ما لا تتوقع وروده في نص الاتفاق الإيراني الغربي

ما لا تتوقع وروده في نص الاتفاق الإيراني الغربي

580

معظم النقاش الذي يدور اليوم حول نص الاتفاق النووي إنما يركز على الخطوط العريضة والقضايا الأساسية الكبرى التي يعتقد المشككون أنها ليست بالصرامة التي قال أوباما بنفسه إنه يحرص عليها.

وقد تبين أن كثيرا من هذه القضايا الأساسية تتناقض حقيقة مع الوعود التي قطعتها إدارة أوباما سابقا، وهي لا ترقى حتى للمعايير التي قامت بتحديدها بنفسها للاتفاق المقبول والجيد.

المثير للاهتمام أن مراجعة نص الاتفاق تضعك أمام الكثير من التفاصيل الصغيرة المدفونة على شكل ألغام قابلة للانفجار خلال أي مرحلة من مراحل الاتفاق. وبمراجعة سريعة لنص الصفقة التي تقع في 159 صفحة، سيجلب انتباهك الكثير من القضايا التي لم يكن أحد يتصور ورودها في نص الاتفاق، لعل أهمها على الإطلاق ما يلي:

1) إجراءات إيران الواردة في الاتفاق “طوعية”!
الاتفاق ينص في فقرة من سطرين ترد مباشرة بعد انتهاء المقدمة التي تبلغ خمس صفحات على ما يلي: “إيران.. ستتخذ الإجراءات الطوعية التالية (يذكر التقرير فيما بعد الإجراءات التي تتضمن مواضيع التخصيب والأبحاث والتطوير والتخزين ومفاعل أراك وإجراءات الشفافية وبناء الثقة.. إلى آخر ما ورد في الاتفاق) ضمن السياق الزمني المفصل في نص الاتفاق وملحقاته”. وقد وردت كلمة “الإجراءات الطوعية” مرتبطة بإيران في خمس حالات على الأقل.

لست خبيرا قانونيا بالتأكيد، لكن ما معنى أن يرد في نص الاتفاق وبالخط العريض مثل هذه الجملة التي تقول إن الإجراءات طوعية! لا يبدو أن هناك خطا فاصلا بين الإجراءات الملزمة لإيران والالتزامات المفروضة عليها من جهة، وبين الإجراءات الطوعية. والحقيقة من خلال نص الاتفاق -وعبر ما ورد في هذه الفقرة- فإن الإجراءات التي من المفترض أنها إلزامية تُعرف على أنها طوعية!

ألا يتيح ذلك لإيران مثلا في مرحلة من المراحل التراجع عن/ أو تعليق/ أو تأخير تطبيق بعض أو كل التزاماتها؟ ماذا إذا قالت إيران فيما بعد إنها تتعرض للإكراه من أجل تنفيذ أو متابعة تنفيذ هذه الإجراءات وأن ذلك عمل غير مبرر أو غير قانوني على اعتبار أنه من المفترض أن هذه الإجراءات طوعية؟

ألا يعني موضوع “الإجراءات الطوعية” أن إيران لا يمكن أن تكون في حال من الأحوال في وضع تخرق فيه التزامات مفروضة عليها في نص الاتفاقية على اعتبار أنها إجراءات طوعية!

2) مصطلحات مائعة وتعابير مطاطة
الاتفاق يتضمن عددا كبيرا من المصطلحات المائعة غير المحددة والتي يمكن تفسيرها بأوجه مختلفة ويمكن التذرع بها أيضا في حالات مختلفة لإيقاف التزامات الأطراف أو تعليقها أو تعطيلها أو تأخيرها دون أن يكون هناك إجراء حقيقي فوري لمعالجتها لأنها أمور “نسبية”.

ومن الغريب جدا في اتفاقية تقول إدارة أوباما إنها جيدة، أن يرد هذا الكم الهائل من المصطلحات المطاطة. نستطيع أن نجد مثلا “النوايا الحسنة”، “الاحترام المتبادل”، “بشكل عام”، “إجراءات طوعية”، قضايا/منشآت “ذات الصلة”، “الأجواء البناءة”، حل “مرضٍ”….إلخ. أما كلمة “تفتيش” على سبيل المثال والتي من المفترض أنها مهمة جدا لم ترد سوى ثلاث مرات وبشكل سطحي غير متعلق بفحوى المضمون النووي، ولكننا سنعرف فيما بعد لماذا لم ترد كما كنا نتوقع.

