قال المعلق في صحيفة “أوبزيرفر” إن العنف الذي شهدته مدينة نيودلهي الهندية لم يكن بسبب شغب، ولكنه وحشية معادية للمسلمين. وقال إن اللوم يقع على القومية الهندوسية التي يمثلها حزب بهارتيا جاناتا الحاكم.
وأشار الكاتب في بداية مقاله: “في آب 1958 قامت عصابة من الشباب البيض بالهجوم على مواطنين أصلهم من ويست إنديز بالهروات الحديدية والسكاكين ورمي زجاجات الحليب عليهم. وقال رجل شرطة إن الغوغاء وعددهم 300 كانوا يصرخون اقتلوا كل السود أبناء الحرام ولماذا لا ترسلوهم إلى أوطانهم الأصلية. وتواصل الهجوم حتى أعيد النظام. ويعرف الهجوم في تاريخ لندن بأنه شغب نونتينغ هيل مع أنه لم يكن بهذا المعنى. فقد كان أسبوعا من الهجوم العنصري الحاقد”.
وقال القاضي سولومون أثناء نطقه بالحكم على تسعة من الشباب البيض في محكمة “أولد بيلي” إن ما جرى هو عملية “تصيد للزنوج” مع أن هناك تاريخا طويلا لوصف العنف العنصري بـ”الشغب” ووصفه على أنه عنف عام وليس هجمات عنصرية مستهدفة.
وهو ما وصفت به أحداث الأسبوع الماضي التي غمرت أجزاء من العاصمة الهندية نيودلهي، وحديث الساسة عن “الشغب” و”العنف الطائفي”، ولم يكن هذا الوصف دقيقا كوصف هجمات نونتينغ هيل ضد السكان السود. وما شهدته مدينة دلهي في الأسبوع الماضي هو مقابل هندي لعملية “تصيد الزنوج” في لندن، وكان عنفا استهدف المسلمين، قاده الغوغاء الهندوس القوميون من أنصار حزب بهارتيا جاناتا، الحزب الحاكم والذين هتفوا “جاي شري رام” (المجد لرام) وهو واحد من آلهتهم، و”هيندون كا هيندوستان” ( الهند هي للهندوس).
وبدأ العنف بعد خطاب للسياسي من حزب بهارتيا جاناتا، كابيل ميشرا، أمام تجمع يوم الأحد الماضي، وقال إنه بدون تنظيف الشرطة للشوارع من المتظاهرين ضد قانون تعديل الجنسية، فإنه سيقوم وأنصاره بتفريق المحتجين.
ويقوم قانون تعديل الجنسية على السماح للمهاجرين غير الشرعيين من دول الجوار الهندي طلب الجنسية باستثناء المسلمين. وهو أول قانون منذ حصول الهند على الاستقلال ويستبعد بشكل واضح المسلمين وأدى إلى احتجاج واسع.
وبعد ساعات من تهديد ميشرا، قامت عصابات من الحزب الحاكم بالهجوم على المتظاهرين ضد قانون تعديل الجنسية. وبعد أيام كانوا يهاجمون بيوت المسلمين ومحلاتهم التجارية ومساجدهم والمسلمين أنفسهم.
وقتل في العنف حوالي 39 شخصا بمن فيهم رجال شرطة. وتعرض الهندوس وبيوتهم للهجوم أيضا. وهو ما قاد البعض لوصف الأحداث في دلهي بأنها فوضى عامة وأنها عنف ارتكبه المسلمون وحدهم. وفي عام 1958 قام سكان لندن السود بالتسلح بالطوب والعصي وبدأوا يبحثون عن البيض لضربهم، وهذا لا يعني أن الهجوم عليهم لم يكن عنصريا. وكون المسلمين في دلهي ردوا على العنف بالعنف لا يلغي حقيقة العداء ضدهم والشوفينية الهندوسية والتي تقع في قلب العنف.
فحزب بهارتيا جاناتا تدفعه أيديولوجية “هيندوتفا” (الهندنة) حيث يرى أن طريق الحياة الهندوسية هي النموذج الأصح للهند. وكان على كل مسلمي الهند العودة إلى باكستان، كما قال غيرراج سينغ الوزير في الحكومة الشهر الماضي.
وفي آب/ أغسطس 2019 قامت الحكومة من تجريد جامو وكشمير ذات الغالبية المسلمة من وضعها المستقل في الدستور الهندي. وفاز حزب بهارتيا جاناتا مثل كل الأحزاب الرجعية الأوروبية دعما شعبيا وذلك بسبب السخط وفساد الأحزاب السياسية مثل حزب المؤتمر الهندي الذي حكم الهند معظم فترات ما بعد الاستقلال.
وعندما وصل حزب بهارتيا إلى الحكم عام 2014 لم يطلق للهندوسية الشوفينية التي يمثلها العنان. إلا أن الفوز الساحق العام الماضي فتح المجال أمام رئيس الوزراء ناريندرا مودي لكي يمارس سياساته الخاصة التي تقتصر على الهندوس وبدون ضابط أو حسيب.
ففي آب/ أغسطس 2019، قررت حكومته تجريد ولاية جامو وكشمير من وضعها المستقل، وهو مطلب يدعو إليه القوميون الهندوس منذ الخمسينات من القرن الماضي. وبعد ذلك جاء قانون تعديل المواطنة، وهو هجوم من شعبتين على المسلمين الهنود.
وكانت الشعبة الأولى هو قانون تسجيل المواطنة ويجبر كل المواطنين على تقديم وثائق عن وضعهم في البلاد. ولغير المسلمين فلا حاجة لتقديم أوراق أما المسلمين فهم مجبرون بالقانون على تقديم وثائق. ويعتبر من لا أوراق له “أجنبيا” حتى لو عاش في الهند طوال حياته ولأجيال، فقد أصبح هو ومواطنيه مثل الروهينجا، بلا جنسية.
ويرى الكاتب أن محاولة استبعاد المسلمين يكشف عن أيديولوجية شوفينية يتبعها الحزب الحاكم في الهند. وتكشف المعارضة لقانون تعديل المواطنة من المسلمين والهندوس على حد سواء المعاداة للتعصب.
ووسط المذبحة في نيودلهي انتشرت قصص عن مساعدة المسلمين الهندوس والهندوس المسلمين. وما يحدث في دلهي ليس نزاعا دينيا بل معركة حول صورة الهند، بين من يريدونها مفتوحة وعلمانية ومن يريدون خلق دولة هندوسية شوفينية. ومن سينتصر في المعركة لا يهم المسلمين فقط، بل يهمنا جميعا.
القدس العربي