الحوت الأميركي والدب الروسي في الخليج

الحوت الأميركي والدب الروسي في الخليج

485221-thumb-590x443

تستقبل الدوحة، الأسبوع الجاري، وزيري خارجية الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي، جون كيري وسيرجي لافروف، وتأتي زيارتهما إثر توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ومعهم ألمانيا (5 + 1) في مطلع شهر يوليو/تموز الماضي، بعد مفاوضات أخذ مداها ما يزيد على اثني عشر عاماً. وجاءت نتيجة ذلك الاتفاق في صالح إيران إلى حد بعيد، وتقول الولايات المتحدة إنها منعت إيران من الوصول إلى تحقيق قدراتها المعرفية في المجال النووي، بهدف الوصول إلى إنتاج سلاح نووي. وحققت روسيا، أيضاً، أهدافا استراتيجية من الاتفاق.
(2)
تشعر الدول الخليجية العربية بالقلق على أمنها ومستقبلها السياسي والاقتصادي، من جرّاء الاتفاق بين إيران و (5 + 1)، إذ يلاحظ المراقب المهتم بأمن الخليج العربي تزايد الأعمال الإرهابية في المنطقة، بعد توقيع الاتفاق، علما أنه لم يدخل حيز التنفيذ بعد. تفجيرات واعتقالات في الكويت والبحرين والسعودية، وعمليات تهريب أسلحة ومتفجرات، وعناصر بشرية كاملة التدريب، كما أشارت الصحافة الخليجية. لا يمر أسبوع واحد في مملكة البحرين، من دون أن تسمع تهديداً وتحريضاً يستهدف أمنها من قيادات إيرانية رفيعة المستوى. المملكة العربية السعودية تتعرض لهجمات مسلحة على حدودها الجنوبية من مليشيات حوثية مدربة ومسلحة ومؤيدة من إيران. أليس من حق هذه الدول أن تشعر بالقلق على أمنها وسلامة أراضيها وسيادتها، بعد أن أصبحت إيران عضواً منتسباً إلى النادي النووي، والاعتراف لها بالمكانة والقوة والنفوذ في إقليم الخليج العربي؟
(3)
جاء وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، إلى الخليج العربي، ليؤكد تطمينات الولايات المتحدة لدول مجلس التعاون أن الاتفاق مع إيران لن يكون على حساب أمنهم واستقرارهم، وأن أميركا ما برحت ملتزمة بتعهداتها بشأن أمن دول مجلس التعاون من أي عدوان خارجي، لكنها، في المقابل، لن تمنع إيران من العبث بأمن المنطقة عن طريق عملائها وخلاياها النائمة في المنطقة. وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد قال لقادة مجلس التعاون الذين التقى بهم في منتجع كامب ديفيد في مايو/أيار الماضي “لا أضمن لكم سوى حمايتكم من هجوم إيراني مباشر ضدكم، أما أدوات إيران في حزب الله إلى النظام السوري والحوثيين، فهذا شأنكم، فتصرفوا وإلا فاصمتوا”. كلام واضح. لكن، هل أعلنت الولايات المتحدة صراحة، لإيران وغيرها، أن أمن دول مجلس التعاون الخليجي خط أحمر، كما أعلنت أن أمن إسرائيل خط أحمر؟ ونسأل الإدارة الأميركية: ما هو الفرق بين احتلال إيران أربع عواصم عربية، كما اعلن مسؤولوها واحتلال العراق الكويت؟ الثاني قوبل بحرب ضروس، وجرّد العراق من كل قوته العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وأخيرا احتلاله.

(4)
يقول الرئيس أوباما إن المعترضين على الاتفاق النووي مع إيران لم يقدموا بديلاً، واكتفوا بالمعارضة الكلامية. البدائل كلها بين يدي الرئيس أوباما، منها إجراء تفتيش عن طريق وكالة الطاقة الذرية، وبموجب قرار من مجلس الأمن الدولي، تحت الفصل السابع، يشمل كل الأراضي الإيرانية لمعرفة مخزونها من أسلحة الدمار الشامل وتدميره، وتدمير الصواريخ البالستية بعيدة المدى التي تملكها إيران، إجبار إيران على عدم إنتاج أسلحة صاروخية، يزيد مداها على عشرات الكيلومترات. وقد أرست حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة سوابق في هذا الشأن، كان آخرها العراق في حقبة التسعينيات.
أخيراً، ليس لدى أميركا عقبة في بيع أسلحة إلى دول الخليج العربية، لكنها دفاعية من نوع لا يهدد أمن حلفائها، بما في ذلك إسرائيل وإيران حديثاً.
(5)
جاء وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أيضاً، إلى الخليج العربي، ليسمع ما سيقال للنظيره الأميركي وجها لوجه، وليقول إن موسكو جاهزة لتكون الصديق الموثوق به لدول مجلس التعاون، وقد أثبتت صدق صداقتها مع الحكومة السورية، وحالت دون سقوط نظام بشار الأسد، وأنها زودت إيران بمفاعلات نووية سلمية، من السهولة تحويلها للأغراض العسكرية، بينما كانت أميركا تجري محادثات مع إيران أكثر من اثني عشر عاماً. وقد أعلنت موسكو، رسمياً، والمحادثات بين إيران و (5 + 1) تجري في فيينا، أنها ستبني ثمانية مفاعلات جديدة، ويتضمن ذلك الاتفاق إقامة مفاعلين جديدين، داخل المحطة النووية الأولى، والتي أنشأتها روسيا عام 2013، وكذلك إقامة مفاعلين في بوشهر على الشاطئ الشرقي لمياه الخليج العربي، وهذا، في حد ذاته، يشكل خطورة على مياه الخليج التي تعتبر المورد الرئيس لمياه الشرب والمياه الصالحة للاستعمال الإنساني، إلى جانب الخطورة على الثروة السمكية، حيث إن الخليج يعتبر من الخلجان المغلقة.
يعكس الظهور الروسي بهذا الثقل في المنطقة، في حد ذاته، صراعاً بين الدب الروسي والحوت الأميركي، فالدب الروسي يريد أن يثأر من الغرب، لموقفه من المسألة الأوكرانية، وفرض عقوبات على روسيا. ويعتبر بعضهم الاتفاقيات الموقعة بين الروس والإيرانيين في الشأن النووي بمثابة ضربة للأوروبيين، والحق إنها ضربة أيضا لدول مجلسي التعاون الخليجي.
آخر القول: أتمنى أن يدرك حكامنا الميامين أنه لا ثقة في وعود الدول الكبرى، وعليهم الاعتماد على جبهتهم الداخلية، وأن يعيدوا النظر في كل سياساتهم السابقة، تسليحا واقتصاداً وتحالفات.

محمد صالح المسفر

صحيفة العربي الجديد