى العراق. والخطة التي كان يفترض أن تنفذ فوراً جعلت من سليماني خطراً كبيراً وفورياً.
في الرد الإيراني على التصفية، كان مهماً لخامينئي أن يهاجم الولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن كي يبث للمجتمع في إيران، ثم لدول المنطقة وللغرب بأن النظام لا يزال قوياً. ولكن مع أخذ تهديدات ترامب بمهاجمة إيران بالحسبان، كان من شأن هجوم إيراني مباشر أن يورط إيران الثورية برد عسكري كبير من جانب الولايات المتحدة، ما يتعارض ومفهومها الأمني.
وبناء على ذلك، تكثر المؤشرات إلى أن هجمة الصواريخ الإيرانية ضد القواعد الأمريكية في عين الأسد وفي أربيل بالعراق، بعد خمسة أيام من تصفية سليماني، كانت عقيمة عن وعي وعن قصد (رغم أكاذيب الدعاية الإيرانية).
صحيح أن الصواريخ الإيرانية كانت دقيقة وزرعت دماراً كبيراً، ولكن إيران فعلت كل ما في وسعها كي تمتنع عن قتل جنود أمريكيين. وأفاد دبلوماسي إيراني مجهول الاسم بأن إيران قررت هذه الاستراتيجية بعد أن ناشدت القيادة الأمنية في الدولة وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي، عليّ شمخاني، خامينئي ألا يقر هجوماً يتضمن قتلاً لجنود أمريكيين.
كما يبدو، في ضوء تهديدات ترامب بهجوم مباشر على إيران، استوعبت القيادة الإيرانية قيود قوتها، وعادت للتمسك باستراتيجيتها الأصلية في أن حرباً ضد الولايات المتحدة قد يعرض استمرار وجود النظام للخطر. وفي أعقاب الاحتجاج المتواصل في لبنان والمكانة المتردية حتى في أوساط الطائفة الشيعية في لبنان، يبدو أن حزب الله، المنفذ لكلمة النظام الإيراني، لا يمكنه أن يخاطر بنشاط إرهابي علني ضد الولايات المتحدة، إذ إن من شأن الأمر أن يوقع على الاقتصاد اللبناني عقوبات أمريكية شالة، ويجر المنظمة إلى مواجهة مباشرة مع الأمريكيين. إذا شارك حزب الله في نشاط إرهابي ضد الولايات المتحدة في المنطقة، فسيكون مطالباً بإخفاء دوره.
يبدو أن النشاط الإرهابي بقيادة إيران ضد الولايات المتحدة سيتركز في العراق، وبعد ذلك سيتجه إلى ساحات أخرى في المنطقة، إذا ما نجح. والتركيز على الساحة العراقية سيسمح لإيران أن تعمل بقوة أكبر ضد الاحتجاج الجماهيري المتواصل في العراق ضد إيران منذ بداية تشرين الأول، ويمنح إيران فرصة لحرف احتجاج العراقيين ضد التدخل الأجنبي من إيران إلى الولايات المتحدة.
على الولايات المتحدة أن تستعد إذن لسلسلة هجمات محتملة ضدها في العراق ويحتمل أيضاً في ساحات أخرى في الشرق الأوسط، وعلى رأسها اليمن، بسبب التموضع الكبير للحوثيين بإسناد كبير من حزب الله وفيلق القدس الموجود في الدولة. والهدف هو تحقيق إصابات متراكمة تنفذ وفقاً للفرص العملياتية على الأرض. وبالتالي، على الولايات المتحدة أن تصعد جهود الإحباط والإدانة والعقوبات على محور المقاومة بعمومه، واتخاذ خطوات هجومية مسبقة عند الحاجة.
وحتى لو لم تكن إسرائيل الآن في مركز التخطيطات الإيرانية لخطوات الرد، عليها أن تكون متحفظة استخبارياً، سواء تجاه التصعيد معها أم لغرض إعطاء دعم استخباري للقوات الأمريكية. كل هذا، بينما أساس الجهد يجب أن يكون موجهاً للاستعداد للقرارات اللازمة إذا ما سرعت إيران جهودها في مجال جمع المواد المشعة.
وعلى الولايات المتحدة أن تواصل تعزيز قوة ردعها تجاه إيران من خلال تهديدات مباشرة ضد قادة منظومة الإرهاب لديها. من المهم أن تواصل الولايات المتحدة الزخم ضد الإرهاب بقيادة إيران، من خلال تهديدات مباشرة على قادة منظومة الإرهاب المؤيدة لإيران في العراق، بحيث تعكس الواقع الجديد الذي سيخرجون في إطاره من مجال الحصانة.
القدس العربي