أعلنت السلطات السودانية، على لسان محمد حسن التعايشي، عضو مجلس السيادة، اتفاق وفدها التفاوضي مع حركات الكفاح المسلح في إقليم دارفور على تسليم مطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسهم الرئيس السابق المخلوع عمر حسن البشير، وأربعة من قيادات حزبه متهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
تم تأكيد هذا الإعلان على لسان عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي بنفسه، لدى لقائه المدير التنفيذي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، الذي تعهد بتقديم «كل من ارتكب فظائع خلال الـ30 عاما الماضية إلى العدالة»، وهو تعهد لا يخلو من المكابرة والمبالغة لأنه يتجاوز عملياً الرئيس البشير والمتهمين الآخرين ويمكن استخدامه ضد البرهان نفسه حين يصل الأمر إلى محاسبة المسؤولين عن مقتل أكثر من 100 سوداني خلال أحداث فض الاعتصام أمام مبنى قيادة الجيش السوداني في الخرطوم، وكذلك ضد نائبه محمد حمدان دقلو، قائد «قوات الدعم السريع» والتي كانت الطرف الضارب الرئيسي في أحداث دارفور، كما ساهمت قواته في قمع انتفاضة 2013 متسببة بمقتل ما لا يقل عن 250 شخصا، وكانت «هيومن رايتس ووتش» نفسها قد اتهمته وقواته بارتكاب انتهاكات في دارفور، وطالبت جهات، مثل المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين، المحكمة الجنائية الدولية بإدراجه ضمن قوائم المطلوبين.
توضح الوقائع الآنفة سبب اعتبار محامي البشير القرار «عدواناً سياسياً وانتقاماً»، معتبراً أن القرار ستكون له تداعيات أمنية وسياسية «عظيمة الأثر في السودان»، والحقيقة أن القرار بحيثيته ورمزيّته يفترض أن تكون له تداعيات سياسية خارج السودان أيضاً، فإذا جرى تنفيذ هذا الإعلان وتم تسليم البشير وكبار المسؤولين المطلوبين فإنه سيمثّل سابقة كبرى في تاريخ الزعماء العرب، الذين شهدنا، منذ انطلاق الثورات عام 2011 خلع وسقوط ومقتل العديدين منهم، لكنّ حدث تسليم البشير سيعطي للنخب والشعوب قدرة الاستناد إلى سابقة خضوع الأنظمة العربية، وزعمائها، لأحكام القانون الدولي، ومحاسبتهم على جرائمهم الكبيرة باتجاه شعوبهم، كما أنه سيعطي للسودانيين، ولنظرائهم العرب، أملاً ممكناً بتحقيق العدالة.
لقد جعل أغلب الزعماء من مناصبهم وأشخاصهم وممارساتهم نماذج شنيعة لتمثيل العرب في المنظومة الدولية، وصار خروجهم من مناصب الحكم الدكتاتورية أشبه بعملية مستحيلة وتؤدي في أغلب الأحيان إلى حروب أهليّة دامية، فمرور عشرات السنين على حكم الطغيان يؤدي إلى انحطاط مهول في المنظومة السياسية يصل حتى إلى المعارضات التي تطبّعت بدورها بطباع الاستبداد، وحوّلتها عقود السجن والقمع والبطش إلى تنظيمات غير ديمقراطية معاقة ونازعة للانتقام وإفناء أو إقصاء الأحزاب والاتجاهات التي تواجهها.
تسليم البشير هو سابقة مهمّة طبعاً، لكنّ مسؤوليه الكبار الذين انغمسوا بالدم وتسببوا بجرائم كبيرة لا يجب أن يجعلوه كبش فداء لاستمرارهم في السلطة، أو اضحية للتقرب من النظام الدولي فحسب.
القدس العربي