دعت أنقرة إلى عقد جلسة طارئة لأعضاء حلف شمال الأطلسي بموجب المادة الرابعة للمعاهدة، خوفًا على سلامة أراضيها واستقلالها السياسي والتهديدات الأمنية. وكانت نقطة البداية لهذا الحدث هي التفجير الانتحاري الأخير بواسطة تنظيم الدولة الإسلامية في 20 يوليو والذي أسفر عن مقتل 32 شخصًا.
واستجابة لذلك، قامت القوات المسلحة التركية بتنفيذ غاراتها الجوية الأولى ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. كما استهدفوا أيضًا حزب العمال الكردستاني في العراق عن طريق حزمة من الهجمات الجوية والبرية.
وتواجه تركيا اثنين من التهديدات -تنظيم الدولة الإسلامية والمسلحين الأكراد- بالإضافة إلى تمدد السيادة الكردية بحكم الأمر الواقع في شمال العراق، والحرب الأهلية المستمرة وتنظيم الدولة الإسلامية على حدودها الجنوبية مع سوريا.
كما تصارع تركيا أيضًا مع البعد السياسي غير المستقر؛ حيث توجد كتلة سياسية كبيرة ساخطة بشدة. ويدعو الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو إلى تشكيل حكومة جديدة منذ يوم السابع من يونيو. ويتم اتهامه بتعطيل هذه الخطوة من أجل الحفاظ على قاعدة القوة الخاصة بحزبه في حين لا يقدّم المعطيات الرسمية اللازمة من أجل تشكيل أي ائتلاف. وربما تزيد الانتهازية السياسية في الساحة الأمنية من تعرض أمن البلاد للخطر. وربما تحدث انتخابات مبكرة وسط حالة من مركزية السلطة في ظل رئاسة أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
وكانت استراتيجية الأمن القومي التركية تعتمد باستمرار على استهداف التهديد التاريخي الأكبر للحركة الانفصالية الكردية وعدم الدخول في حرب مع الدولة الإسلامية أو الانخراط في الحرب الأهلية السورية بدون دعم الغرب، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح وتغيير نظام حكومة بشار الأسد.
وقد أحسنت تركيا استقبال مئات الألاف من اللاجئين السوريين، ولكنها تعارض مساعدة المسلحين الأكراد الموجودين شمال شرق سوريا، حتى خلال الأزمات الإنسانية والتهديدات المحتملة للإبادة الجماعية. وقد ساعدت هذه الحقيقة على عدم استمرار اتفاقية وقف إطلاق النار قصيرة الأجل مع الإنفصاليين.
وقد رفض حلف الناتو المطالب التركية ولكنه تعاون معها إلى حد كبير، وبعد موافقة الأتراك، تم استخدام القواعد الجوية التركية والمساعدة في تدريب قوات المعارضة للمشاركة في الحرب.
وجاءت تلك الجلسة الطارئة بلا شك ردًا من الأتراك على الراديكالية التي لا مفر منها للراية السوداء لتنظيم الدولة الإسلامية. وقبل الهجوم الإرهابي الأخير، منعت تركيا نفسها بنجاح من أن تصبح في مرمى نيران الخلافة الزائفة منذ العام 2013. بداية من مفاوضات إطلاق سراح الرهائن الأتراك في الموصل بالعراق، والممارسات التركية المثيرة للتساؤل لسياسات الاسترضاء الخارجية المحتملة مع الجماعة الإرهابية، بالإضافة إلى سياسات عدم التدخل الأمني.
وكما توقعت وتوقع الكثيرون غيري، لم تول تركيا اهتمامًا كبيرًا لمصفوفة تهديدات الدول السلامية، وبدلا من ذلك، استبدلتها بخصومها من الأكراد منذ فترة طويلة. وفي حين أن العنف السياسي للمسلحين الأكراد لازال تهديدًا قويًا، إلا أن تركيا استمرت في مفاقمة الأوضاع. ويكمن الفرق الآن في كون تركيا لم تعد تشعر بالارتياح مع وجود الترتيبات الضمنية لتدخُّل تنظيم الدولة الإسلامية في شؤونها الداخلية، وتحريض المواطنين على التطرف الداخلي والإرهاب المحلي. فقد ألقت القبض بالفعل على 1000 شخص مشتبه به من الإرهابيين والإنفصاليين.
ويعرض حلف الناتو الآن على أنقرة نفس الموقف الذي عرضه من قبل، ومن المرجح الآن بشكل كبير أن تقبل أنقرة، سواء مع وجود وعد بتغيير النظام أو عدم وجوده والذي يتطلب استجابة عسكرية أكبر ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وهناك حاجة إلى وجود منطقة خالية من تنظيم الدولة الإسلامية وإلى مشاركة تركيا من أجل استعادة استقرار الحدود التي يزداد النزاع عليها من قبل الدولة الإسلامية.
كما أن هناك مسألة أخرى سوف تحتاج إلى معالجة وهي مخاوف المتمردين المسلحين الأكراد لوحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، والتي تدعي أنها تتعرض لهجمات مستمرة بواسطة قوات الأمن التركية. وفي كثير من الأحيان يحدث ذلك من داخل الحدود التركية، خاصة عندما يكونوا تحت الحصار أو في موقف دفاعي.
ومن المفارقات، أن كثيرًا من تلك المجموعات يتلقى مساعدات من الدول الغربية لمحاربة الدولة الإسلامية. وسوف تضطر أنقرة إلى طمأنة حلف الناتو وتوقيع معاهدة وقف إطلاق النار مع تلك القوات المقاتلة ضد تنظيم الدولة الإسلامية مع التنسيق الرسمي بينهما. ويشكل الأكراد غالبية سكانية في شرق تركيا، ويتشاركون الحدود مع العراق وسوريا على أمل أن يصبحوا ذات يوم دولة عرقية منفصلة: كردستان.
وبالتالي، فإن الهلع التركي هو نتيجة لسوء الإدارة الأمنية المتمثل في إهمال التهديد المتنامي لتنظيم الدولة الإسلامية وتجديد الحرب بعد توقيع السلام مع الأكراد. ويبدو أن تركيا قد وقعت تحت رحمة الأيادي الخارجية، ونأمل أن تستمع إلى صوت النصيحة الاستراتيجية لضمان سلامتها. فالمشاركة الكبيرة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية أمر مرحب به، ولكن المزيد من الهجمات ضد حزب العمال الكردستاني داخل العراق أو حتى ضد وحدات حماية الشعب على الحدود قد يسبب جهودًا مشتركة قصيرة الأجل. والحقيقة هي أن تركيا تكتشف لتوها مدى توسع وزحف الخلافة داخل أراضيها.
التقرير