ارتبطت علاقة واشنطن السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية بالنظام السياسي العراقي في مرحلة ما بعد نيسان/ إبريل عام 2003م، ارتباطًا وثيقًا.
وبعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي في حزيران/يونيو عام 2014م، ازداد التعاون العسكري والأمني-الاستخباراتي بين الولايات المتحدة الأمريكية وداعش، الأمر الذي كان له الأثر الإيجابي في دحر ذلك التنظيم الإرهابي، وقد أظهرت حرب تحرير العراق من دنس تنظيم داعش، والحالة الإقليمية غير مستقرة، بأن العراق عسكريًا ما زال يواجه اليوم تحدياً متعدد الجبهات في مجال الدفاع الجوي، وهو:
إسرائيل: من الغرب، تصر إسرائيل على منع الجماعات الخاصة المدعومة من إيران من استخدام الأراضي العراقية لأي من هذين الغرضين: (1) كممر استراتيجي لإيصال الإمدادات إلى “حزب الله” في لبنان والقوات الإيرانية العازمة على تهديد الحدود الإسرائيلية.
أو (2) لاستخدامها كمنصة مباشرة لإطلاق الصواريخ الإيرانية على إسرائيل. وقد تم الحديث في السنوات الأخيرة عن إمكانية استخدام العراق كممر للعمليات الجوية الإسرائيلية ضد البرنامج النووي الإيراني.
تركيا: إلى الشمال، تنفّذ تركيا ضربات جوية شبه يومية ضد قوات «حزب العمال الكردستاني» المتواجدة على الأراضي العراقية.
إيران: من الشرق، شنّت إيران مراراً ضربات بالصواريخ والطائرات بدون طيار ضد أهدافٍ تابعة للمعارضة الكردية الإيرانية في شمال العراق وشرق سوريا.
ومن المعروف أيضاً أنّ الطائرات الإيرانية عبرت الأجواء العراقية خلال توصيلها الإمدادات العسكرية إلى سوريا ولبنان.
السعودية: من الجنوب، تعرّضت منشآت النفط السعودية لهجوم نفّذته جماعة «كتائب حزب الله» بواسطة طائرات بدون طيار في 14 أيار/مايو، العام الفائت.
بناء على هذه التحديات، ونقل شبكة “فوكس نيوز” عن مسؤولين عسكريين أميركيين أن البنتاغون قد ينشر منظومة دفاع جوي في العراق بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت قاعدتي عين الأسد في الأنبار وحرير في كردستان العراق.
وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، إن الولايات المتحدة تحاول الحصول على موافقة العراق لإدخال أنظمة صواريخ باتريوت الدفاعية للبلاد، للدفاع عن قواتها بعد هجوم إيران الصاروخي في الثامن من يناير الماضي والذي أسفر عن إصابة 50 جنديا أمريكا، وبهذا السياق بلغت الإدارة الأمريكية حكومة عادل عبدالمهدي رغبتها في ذلك، التي لم تتأخر في الرد عليها على شكل رسالة رسمية وهي على النحو الآتي:
تأتي الرغبة الأمريكية والرد الرسمي العراقي في ظل بيئة إقليمية شديدة التعقيد، حيث هذه الرغبة تقلق الحكومة العراقية، وترسل برسائل إقليمية ودولية لمن يهمه الأمر، فالعراق من جهته لا يرغب أن تكون أرضه مسرحًا للصراعات الإقليمية -إيران- والدولية كروسيا، فبعض القوى السياسية في العراق تدرك أن نشر منظومة الدفاع الجوي الأمريكية على أرضه يمثل امتدادًا لانتهاك سيادة العراق من أجل تحقيق مصالح واشنطن.
فالمصلحة الأمريكية في الوقت الراهن تتعارض مع المصلحة العراقية وخاصة بعد اصدار مجلس النواب العراقي قرارا يدعو إلى إخراج القوات الأمريكية من العراق.
إلا أن رغبة ومصلحة واشنطن تسير عكس ذلك القرار، فبحسب استطلاع للرأي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في كانون الأول/ يناير عام 2020، وقد أُجري هذا الاستطلاع مباشرة بعد الضربة الأمريكية، التي قتلت القائد الإيراني قاسم سليماني، وأظهر الاستطلاع أن غالبية الأمريكيين يريدون الحفاظ على الوجود العسكري في الشرق الأوسط بنسبة 45% في حين يعارض 24% فقط الانسحاب، والبقية إجابتها غير محسومة.