3) لا يمكن لأميركا إعادة فرض العقوبات المفروضة على إيران بعد رفعها!
تقول النقطة رقم 26 تحت عنوان “العقوبات” في السطر السابع، ما يلي “الإدارة الأميركية بما يتسق مع دور الرئيس الأميركي والكونغرس سوف تمتنع عن إعادة إدخال أو إعادة فرض العقوبات المحددة في الملحق الثاني والتي أوقفت تطبيقها بموجب هذا الاتفاق… الإدارة الأميركية بما يتسق مع دور الرئيس الأميركي والكونغرس سوف تمتنع عن فرض عقوبات نووية جديدة”.

هذا النص -طبعا- يتناقض كليا مع مفهوم (snap back) وإعادة فرض العقوبات على إيران لاسيما الشطر الأول منه، ويمكن في أفضل الأحوال أن يؤسس لحالة نزاع، وتتذرع إيران به لإيقاف تنفيذ التزاماتها كما سيرد.

4) الاتفاق يمكِّن إيران من إيقاف تنفيذ ما يترتب عليها من التزامات!
الفقرة نفسها المذكورة أعلاه تقول “إيران ستتعامل مع إعادة إدخال أو إعادة فرض العقوبات المحددة في الملحق الثاني أو مع إعادة فرض عقوبات نووية جديدة على أنها أرضية أو سبب لإيقاف تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق كليا أو جزئيا”.

أيضا في مكان آخر من الاتفاق وتحت عنوان “آلية حل النزاع” في النقطة رقم 36، هناك نص على أنه إذا حصل نزاع أو اختلاف وتمت إحالته إلى اللجنة المخولة بحث النزاع، وإذا ما تم استنفاد كل الإجراءات المنصوص عليها لحل الخلاف، ومع ذلك لم يقتنع الطرف المشتكي بهذه الجهود أو بالحل الذي تم تقديمه، يمكن له بموجب النص الوارد في الاتفاق أن يعتبر أن الأمر يشكل أرضية لأن “يوقف تنفيذ التزاماته كليا أو جزئيا و/أو يبلغ مجلس الأمن بأنه يعتبر أن الموضوع -الذي تسبب بالنزاع- يشكل حالة خرق خطيرة للاتفاق”!

5) لن يُسمح بمفتشين أميركيين على الإطلاق!
ورد في الاتفاق تحت عنوان “التكنولوجيا الحديثة والتواجد طويل الأمد” النقطة 67، الفقرة الرابعة ما نصه “إيران سترفع من عدد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى حدود ما بين 130 و150 فردا خلال الأشهر التسعة الأولى من تاريخ تطبيق الاتفاق، وستسمح بشكل عام بتعيين مفتشين من الدول التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إيران بما يتماشى مع القوانين والأنظمة”. ولنا أن نتساءل هنا أيضا عن معنى “بشكل عام”، وهل إيران منخرطة في عملية اختيار جنسية المفتشين وكيف لهذا أن يساعد حقيقة في ضمان عملية التفتيش شفافة ونزيهة؟

6) أميركا ستحمي البرنامج النووي الإيراني من أي عملية تخريب خارجية!
ورد في القسم تحت عنوان “السلامة النووية، وإجراءات الوقاية والأمن” في النقطة رقم 10 في الفقرتين الثانية والثالثة ما يلي:

– “التعاون في دورات التدريب وورشات العمل لتقوية قدرة إيران على منع/ الحماية من/والرد على التهديدات الأمنية النووية للمنشآت والأنظمة النووية، إلى جانب إتاحة أمن نووي فعال ومستدام وأنظمة حماية مادية” (يعني للمنشآت).

– “التعاون من خلال التدريب وورشات العمل لتقوية قدرة إيران للحماية ضد/ والرد على التهديدات الأمنية النووية بما في ذلك التخريب، بالإضافة الى إتاحة أمن نووي فعال ومستدام وأنظمة حماية مادية”.

بموجب هذه الفقرة، هناك التزامات على الولايات المتحدة وآخرين بحماية ليس البرنامج النووي الإيراني فقط -وإنما المنشآت الفعلية أيضا والأجهزة- من أي عملية تخريب بما فيها الخارجية سواء عبر القصف الصاروخي أو الهجمات الإلكترونية.

عندما سُئِل وزير الخارجية جون كيري الأميركي في جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في 23/7 عما إذا كانت هذه الفقرة تعني وجود التزامات أميركية بالدفاع الفعلي و”الحسي/ المادي” عن برنامج إيران النووي ضد أي عملية تخريب خارجية من قبل خصوم إيران أو ممن لم يعجبهم الاتفاق أو يوافقوا عليه، سواء إسرائيل أو أي دولة في العالم، والرد على عمليات التخريب التي قد تصيب البرنامج النووي الإيراني، لم ينف كيري هذا الأمر، أراد التهرب منه لكن انتهى به الأمر ليؤكد المفهوم وبشكل أكثر تفصيلا ليتضمن “الحماية من الهجمات الإلكترونية” أيضا!

إذ قال كيري “الهدف هو الحصول على ضمانات طويلة الأمد بينما ندخل عصر الحروب الإلكترونية التي تعتبر مثار قلق من الجميع.. إذا كنت ستحصل على قدرات نووية، فمن الواضح أنك تريد أن تكون قادرا على أن تكون متأكدا من أن هذه القدرات -النووية- محمية بشكل مناسب”!

7) إيران ستفتش نفسها بنفسها!
ترد كلمة (IAEA) “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” 117 مرة في نص الاتفاق للدلالة على أهمية ومحورية الدور الذي تلعبه المنظمة لاسيما في موضوع التفتيش والمراقبة الذي يعد جوهر فكرة ضمان عدم حصول أي عمليات غش وخداع، وللتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام.

لكن الاتفاق النووي لم يذكر أن هناك اتفاقا سريا تم التوصل إليه بين كل من الوكالة وإيران لاسيما فيما يتعلق بالإجابة عن ماضي إيران النووي والاشتباه في البعد العسكري لبرنامجها.

الاتفاق السري المضمون، والذي تبين أنه لا يحق لأحد الاطلاع عليه بما في ذلك الكونغرس الأميركي، علم عدد من أعضاء الكونغرس مثل (مايك بومبيو، وتوم كوتون) بشأنه بالصدفة عندما كانوا في اجتماع في فيينا مع مسؤول من الوكالة أكد لهم أن مضمونه سري ولا يحق لأحد الاطلاع عليه.

في جلسة الاستماع لكيري أمام لجنة الشؤون الخارجية في 23/7، فجّر السيناتور جايمس ريتش قنبلة عندما كشف أن جزءا من الاتفاق السري والذي يتضمن أيضا التعامل مع موقع “بارتشين” العسكري الإيراني ينص على أن الإيرانيين سيقومون بأنفسهم بأخذ عينات من الموقع ويسلمونها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لفحصها. بمعنى آخر، الإيرانيون سيفتشون أنفسهم بأنفسهم!

تفاجأ المستمعون بهذا الكلام، فسأل السيناتور بوب مينديز الوزير كيري في نفس الجلسة “هل صحيح أن الإيرانيين هم من سيأخذ العينات من بارتشين”؟! وكان جواب كيري بأن هذا الموضوع جزء من اتفاق سري بين الوكالة وإيران.

8) القيود على نشاطات إيران الصاروخية لم تعد ملزمة!
النص الذي سأنقله الآن لم يرد في الاتفاقية وإنما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي صدر في 20/7/2015 للمصادقة على الاتفاق النووي الأميركي الإيراني، وهو بهذا المعنى مرتبط أيضا بالاتفاق.

يقول القرار 2231 في الملحق (ب) في الفقرة رقم 3 “إيران مدعوة إلى عدم القيام بأية نشاطات متصلة بالصواريخ الباليستية المصممة لكي تكون قادرة على حمل رؤوس نووية بما في ذلك وسائل الإطلاق كتكنولوجيا الصواريخ الباليستية، حتى مرور ثماني سنوات على تبني الاتفاق النووي أو حتى اليوم الذي تقدم فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرا تؤكد فيه الاستنتاج الأوسع إذا ما تم ذلك قبل الحالة الأولى”.

لكن وفقا لقرار مجلس الأمن السابق رقم 1929 الصادر استنادا إلى الفصل السابع في العام 2010 بالفقرة رقم 9 والمعنية بنفس الموضوع والتي تم بموجبها فرض الحظر على أنشطة إيران الصاروخية، فإن الصياغة كانت على الشكل التالي “لا يجوز لإيران أن تقوم بأي نشاطات متصلة بالصواريخ الباليستية المصممة لكي تكون قادرة على حمل رؤوس نووية بما في ذلك وسائل الإطلاق كتكنولوجيا الصواريخ الباليستية، وعلى الدول أن تتخذ كافة التدابير اللازمة لمنع نقل التكنولوجيا أو المساعدة التقنية لإيران المتعلقة بمثل هذه الأنشطة”.

والفرق في الصياغة بين الفقرة الأولى (الجديدة) التي تتضمن “دعوة” وبين الفقرة الثانية (القديمة) التي تتضمن “منعا” واضحٌ جدا، فالأولى لغتها غير ملزمة وهي تقوم على دعوة، بينما الثانية قاطعة في المنع وتترتب على خرقها تبعات قانونية أيضا.

علي حسين باكير

الجزيرة من