وفي الواقع، زاد الدعم لوجود قواعد عسكرية أمريكية محددة طوية الأجل في المنطقة منذ عام 2014، مع القول، إن الولايات المتحدة يجب أن يكون لها قواعد في العراق.
هذا يعني وعلى الرغم من عدم رغبة واشنطن بتزويد العراق بسلاح متطور في الدفاع الجوي، إلا أن العراق لا يزال يحظى باهتمام الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها لن تسمح بأن يصبح السلاح العراقي روسيا أو إيرانيّا.
روسيّا، إن أية صفقات شراء مستقبلية ستخلّف ثلاث تبعات سلبية على العراق.
أولاً، أبدت روسيا تلكؤاً في منح الجهات التي تشتري صواريخ أرض-جو، مثل سوريا، السيطرة الكاملة على مثل هذه المنظومات، كما أنها أخّرت تدريب الطواقم المحلية عليها.
ثانياً، حتى منظومات “إس-300” التي تشغّلها طواقم روسية والتي تم نشرها في سوريا لم تردع الضربات الجوية الإسرائيلية ضد القوات الإيرانية المتواجدة هناك.
ثالثاً، يستوجب “قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات” أن تحدّ واشنطن من تعاونها العسكري مع العراق إذا أقدمت على شراء أسلحة من روسيا.
وقد تؤدي العقوبات المترتبة على ذلك إلى الإضرار بالعلاقة الدفاعية الثنائية بين البلدين وإعاقة الدعم الأمريكي للعراق على صعيد مقاتلات “إف-16 أي كيو”، وصواريخ جو-جو، والرادارات، وغيرها من التقنيات الحساسة.
أما إيرانيّا بموجب الملحق (ب) من قرار مجلس الأمن رقم 2231، يحظّر بيع الأسلحة الإيرانية بشكل رسمي إلى العراق حتى شهر كانون الثاني/يناير 2021.
ومع ذلك، قد تنقل طهران سرّاً منظومات الدفاع الجوي إلى «قوات الحشد الشعبي» الحليفة لها قبل ذلك الحين، تماماً كما سبق لها أن فعلت مع المتمردين الحوثيين في اليمن.
وقد تشمل المنظومات الإيرانية المحتملة صواريخ أرض-جو متنقلة تحلّق على ارتفاعات متوسطة على غرار “تلاش” أو “باور-373” أو “خرداد 3” الذي يُزعم أن مداه يتراوح بين 75 و100 كلم، وأنه أسقط طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار من نوع “أر كيو-4 أ” فوق مضيق هرمز في 20 حزيران/يونيو.
وثمة احتمال آخر، وهو أن تقدّم إيران “منظومات دفاع جوي محمولة” متدنية المستوى من نوع “ميثاق” أو أنظمة مرتجلة كـ”بيروز” (النسخة الإيرانية من صاروخ “كورنيت” المضاد للدبابات، مع جهاز تعقب تلقائي يسمح باستخدام دفاع جوي قصير المدى)، أو أجهزة استقبال رادارية افتراضية كتلك التي زوّدتها للحوثيين.
ولعل الخطوة الأكثر فعالية هي أن تمّد إيران شركاءها في «الحشد الشعبي» بدعمٍ حربي إلكتروني، مستفيدةً من قدرتها المثبتة على التشويش على أنظمة التحكم في الطائرات الأمريكية بدون طيار.
ومنذ بدء الضربات الأخيرة على أهداف تابعة للميليشيا، يناقش القادة الإيرانيون والعراقيون مسألة إجراء تدريبات مشتركة في الدفاع الجوي، والإنتاج المشترك لأنظمة الدفاع والمراقبة ذات الصلة، فضلاً عن تفعيل اتفاقية استخباراتية مبرمة عام 2017 بشأن تشارك البيانات المتعلقة بالحركة الجوية من أجل تحسين إمكانيات رصد “الأعداء المشتركين”.
من الصعوبة بمكان أن تحصل الولايات المتحدة الأمريكية على مرادها في نشر منظومة دفاعها الجوي من حكومة تصريف أعمال، وأن الموافقة على النشر، تستلزم وجود حكومة عراقية تحظى بثقة مجلس النواب العراقي، وهذا لا يعني أن وجودها سيسهل أمر نشر المنظومة الدفاعية الأمريكية، فهو أمر في غاية الصعوبة في ظل حالة الاستقطاب والعداء الشديد بين واشنطن وطهران.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل ستحظى واشنطن بمرادها في العراق؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية